الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

39/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الرضاع.

هل يشترط في الرضاع المحرّم الالتقام من الثدي؟

أدلة عدم الاشتراط وكفاية التغذية.

أدلة الاشتراط.

نكمل الكلام في شروط الرضاع وقلنا اننا اسسنا اصلا لفظيا: كل ما يسمى رضاعا ينشر الحرمة والشروط المشكوكة اطردها بهذا الاطلاق.

امس ذكرنا مسألة اشتراط كون المرضعة حية وليس ميتة.

هل يشترط في الرضاع كون اللبن بالمص من الثدي؟ او لا، بل يكفي نفس اخذ اللبن بان يجعل في مكوك ويشرب، او يجعل جبنا فيؤكل. بعبارة اخرى: هل يشترط في التحريم الامتصاص والإلتقام من الثدي؟

كيفية الرضاع:

اشتهر اشتراط كون أخذ اللبن بالمصّ من الثدي أي الإلتقام، وان مناط التحريم ليس مجرد التغذية باللبن والظاهر ان المص من الثدي جزء مفهوم الرضاع، فإذا اخذنا الحليب وتغذى به الرضيع لا يسمى رضاعا. فالظاهر أن الإلتقام من الثدي دخيل في مفهوم الرضاع، فلا نخرج عنه إلا بدليل. أي لا بد من دليل على كفاية التغذي ولو من دون التقام.

وقد استدل للاشتراط بروايات منها في الوسائل، في الصحيح ح 1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ان امرأتي حلبت من لبنها في مكوك فأسقته جاريتي فقال: أوجع امرأتك وعليك بجاريتك.

من ناحية الدلالة: " عليك بجاريتك " بتقريب أنه لو كان شرب الحليب من المكوَّك – وهو طاس يشرب به اللبن – محرِّماً، لما جاز لصاحب اللبن الإمساك بالجارية.

إلا أن يقال: أن الرواية ليست ظاهرة في أن سبب التحريم هو عدم المصّ، بل يحتمل ان السبب هو عدم التعدد فهو حادثة فأمر أمير المؤمنين بإيجاع المرأة لتمسك عن إكمال الرضاع بهذه الطريقة.

ومن الروايات منها: ح 2 - وقد تقدم حديث محمد بن قيس: ( عن علي بن ابراهيم، عن ابيه، وعن عدة من اصحابنا، عن ابن ابي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس) قال: سألته عن امرأة حلبت من لبنها فأسقت

زوجها لتحرم عليه قال: أمسكها وأوجع ظهرها .

من ناحية السند: صحيح.

من ناحية الدلالة: في المتن مشكلة وهي ان رضاع الكبير لا يحرم. ويمكن حمل الزوج على الصغير، ويكون اللبن من نكاح رجل آخر طلقها قبل الولادة، وتزوجت الصغير في اثناء ادرارها للبن.

ومنها: ح 3 - محمد بن علي بن الحسين قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: وجور الصبي بمنزلة الرضاع. [1]

من حيث السند: الرواية ضعيفة بالإرسال.

من حيث الدلالة: ان مجرد غذاء الصبي صار رضاعا وينشر الحرمة، هذه واضحة بان الامتصاص من الثدي ليس شرطا في تحقق الرضاع.

وقيل: ان مجرد التغذية تنشر الحرمة لأن المناط [2] في التحريم هو التغذية باللبن من أي طريق، كما هو مستفاد من قوله (ع) في الرواية التالية: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت ابن عبد الله (ع) يقول: لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشدَّ العظم " [3]

هذه الرواية الكلام في سندها ودلالتها.

من ناحية السند: اختلف علماء الرجال في معلى بن محمد بين التوثيق والتضعيف. وقد نسب إلى النجاشي قوله بتضعيف العلى بن محمد واسقاط وثاقته فقد قال عنه: مضطرب الحديث والمذهب، وقال: ان كتبه قريبة يعني يؤخذ بها.

فلنلاحظ تضعيف النجاشي: ان النجاشي لم يضعفه لم يقل انه كذاب او ضعيف، بل قال ان حديثه مضطرب ومذهبه مضطرب، فهذا لا يعني اسقاط الوثاقة، إذ لا مانع من أن ينقل الرجل الثقة ما سمعه من دون تحقق في دلالة ما سمع، فهو هنا ناقل وليس محققا مجتهدا. أما اضطراب العقيدة فلا تمنع من الوثاقة، ولقد أخذت الطائفة بروايات الواقفة والفطحية والعامة مع العلم باضطراب عقيدتهم. إذن النجاشي لم يصرّح بإسقاط وثاقة المعلى بن محمد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى صرّح بان كتبه قريبة ولذا لا نستفيد ان النجاشي ضعفه.

ادلة التوثيق: روى عنه في الكافي أكثر من 500 حديث. روايات كامل الزيارات لابن قولويه عنه. رواية الصدوق عن كتبه، والصدوق يقول ان احاديثه اخذها من كتب عليها المعول واليها المرجع.

وهذا الاخذ من الصدوق يلتقي مع كلام النجاشي الذي يقول ان كتبه قريبة (كتب معلى بن محمد). إذن نقل النجاشي عنه ونقل الصدوق عنه تطابقا في الاخذ من الكتب عنه.

اما الادلة على وثاقته ان شاء الله غدا الدراسي نكمل.

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، باب7، ان المرأة إذا حلبت اللبن وسقت طفلا أو كبيرا لم ينشر الحرمة بل ينبغي تأديبها، ح1 و2و 3ص298، (الاسلامية).
[2] المناط هو ما يدور الحكم مداره وجودا وعدما في مقام الاثبات لا في مقام الثبوت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، باب3، انه لا ينشر الحرمة من الرضاع الا ما انبت اللحم وشد العظم، ح2ص289، (الاسلامية).