الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الأصول/ مباحث الألفاظ /مقدمات/ الفرق بين القواعد الفقهية والأصولية

ذكرنا في الفرق أن القاعدة الأصولية هي ما كانت حجة في مقام الاستنباط، والقاعدة الفقهية ما كانت حجة في مقام التطبيق، والمراد من الاستنباط: التوسيط الاثباتي وبرهاني واستدلالي لإثبات حكم كلي كخبر الثقة، فانه قاعدة تساهم في استنباط حكم كلي. والقاعدة الفقهية تطبيق على مواردها الجزئية تطبيق الكلي على أفراده. وذكرنا أن أدلة البراءة الشرعية يمكن أن تكون من باب الاستنباط ويمكن أن تكون من باب التطبيق، وبهذا تكون قد أنصفنا السيد الخوئي (ره) حين قال: ولو تنزلنا وقلنا أن الاستفادة من أدلة البراءة هي من باب التطبيق.

يقول السيد الخوئي في نفس المطلب في النقطة الرابعة: لو تنزلنا وقلنا إن الاستفادة منها في مباحث الأصول العلمية هي بنحو التطبيق لا الاستنباط فان المسألتين أيضا داخلتان في علم الأصول وذلك لأنهما واجدتان لخصوصية بها امتازتا عن القواعد الفقهية، وهي كونهما مما ينتهي إليه أمر المجتهد في مقام الإفتاء بعد اليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي كإطلاق أو عموم، وهذا بخلاف تلك القواعد التي ليست واجدة لها بل هي في الحقيقة أحكام كلية إلآهية استنبطت من أدلتها لمتعلقها وموضوعاتها، وتنطبق على مواردها بلا اخذ خصوصية فيها أصلا، كاليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي ونحوه فهما بتلك الخصوصية امتازتا عن القواعد الفقهية ولأجلهما دونتا في علم الأصول وعدتا من مسائله.

ملخص كلام السيد الخوئي (ره) انه لو تنزلنا وقلنا إن هذه المسألة ليست من باب الاستنباط بل من بان التطبيق لكن مع ذلك هي من مباحث الأصول العملية لأنه قد اخذ فيها ميزة وهي اليأس عن الظفر عن الدليل.

ويرد عليه:

أولا: وسابقا قلت انه لا بد من ركيزتين: يجب أن يكون من باب الاستنباط لا من باب التطبيق، ثم تقول لو تنزلنا لدخل في علم الأصول وهذا يعني انه يمكن الدخول في علم الأصول من دون هذا الشرط.

وثانيا: إن هذا التفريق وهو اخذ الخصوصية يصلح لان يكون فرقا بين الأصل اللفظي والأصل العملي. والفرق بينهما: انه في الأصل اللفظي لم يؤخذ فيه خصوصية اليأس عن الدليل الاجتهادي، بخلاف الأصل العملي الذي اخذ فيه اليأس فـ " أوفوا بالعقود " أصل لفظي استفيد منها أن كل عقد يجب الوفاء به، عندما يلقى إليّ مباشرة استفيد منه العموم، ولا يؤخذ في موضوعه أبدا الشك في صحة العقد وعدم صحته، وإن استفدنا منه عند الشك. وفرق بين أن نستفيد منه عند الشك، أي مورده الشك، وبين أن يكون موضوعه الشك.

الأصل اللفظي مثل أصالة العموم أصالة الإطلاق أصالة الحقيقة لا يؤخذ في موضوعه الشك، بمعنى لا يأخذ في موضوعه اليأس عن الدليل الاجتهادي، اليأس عن آية أو رواية أو إجماع أو شهرة فتوائية أو قياس أو ظن مطلق بناء على الكشف. إذا بحث عن هذه لا يشترط في الأخذ بالأصل اللفظي أو في استظهاره، لا يشترط اليأس عن هذه الأدلة فلا يؤخذ الشك في خصوصية في موضوعه، بل يؤخذ بالإطلاق مباشرة واستفيد من الإطلاق عند الشك. بينما في الأصل العملي تأخذ هي الخصوصية وهي اليأس عن كل هذه الأدلة، فاشك، فيقف المكلف حائرا يقول: ماذا افعل؟ ولذلك سمي أصلا عمليا، ماذا افعل؟ وأيضا سمي ذلك الأصل لفظي لأنه اخذ من اللفظ لا من الموقف. ولذلك لخصنا علم الأصول بهاتين الكلمتين: بحث عن كواشف فان لم نجد نبحث عن وظائف.

نرجع لكلام السيد (ره) الذي ذكره من التفصيل هو التفصيل بين الأصل اللفظي والأصل العملي. بعبارة أخرى اخذ الخصوصيات ليست هي القاعدة أو المائز في جعلها مسألة أصولية أو فقهية، الذي يدور مداره في جعلها مسألة أصولية أو لفظية هو الغرض الذي لأجله دون، فكلما تم الغرض تم جعله مسألة فقهية أو أصولية. والشيء الآخر أن يكون وسطا بين الفقه وبين بقية العلوم.

التفريق الثاني: تفريق الشيخ النائيني (ره) وهو أن القاعدة الأصولية هي مجال للمجتهد والقاعدة الفقهية مجال العامي. وسنبين ذلك غدا إن شاء الله تعالى.