الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الأصول/ مباحث الألفاظ /مقدمات/ المبادئ التصورية والمبادئ التصديقية

كان الكلام في المقدمة الرابعة: الفرق بين القاعد الفقهية والقاعدة الأصولية.

ذكروا فروقا عديدة، نذكر منها:

الفرق الأول: الذي ذكره السيد الخوئي (قده) عند الكلام في تعريف علم الأصول، وحيث جعل للقاعدة الأصولية شرطين. الشرط الأول: الذي يدور وجودا وعدما مداره، أن يكون وقوعها في طريق الحكم من باب الاستنباط والتوسيط لا من باب التطبيق.

إذن الشرط الأول أن يكون من باب الاستنباط، فهي قاعدة أصولية، أما من باب التطبيق فقاعدة فقهية.

والمقصود من التطبيق أي تطبيق مضامينها بنفسها على مصاديقها، كتطبيق الطبيعي على أفراده. لو قلت " أكرم العلماء " وهذا عالم فيجب إكرامه، طبقت كلي العلماء على فرده. فأكرم العلماء مسألة فقهية، لان استخراج الحكم والاستفادة من الدليل من باب التطبيق، لا من باب استنباط المسألة.

ثم سأذكر ما اختصرته من كلام السيد الخوئي (قده) لبيان بعض مواضع الإشكال فيه.

السيد (قده) يشكل على نفسه، يقول: (بإن اعتبار ذلك – هذا الشرط، أن يكون من باب الاستنباط لا التطبيق – يستلزم خروج عدّة من المباحث الأصولية المهمة عن علم الأصول، – هذه عبارات المقرر الشيخ الفياض – كمباحث الأصول العملية الشرعية - ،كالبراءة الشرعية، الاحتياط الشرعي، الاستصحاب - والعقلية والظن الانسدادي بناءا على الحكومة فإن الأولى منها لا تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي، لان إعمالها في مواردها إنما هو من باب تطبيق مضامينها على مصاديقها وأفرادها، لا من باب استنباط الأحكام الشرعية وتوسطها لإثباتها )[1] عندما يقول مثلا بالبراءة " رفع عن أمتي ما لا يعلمون "، وحكم هذا الموضوع كالدخان حلال أو حرام، ينطبق عليه " ما لا يعلمون " انطباقا وليس استنباطا. ينطبق عليه عموم " ما لا يعلمون ". النتيجة انه من باب التطبيق. فاستفدت من القاعدة استفادة تطبيقية.

الحالة الاستنباطية أن يكون للمجتهد دور في استخراج الحكم، وليس من باب القياس للشكل الأول المنطقي، ليس مجرد تطبيق.

ثم بعد أن أشكل على نفسه قال: ( والتحقيق في الجواب هو أن الإشكال مبتن على أن يكون المراد بالاستنباط المأخوذ ركنا في التعريف هو الإثبات الحقيقي – للحكم بعلم أو علمي، لقد وردت كلمة استنباط في تعريف علم الأصول بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الكلية الفرعية. ما معنى هذا الاستنباط؟، قال: لو كان المراد هنا إثبات الحكم الشرعي حقيقتا بعلم أو علمي، لتم هذا الإشكال-. ولكنه ليس بمراد منها بل المراد به معن جامعا بينه وبين غيره وهو الإثبات الجامع بين أن يكون وجدانيا أو شرعيا أو تنجيزيا أو تعذيريا، وعليه فالمسألة المذكورة تقع في طريق الاستنباط لأنه ثبت التنجيز مرّة والتعذير مرّة أخرى )[2] ألفاظه (ره) أخذت من عدة مواقع - ولو بالقياس إلى الأحكام الواقعية، وهذا نوع من الاستنباط. – إذن النقطة الأولى: شمول معنى الاستنباط لمطلق الإثبات.

النقطة الثانية: ثم يقول: وإطلاقه عليه – الاستنباط – ليس بنحو من العناية والمجاز بل على نحو الحقيقة، فان المعنى الظاهر منه عرفا هو المعنى الجامع لا خصوص حصة خاصة – النتيجة انه عاد إلى العرف العام في تعين معنى الاستنباط-.

النقطة الثالثة: ثم يقول (قده): ولو تنزلنا عن ذلك وفرضنا أن وقوعهما – البراءة الشرعية والعقلية - ليس من باب الاستنباط وإنما هو من باب التطبيق والانطباق، كانطباق الطبيعي على مصاديقه وأفراده، فلا نسلم أنهما خارجتان من مسائل هذا العلم..

