الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

39/03/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرضاع.

     ادلة وثاقة معلى بن محمد.

     دلالة الرواية من ناحية الدلالة.

     الرواية في مقام بيان الكم لا الكيف.

     الرواية ليست في مقام بيان انحصار الشرط.

نكمل الكلام في كيفية الرضاع قلنا انه اشتهر اشتراط كون اخذ اللبن بالمص وبالالتقام من الثدي في نشر الحرمة، واستدل له بروايات: الاول: الحديث الشريف انه جاء رجل إلى امير المؤمنين ان امرأته حلبت من لبناها، وثانيا الحديث:

الثاني: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت ابن عبد الله (ع) يقول: لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشدَّ العظم " [1]

والكلام في هذه الرواية في سندها ودلالتها.

من ناحية السند: اختلف علماء الرجال في معلى بن محمد بين التوثيق والتضعيف. وقد نسب إلى النجاشي قوله بتضعيف العلى بن محمد واسقاط وثاقته فقد قال عنه: مضطرب الحديث والمذهب، وقال: ان كتبه قريبة يعني يؤخذ بها.

فلنلاحظ تضعيف النجاشي: ان النجاشي لم يضعفه لم يقل انه كذاب او ضعيف، بل قال ان حديثه مضطرب ومذهبه مضطرب، فهذا لا يعني اسقاط الوثاقة، إذ لا مانع من أن ينقل الرجل الثقة ما سمعه من دون تحقق في دلالة ما سمع، فهو هنا ناقل وليس محققا مجتهدا. أما اضطراب العقيدة فلا تمنع من الوثاقة، ولقد أخذت الطائفة بروايات الواقفة والفطحية والعامة مع العلم باضطراب عقيدتهم. إذن النجاشي لم يصرّح بإسقاط وثاقة المعلى بن محمد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى صرّح بان كتبه قريبة ولذا لا نستفيد ان النجاشي ضعفه.

ابن الغضائري ضعفه لكنا قلنا اننا نشك في صحة نسبة الكتاب الموجود بين ايدينا إلى ابن الغضائري، ابن الغضائري رجل عالم كبير جليل وكتابه ايضا كتاب جليل، لكن من قال بان الكتاب الذي بين ايدينا والذي اعتمده ابن طاووس (ره) ومن بعده تلميذه العلامة (ره) اعتمداه وابن داوود اعتمده كذلك هو نفس كتاب ابن الغضائري الاول؟! قلنا ان هذا الكتاب قد اختفى وليس له أي نسخة بل الشيخ الطوسي يقول كان عنده نسخة واحدة وتلفت، واكثر من مائتي سنة لم تظهر وإذا به بان عند بعضهم، وتبناه العلامة (ره) وهذا ليس بالامر السهل، لكن نحن لا نتبناه بل احتمل جدا ان يكون من وضع اعداء أهل بيت محمد الذين يريدون توهين المذهب كما ذكرنا ذلك تفصيلا في بحث علم الرجال.

ونكمل ادلة توثيق المعلى بن محمد: ثانيا: روايات كامل الزيارات لابن قولويه عنه. ثالثا: رواية الصدوق عن كتبه، والصدوق يقول ان احاديثه اخذها من كتب عليها المعول واليها المرجع.

وهذا الاخذ من الصدوق يلتقي مع كلام النجاشي الذي يقول ان كتبه قريبة (كتب معلى بن محمد). إذن نقل النجاشي عنه ونقل الصدوق عنه تطابقا في الاخذ من الكتب عنه.

وهذا كله لا يدل على صحة جميع ما في الكتب لكن عدم دلالة على صحة جميع ما في الكتب لا يعني الغمض عنه كليا يبقى هناك شيء مؤيد يعني يدخل في باب المؤيدات، ونحن الآن نجمع مؤيدات، إلا من قال بانه مجرد وجوده في سند كامل الزيارات لابن قولويه فهو كاف للتوثيق، وهذا ما ذهب اليه السيد الخوئي (ره) وإن قيل انه تراجع عن ذلك بعد مدّة.

ثم روى عنه في الكافي أكثر من 500 حديث. وقلنا ان مجرد وجوده في الكافي بنظرنا ليس دليلا، لكن ذكره في الكافي لا يمر بدون اي اعتبار، هو ليس دليلا، لكنه مؤيد.

