الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/05/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث الألفاظ /منهجية البحث/ منهجية المشهور
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 كان الكلام في المبررات التي قدمت لتقسيم القدماء ومنهجيتهم في علم الأصول وذكرنا التبرير الثالث وقلنا أن الدواعي تختلف فتارة تكون بداعي التشريع وتارة بداعي الاستنهاض وتارة بداعي التحقير وذكرنا رواية كشاهد على داعي التحقير
 وهناك رواية أخرى في مقام التحقير تؤيد هذه الرواية، فعن ابن يعفور عن الصادق (ع) قال: ( لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء وفيها غسالة الناصب وهو شرهما إن الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب وان الناصب أهون على الله من الكلب ) [1]
 .
  إذا أخذنا بظاهر الرواية كصناعة فإنها تدل على النجاسة، ولكن مع التأمل، هل ابن الزنا لسبعة آباء يكون نجسا، لا احد يقول بذلك. مطاوي الكلمات تدل على تحقير الناصبي وليس التنجيس الخبثي، هكذا نستظهر والله العالم. وهنا أيضا كثيرا ما تأتي لفظة سبعة ولفظة سبعين كناية عن التكثير وليس المراد نفس الرقم.
  هذه الرواية اعتقد انها توضح الرواية الأولى، فيصبح الظهور في التحقير وليس في النجاسة الخبثية، هي عبارة عن توهين وتحقير، فلا تصلح كلمة " أهون من الكلب " دليلا لتنجيس الناصب لأنها ليست في مقام التشريع.
  وتارة تكون الرواية في مقام تطبيق السيرة العقلائية وليست في مقام إنشاء وجعل، كالأخبار الآمرة بالأخذ بخبر الواحد " خذ ما اشتهر بين أصحابك " فلا تصلح لأخذها دليلا على الجعل، لذلك النائيني (ره) يرى أن الدليل على حجية الخبر سيرة العقلاء والرواية كاشفة عن هذه السيرة. وبعض القدماء كان يقول بان الروايات جعل لحجية الخبر، فحينئذ بهذا القول يختلف التعامل، لأنه إذا كان دليل الخبر سيرة العقلاء ففي كل مناحي الخلاف،مثل خبر الواحد الثقة حجة أو لا؟ خبر العادل حجة أو لا؟ نرجع إلى سيرة العقلاء.
  فإذن الدليل الذي يدلني على أمر هو بنفسه يدلني على فروع هذا الأمر ومسائله الخلافيه. الروايات التي تقول بوجوب الأخذ بالخبر إن كانت في مقام بيان تطبيق ما عن العقلاء وما عند الناس، حينئذ نرجع إلى ما عند الناس.
  وان كانت في مقام التأسيس والجعل " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " إن كانت هي الدليل على حجية الخبر، يعني هي دليل على الجعل، أعود إليها في كل مسائل الفروع المختلف عليها.
  أما إذا كانت كاشفة عن سيرة عقلائية حينئذ الكاشف لا أعود إليه بل أعود إلى المنكشف، أعود للسيرة.
  وتارة أخرى تكون الروايات في مقام الإرشاد إلى حكم العقلاء كقوله تعالى " اعدلوا هو اقرب للتقوى "فلا تكون دليلا على الجعل الشرعي.
  وتارة في مقام بيان مصلحة كأخبار التداوي، الإمام الصادق (ع) يرى ولدا جميل الصورة، يقول: كأن أمه أكلت فيه السفرجل. إرشاد إلى أمر واقع، كما في كثير من الروايات في الفلك والطب، بيان أمور واقعية لا جعلية.
  وتارة في مقام الفطرة البشرية، " كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "، الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء يقول لأهل الكوفة " إن لم يكن لكم دين ولا تخافون الموت فكونوا أحرارا في دنياكم ".كل العالم الآن يطالب بالحرية هو إعادة إلى الفطرة البشرية.
  إذن في المبرر الثالث نقول: نسلم أن الألفاظ لها معان تختلف باختلاف الدواعي وتفهم مما بين السطور أسميناها لحن الخطاب، وتفهم من نفس الرواية لا من منظومة أخرى، هنا قوة الفقيه والفقاهة وإلا أصبح كالحاسوب، ومن أسباب قوة الفقيه هو النظر إلى مطاوي السطور وقوة الاستظهار.
  ولكن يبقى نفس الإشكال، لان هذا ليس مبررا لجعل القسم الثاني أي تقسيمات الأحكام وغيرها من مباحث الألفاظ والبيان نفس البيان كما في المبرر الأول.
 المبرر الرابع: ملخصه أن اللغة تعكس ثقافة المجتمع، فمثلا الجملة الاسمية الاسنادية عندما أقول: " زيدٌ قائم " في اللغة العربية لا تشتمل إلا على طرفين الموضوع والمحمول من دون وجود لفعل " الكون "، " زيدٌ يكون قائما " ولها معنى آخر مختلف وهذا يعرفه أهل المحاورة. أما في كثير من اللغات ففعل " الكون " موجود، الجملة عبارة عن الموضوع والمحمول وبينهما فعل الكون، مثل أست في الجملة الاسنادية في اللغة الفارسية إست أو في اليونانية إستين، أو في الانكليزية إزis، والفرنسية estأي كذلك، دائما فعل الأمر موجود، هذا يدل على أي شيء؟ يدل على أن في الثقافة العربية هناك اتحاد واندماج بين المحمول والموضوع الهوهوية عبروا عنها هو هو، بحيث أن الاثنينية تكاد تكون مفقودة، هناك شيء واحد، بينما في اللغات الأخرى الاثنينية والتعددية تبقى محافظا عليها، يبقى الموضوع والمحمول بلا اندماج وليس أن لغة العرب مبنية على الاختصار بل هناك معنى آخر.
  بناء على هذه العلاقة الوثيقة بين اللغة وبين المفهوم التي تحمله بين ثنايا اللغة بحيث لو تغيرت اللغة لزالت بعض الخصوصيات أو مقومات المفهوم حينئذ يصعب التفكيك بين الاعتبار القانوني، الجعل، وبين الاعتبارات الأخرى المعبر عنها اللفظ، بحيث نبحث عن الاعتبار مجردا عن ثوبه اللفظي مع أن هذه الصياغة اللفظية تحافظ على بعض خصوصيات المفهوم وسماته التي تنفعنا كثيرا في عملية الاستنباط.
  الكلام فيه نفس الكلام في سابقه أننا نسلم هذا لكن لا نرى موجبا لإدخال القسم الثاني من مباحث الألفاظ فيها في انقسام الحكم.
  المبرر الخامس غدا ان شاء الله.
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] - الوسائل باب 11 من أبواب الماء المضاف ح 4