النقطة الرابعة: المسألتين واجدتان لخصوصية بها امتازتا عن القواعد الفقهية. – أي أصبحتا قاعدتين أصوليتين وليستا قاعدتين فقهيتين بسبب ميزة – وهي كونهما مما ينتهي إليه أمر المجتهد في مقام الإفتاء بعد اليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي كالإطلاق أو العموم – وهذا بخلافه في تلك القواعد الفقهية، فإنها ليست واجدة لها بل هي في الحقيقة أحكام كلية إلهية استنبطت من أدلتها لمتعلقاتها وموضوعاتها، وتنطبق على مواردها بلا أخذ خصوصية فيها أصلا[3] .

أي انه بعد التنازل هناك سبب لجعلها قاعدة أصولية، وهو انه لا يؤخذ خصوصية فيها لأطبقها، فأطبقها مباشرة.

ثم يقول: فهما بتلك الخصوصية، وهي اليأس عن الظفر بدليل اجتهادي امتازتا عن القواعد الفقهية.

فإذن أربع نقاط ذكرها السيد (قده).

والإشكال على السيد (قده) في عدّة نقاط.

نقول: إن هناك أمور لم نفهمها،

الأول: في النقطة الرابعة حيث أدخلت الأصول العملية في علم الأصول رغم عدم وجود الركيزة الأولى فانك قلت لا بد من شرطين في العملية الأصولية، ثم قلت حتى لو تنزلنا أن هاتين المسألتين لا يوجد فيهما هذا الشرط فهي مسألة أصولية. هناك تناف في الكلام.

الثاني: الذي لم افهمه وهو عندما قال إن كلمة الاستنباط تطلق عليه بدون عناية ولا مجاز وتطلق عليه عرفا.

إنما نرجع إلى العرف إذا كان العنوان مأخوذا في نص شرعي أو متداولا في كلمات العلماء حتى لا يتكلم كل منا في واد. وهنا اعتبر السيد (ره) المسألة عرفية؟!، لماذا هذا الربط؟ على أي أساس؟ مع العلم أن عنوان الاستنباط ليس مأخوذا في نص شرعي من آية أو رواية أو حتى معقد إجماع[4] .*

بل هو " لفظ الاستنباط " جعلته أنت وبعض أهل العلم في تعريف علم الأصول ومميزا للقاعدة الأصولية عن غيرها. فانا جعلت اللفظ فلا معنى لأقول انه عرفا ينطبق أو لا ينطبق.


[1] محاضرات في أصول الفقه، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج1، ص5.
[2] نفس المصدر.
[3] مثلا: " أوفوا بالعقود " هذا عقد، مباشرة يتم الحكم وجوب الوفاء به، بدون اخذ أي خصوصية، فإذا أخذت صارت أصولية.
[4] - وتعلمون أنهم قالوا: إن الإجماع إذا انعقد على لفظ معيّن أصبح لهذا اللفظ إطلاق وعموم رغم أن الإجماع دليل لبي، لكن إذا انعقد على عنوان على لفظ هذا اللفظ صار بمثابة كأنه موجود في نص شرعي، أي نعمل بإطلاقه وعمومه، فصار لهذا اللفظ أصل لفظي إطلاق وعموم. فانعقاد الإجماع على هذا اللفظ يعطيه قوة بحيث نبحث في إطلاقه وعمومه، فكأن الإجماع يكشف عن رأي المعصوم بهذا اللفظ. طبعا هذا لا نسلم نحن به، لكن هذا المتداول عند الأصوليين.ذكرنا سابقا أننا نبحث في مفهوم اللفظ في حالتين:الأولى: أن يكون اللفظ في نص شرعي من آية أو رواية أو أن يكون في معقد إجماع. حتى نفهم الشارع ماذا يرى، لان الأحكام تابعة لعناوينها. الثانية: نبحث في كلمة استنباط او شبهة غير محصورة، كلمات عقد الإجماع عليها، في حال تداولها العلماء لدرجة أصبحنا مضطرين لبحث معناها حتى لا يتكلم كل منا في واد. وإلا لماذا ابحث معنى الألفاظ؟ أنا لست لغويا الآن حتى ابحث في معنى اللفظ، أنا أصولي. فقط في هاتين الحالتين ابحث معنى اللفظ. مثلا: البحث في معنى كلمة ريبة أو كلمة معاطاة. أو كلمة فضولي لم ترد في نص أو آية أو رواية. بل تداولها العلماء. فابحثها حتى لا يتكلم كل منا في واد.