ننتقل إلى نقطتين: الاولى: ان التوثيق هو الاطمئنان الشخصي، والاطمئنان الشخصي قد يحدث من تراكم المؤيدات ولو لم يكن كل منهما دليلا، فتراكم المؤيدات قد يؤدي إلى اطمئنان فيكون الاطمئنان هو الحجة من قبيل عندما يقال " شياع " الشياع هو نقل أفراد كل واحد بمفرده ليس حجة ودليلا، ولذا لم يكن الشياع دليلا وحجة، نعم الشياع المفيد للاطمئنان، أي الذي قيّد بانه يبب لتحقق الاطمئنان، فهذا هو المعتبر. الامور التي ذكرناها قد تؤدي إلى اطمئنان ووثاقة معلى بن محمد، اولا: لا دليل على تضعيفه من كلام النجاشي، ثانيا: المؤيدات مع بعضها يمكن ان تميل بنا إلى الوثاقة.

النقطة الثانية: ان الجو العام لعلماء الرجال عندي هو التوثيق وان لم يكن كل ما ذكر من التوثيقات العامة دليلا على التوثيق، يعني عندما يقال مثلا ان ابن عقدة الزيدي يقول ان اصحاب الصادق (ع) اربعة الآف كلهم من الثقات، هذا الكلام لم نأخذ به دليلا، لكن لا يعني أننا نرميه كليا بل يبقى يؤدي إلى اشاعة جو، بعض السادة سألني ما نفع هذا الجو اما يكون هناك دليل على التوثيق او لا؟ ما فائدة ان يكون الجو العام هو التوثيق؟ فمثلا: قاعدة ان من روى عنه احمد بن محمد بن عيسى فهو ثقة، قد لا تثبت عندك، لكن مع عدم ثبوتها ينتفي كونها دليلا، لكن تترك بصمات في النفس يجعلها مؤيدا للتوثيق، ومثل من روى عنه الزعفراني ثقة ومن روى عنه الطاطري ثقة ومن ورد في كامل الزيارات ثقة ومن روى في كتاب علي بن ابراهيم ثقة ومن روى عنه صفوان وابن ابي عمير ثقة، ومشايخ النجاشي كلهم ثقات. قد لا يكون احد من هذه القواعد تاما، لكن تراكم هذه الامور تصنع جوا عاما للتوثيق، هذا الجو العام ينفعنا في مثل هذه الحالات وينفعنا في تثبيت اطمئنان في نفسك بان الراوي ثقة.

فإذن بهاتين النقطتين نقول ان المعلى بن محمد لما لم يرد فيه تضعيف واضح من جهة وورد فيه هذه المؤيدات الكثيرة من جهة اخرى يمكن توثيقه ونطمئن إلى وثاقته وقد فعل هذا الكثيرون، إذن هذه الرواية سنسميها انها مقبولة.

هذه الروايات التي يكون في سندها راو لا دليل على تضعيفه، والمؤيدات كثيرة على توثيقه، بحيث لا يصل لأحد المؤيدات إلى مستوى الدليلية، لكنها بمجموعها تورث اطمئنانا في النفس، فلنعبر عنها انها رواية مقبولة. هذا من ناحية السند.

اما من ناحية الدلالة: يقول (ع): " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشدَّ العظم " استفاد منه بعض الفقهاء ان المراد التغذية لمجرد التغذية.

ونقول: ان الدلالة بذاتها لا تدل على ان المناط هو مجرد الغذاء " يقول: " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشدَّ العظم " يعني ان الرضاع على قسمين: قسم ينبت اللحم ويشد العظم، وقسم آخر لا ينبت اللحم ولا يشد العظم. قال ان الرضاع المحرم هو ما انبت اللحم وشد العظم، يعني ان هذا شرط لتحريم الرضاع، لا انه شرط في تحقق اصل الرضاع، ولا يعني انه شرط منحصر، ليس هو الشرط الوحيد، هو احد الشروط. لذلك هذا الشرط نسلم به باعتبار ان الرواية مقبولة ومعتبرة لكنه ليس هو مناط التحريم والتحليل، فلا دلالة للرواية على كون التغذية بهذا الكم يدور نشر الحرام مدارها، فإذا تمت نشر الرضاع الحرمة، وإلا فلا. وبعبارة أخرى: الرواية في مقام الكم لا الكيف، والرواية في مقام بيان أحد الشروط لا كل الشروط.

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص289، أبواب ما يحرم بالرضاع، باب3، ح2، ط الاسلامية.