الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/06/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث الألفاظ /منهجية البحث/ المنهجية الصحيحة
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
  احب أن أشير إلى شيء في أصالة عدم النقل. أن أصالة النقل هي: عندما يكون المعنى الموضوع له بحسب عرفنا الحاضر واضحا لكني اشك في عرف الشرع قبل الف سنه كيف كان الوضع، أو في عرف اللغة في عرف امرئ القيس، لا ادري! فاجري أصالة عدم النقل، وأيضا استصحب القهقرى، لو تم الاستصحاب القهقري.
  مع العلم أن كلمة أصالة عدم النقل أي نفس اللفظ يمكن أن يشمل أصالة عدم النقل من الماضي إلى الحاضر، ويمكن ان يشمل من علم إلى علم أيضا، مثلا: في اللغة، وفي معنى أول الشهر القمري، لا ندري ما هو! عند الفلكيين أول الشهر القمري هو التولد، فهل استطيع أن أقول أصالة عدم النقل من اللغة إلى الفلك، من الاصطلاح اللغوي إلى الاصطلاح الفلكي، هل تجري أصالة عدم النقل؟. ولكن المراد من أصالة عدم النقل في الاصطلاح هو إذا كان المعنى بلغتنا الحالية متيقنا واشك في وضعه في السابق.
  يقول الشيخ محمد رضا المظفر (ره) في كتابه الأصول ص 245 في شروط الاستصحاب: من شروط الاستصحاب، سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك، أي انه يجب أن يتعلق الشك في بقاء ما هو متيقن الوجود سابقا، وهذا هو الظاهر من معنى الاستصحاب، فلو انعكس الأمر بأن كان زمان المتيقن متأخرا عن زمان المشكوك بان يشك في مبدأ حدوث ما هو متيقن الوجود في الزمن الحاضر، فان هذا يرجع إلى الاستصحاب القهقري الذي لا دليل عليه، مثاله: ما لو علم بان صيغة " افعل " حقيقة في الوجوب في لغتنا الحاضرة وشك في مبدأ حدوث وضعها لهذا المعنى، هل كان في اصل وضع لغة العرب أو أنها نقلت عن معناها الأصلي إلى هذا المعنى في العصور الإسلامية. فانه يقال هنا إن الأصل عدم النقل لغرض إثبات أنها موضوعة لهذا المعنى في اصل اللغة ومعنى ذلك في الحقيقة جر اليقين اللاحق إلى الزمن السابق، ومثل هذا الاستصحاب يحتاج إلى دليل خاص ولا تكفي فيه أخبار الاستصحاب ولا أدلته الأخرى لأنه ليس من باب عدم نقض اليقين بالشك بل يرجع أمره إلى نقض الشك المتقدم باليقين المتأخر.
  توضيح: أصالة عدم النقل هو عندما يكون عندي يقين حالي وشك في السابق، وهذا يختلف عن استصحاب القهقرى الذي هو يقين حالي وشك سابق، كل ما في الأمر أن الاستصحاب القهقري اصل عملي وأصالة عدم النقل أصالة عقلية، سيرة عقلائية، أمارة عقلائية، ولذلك تعامل هذه الأصالة معاملة الأمارات، وأما استصحاب القهقرى فنعامله معاملة الأصل، ولهذا ثمار عملية كبيرة.
  النتيجة حتى من لا يقول باستصحاب القهقرى يقول بأصالة عدم النقل رغم أن المورد واحد، فأصالة عدم النقل تعامل معاملة الأمارات فإذا اثبت لفظا مثلا: كلمة " افعل في الوجوب " و اشك انه في الماضي كيف كان وضعها، بهذه الأصالة اثبت الوضع في الماضي واثبت أن اللفظ موضوع للوجوب فإذا ثبت ذلك اثبت أيضا اللوازم، مثل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، ومقدمة الواجب واجبة. أما بناء على الاستصحاب القهقري وبناء على أن الأصل لا يثبت لوازمه العرفية والعادية والعقلية ولا يثبت إلا اللوازم الشرعية، نصل إلى نتيجة انه لو اثبتنا الوجوب في الماضي في الروايات، الاستصحاب القهقري لا استطيع أن اثبت أي لازم. بل أزيد من هذا نقول لولا أصالة عدم النقل لكان كثير من الآيات والروايات والنصوص القديمة حتى من الشعر والأدب، لا استطيع فهمه، لان التبادر الحالي ليس دليلا، لاحتمال أن يكون في السابق موضوعا لمعنى آخر وقد نقل.
  اهم شيء في أي علم تفكيك القواعد والمصطلحات، أي التمييز بينهما تميزا تاما.
 وأما أصالة عدم الاشتراك فلفظ الأمر موضوع للوجوب ويستعمل كثيرا في الاستحباب فهل هو موضوع للاستحباب أو لا! فاجري أصالة عدم الاشتراك. الأصل أن لا يكون مشتركا لفظيا بين الوجوب والاستحباب، مع إجراء هذه الأصالة تكون النتيجة أن صيغة " الأمر " ليست موضوعة للاستحباب، فتفيدني نفي وضع وليس إثبات وضع.
 الأصالة الرابعة: التي تنفعني في إثبات الوضع وعدمه هي أصالة عدم الوضع التي هي من أصالة العدم الأزلي، اشك في وضع هذا اللفظ لهذا المعنى فالأصل عدمه، - ما بين أصالة عدم الوضع وأصالة عدم الاشتراك عموم وخصوص مطلق.
  إذن هذا بعض من الأصول التي يمكن اعتمادها لا ثبات الأوضاع أو نفيها، والنتيجة ملخصا: هناك علامات للوضع وهناك أصول لا ثبات الوضع أو نفيه، وهذه الاصالات: أصالة عدم النقل، أصالة عدم الاشتراط، استصحاب القهقرى، أصالة عدم الوضع. هذه الأصول موردها واستعمالها وجريانها عند الشك في الموضوع له، لا عند الشك في الاستعمال ولا عند الشك في المراد. هناك خريطة للاستنباط، أن هذه القواعد موردها عند الشك في الوضع الذي يؤدي إلى الشبهة المفهومية.
  فإذن أصالة عدم الاشتراك موردها إذا دار الأمر بين الاشتراك والمجاز، قالوا يحمل اللفظ على المجاز لان المجاز يحتاج إلى مؤنة قرينة مناسبة صارفة عن المعنى الحقيقي، أما الاشتراك فيحتاج إلى مؤنة وضع، ومؤنة الوضع اشد من مؤونة القرينة. وعقدت أبواب في مباحث الألفاظ في علم الأصول لا ثبات الوضع، كمبحث الأوامر في بحث الموضوع له في صيغة الأمر ومادته. وكمبحث النواهي في بحث الموضوع له في صيغة النهي ، ومبحث المشتق، ومبحث الصحيح والأعم في بحث وضع الألفاظ في العبادات والمعاملات.
  هذا كله إذا كان الشك في الموضوع له، أما إذا كان الشك في المراد مثلا: قلت رأيت أسدا ولا أدري أن المراد الأسد الحقيقي أو المجازي. ماذا اصنع ما هي القواعد التي اعتمدوها؟.
  اجروا أصولا، منها: أصالة الحقيقة، وعدم المجاز في المفرد، وعدم المجاز في الإسناد، أصالة الإطلاق، أصالة العموم، أصالة عدم التقدير.
  هذه الأمارات أين موردها؟، أين نفعها؟، نقول: موردها وبركتها عند الشك في المراد ليس عند الشك في الوضع ولا عند الشك في الاستعمال.
 
 
 والحمد لله رب العالمين.