الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

39/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرضاع.

     مناقشة أدلة القول بعدم اشتراط المص من الثدي في التحريم.

     الشروط التي يحتمل دخلها في المفهوم فتقدمة على البحث عن الشروط المأخوذة في متعلق الحكم.

     العرش ثم النقش.

     اشتراط المص في مرحلة صدق المفهوم.

الفات نظر وعود على بدء: قلنا إن بعض الفقهاء قد استنتج كفاية التغذية وعدم اشتراط الامتصاص من الرواية التي تقول: " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم". مستوحيا من ذيل الرواية أن المهم هو التغذية.

نقول ان بحث شرط الامتصاص هو في مرحلة تختلف عن بحث شرط انبات اللحم.

توضيحه: في كل بحث وفي كل حكم توجد مرحلتان: الاولى مرحلة اثبات العنوان, الثانية: مرحلة اثبات الشروط. وهما مرحلتان متباينتان زمنا حيث تتقدم مرحلة إثبات العنوان على مرحلة أثبات الشروط، العرش ثم النقش. ومع عدم ثبوت العنوان لا معنى لاثبات الشروط. وبعد ذلك نتساءل: المص من الثدي في أي مرحلة؟ هل هو في مرحلة اثبات عنوان الرضاع أو في مرحلة اثبات شرط؟ الظاهر انه في مرحلة اثبات عنوان، أي ان العنوان لا يتم دون الامتصاص.

وكان الكلام في شروط ونشر الحرمة من الرضاع بعد اثبات الرضاع، منها ان يكون اللبن عن ولادة، وان تكون صاحبة اللبن حيّة لا ميتة، ومنها ان يكون عن وضع شرعي، ومنها الكميّة، ومنها الزمن، ومنها الامتصاص من الثدي، ومنها اتحاد الفحل وغير ذلك، هذه الشروط لا دخالة لها في مفهوم الرضاع، والكلام في الامتصاص من الثدي في مرحلة اثبات العنوان، اثبات المفهوم، اولا نثبت المفهوم ثم نأتي للشروط. يبدو ان المص من الثدي دخيل في مفهوم الرضاع، الرضاع لا يتم بمجرد الاكل والغذاء، الرضاع هو التغذية مع الامتصاص.

بعضهم قد يقول مع التأمل ان الامتصاص لا علاقة له، الذي يريد ان يدافع على عدم اشتراط الامتصاص في العنوان يقول: ان ما ذكر من امتصاص الثدي هو لكثرة ذلك وليس دخيلا في المفهوم، الرضاع يعني الغذاء، هذه ادعاءات والظاهر غير ذلك، ونحن نستظهر هذا المعنى وهو دخالة الامتصاص.

ونقول: ان هذه الاستفادة تدلّ على أهمية التغذية، وأهمية دخول الحليب في جسم الرضيع كي يؤثر أثره في تحريم النكاح بعد البلوغ، لان النكاح لا بد فيه من مفسدة تقتضي تحريمه، كما حرّرنا ذلك في علم الاصول من احتياج الحكم إلى ملاك [1] – أي مصلحة ومفسدة يترتب عليها إنشاء الحكم – ولذلك عندما يمتص الطفل هذا اللبن بشروط مذكورة يصبح الرضيع مع الرضيع الاخر مثل الاخوة ويحرم النكاح بينهما تماما كحرمة الاخ على اخته من النسب، ولعلّ السبب حصل شيء في جسم الانسان يمكن ان يكون عضويا أو نفسيا بحيث هذا الطفل مع اخته من الرضاع يحصل شيء لكن لا نعلمه حاليا، وكأن الامتصاص يؤدي إلى تغير في بدن الطفل يخلق هذا الملاك في التحريم فيحرم حينئذ النكاح وينشر الحرمة بينهما.

لكن هذه التغذية يجب أن تكون بعد صدق الرضاع واحراز عنوان الرضاع، ولا شك بعدم صدق الرضاع من دون امتصاص من الثدي، ومع الشك في الصدق لا تجري الرواية واحكامها، لان الاحكام تابعة لعناوينها، وهنا قد شككت في صدق عنوان الرضاع بمجرد التغذية من دون الامتصاص. [2]

والخلاصة: إننا نشترط الامتصاص من الثدي في التحريم على ما هو المشهور بين علماء الامامية وبعض العامة من المالكية والحنابلة والشافعية دون الحنفية.

غدا ان شاء الله نكمل بحث اشتراط كمية خاصة في اللبن.

 


[1] الحكم يحتاج اولا إلى مرحلة الملاك، ثم الاعتبار والانشاء، ثم الفعلية، ثم التنجيز. وقلنا نحن انه واقعا هناك مرحلة واحدة وهي الجعل، لكن قبل الجعل هناك مرحلة المصلحة والمفسدة، فلا بد من ملاك.
[2] للتذكير: في مقدمات الحكمة الثلاثة: ان يكون في مقام البيان، وامكن ان يبيّن، ولم يبيّن. لكن هذه الثلاثة تكون بعد مرحلة اساسية وهي صدق العنوان، عندما اقول لك: اكرم عالما، اولا اريد ان اثبت العنوان ثم اقول: إذا شككت ان إكرام هذا العالم مشروط بكونه كبير السن، تقي، صاحب اخلاق، عادل، إلى آخره من الشروط المحتملة. نقول: اولا في مقام الاصل اللفظي نطبق العنوان فنطرد الشروط، اما في مقام الاصل العملي ففي العبادات من باب الاكثر والاقل الارتباطيين، فما قلنا في الارتباطين نقول به هنا. وفي المعاملات نجري اصالة الفساد او استصحاب عدم الاثر.