الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

39/02/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الرضاع.

     عودة إلى رضاع الميتة.

     ذكر كلام صاحب الجواهر.

     بيان وجه التردد في التحريم الذي تبناه المحقق في الشرائع.

     الاصل العملي هو أصالة الحلّ.

ذكرنا أمس ان الرضاع يشترط فيه في المرضعة الحياة، وقلنا ايضا هل يشترط الإرتضاع من الثدي أو لا؟

نعود إلى مسألة اشتراط الحياة ونذكر كلاما لصاحب الجواهر (ره).

وقلنا ان الذي دفعني لاتخاذ كتاب وسيلة المتفقهين وجعلته نصا ومتنا ولم اجعل الكتب الاخرى، السب في ذلك اني وجدت ان الناحية التعليمية التي ترفع مستو الطالب بحيث انه يصبح له قدرة استنباط في المستقبل، هي مسألة المنهجية. ونلاحظ مسألة هل يشترط ان تكون حيّة او لا بالوسيلة ذكرنا:

1- اشتهر اشتراط كون المرضعة حيَّة لا ميِّتة، واستدلوا عليه بانصراف أدلة الرضاع إلى خصوص الحيَّة، فإن تمَّ وإلا وصلت النوبة إلى الاصل اللفظي وهو إطلاقات الرضاع وإلا وصلت النوبة الى الاصل العملي وهو أصالة عدم التحريم. [1]

ذكرنا اولا في الشبهة الحكمية اننا نبحث عن علم ولا وجود لعلم، لا وجود لقطع وجداني، فابحث بعد ذلك عن علمي، وذكرنا ان العلميات اربعة عشر. لا يوجد حديث شريف واضح انه يشترط ان تكون حيّة لا ميتة، نعم استدلوا بالروايات " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وغير ذلك، بهذا النص قالوا انه ينصرف هذا النص إلى خصوص الحيّة، بالانصراف يصبح الدليل هو هذا الحديث، يعني من العلميات، يعنى استدليت بخبر واحد أو بالقرآن الكريم على اشتراط الحياة لكن بالتفسير المتني بالانصراف إلى خصوص الحيّة.

قلنا اولا: " اشتهر اشتراط كون المرضعة حية لا ميتة " فإن تمّت هذه الشهرة – وهي الشهرة الفتوائية هنا – كما هو الظاهر، فحينئذ يكون التوجه بحسب المباني، وذلك على اختلاف بين عدم الحجية مطلقا، وبين الحجية كذلك، وبين التفصيل بين شهرة المتقدمين وشهرة المتأخرين، وذلك بالقول بالحجية في الاولى دون الثانية.

لذلك نحن في المنهجية ابتدأنا بالشهرة بالعلمي واستدلوا في الرضاع بالانصراف إلى خصوص الحيّة، فان تم هذا الانصراف المستحكم كان دليلا، اما الانصراف الذي يزول بالتأمل فليس حجة وليس دليلا، فان تم فالحمد الله وإلا وصلت النوبة إلى الاصل اللفظي وهو اطلاقات الرضاع، ثم إن اطلاقات الرضاع قد لا يسلم بها البعض مبررا ذلك بعدم كون الروايات في مقام بيان كما ذكرنا، فإذا لم يكن هناك اطلاق وصلت النوبة إلى الاصل العملي وهو اصالة عدم التحريم. نحن بحاجة لهذا الترتيب في مقام التعليم ومعرفة منهجية الاستنباط.

لا باس بذكر كلام صاحب الجواهر (ره): ( ولو ارتضع من ثدي الميتة ) تمام العدد مثلا ( أو رضع بعض الرضعات ) منها ( وهي حية ثم أكملها ) منها ( ميتة ) أو أكمل الرضعة الأخيرة منها كذلك ( لم ينشر ) الحرمة، لا لأن اللبن متنجس أو حرام أوليس في محل الولادة أو نحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه، بل ( لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام ) العرفية التي منها صدق كونها مرضعة " وأرضعنكم " ونحو ذلك، ( فهي ) حينئذ ( كالبهيمة المرضعة ) التي قد عرفت عدم نشر الحرمة بين الرضيعين منها، والنائمة والغافلة والمغمى عليها ونحوها قد خرجن بالدليل على عدم اعتبار القصد، فيبقى اعتبار الحياة المستفاد من " أرضعنكم " وغيره بحاله، كل ذلك مع عدم ظهور خلاف فيه، بل في كشف اللثام لا حكم للبن الميتة بالاتفاق [2] أيضا كما يظهر من التذكرة. ( و ) لكن في المتن مع ذلك ( فيه تردد )، انتهى

لصاحب الشرائع التردد وله الحق بهذا التردد، فان هذا لبن من مرضعة والارضاع قد تمّ وعنوان الرضاع تمّ فلماذا لا يقول بالتحريم. نعم هناك انصراف، هذا الانصراف بسبب كثرة الوجود والاستعمال، ولكن هل هو مستحكم فيكون دليلا، أم نه يزول عند التأمل. إننا نشعر باستيحاش عند كل غريب وعند كل خروج عما اعتدنا عليه، لكن هذا الاستيحاش لا يثبت بعد التأمل، وهذا هو الانصراف غير المستقر وهذا ليس دليلا. لذلك نقول انه يوجد تردد كما ذكر صاحب الشرائع، الرضاع منطبق والانصراف غير تام بل ينحل ويسقط عند التأمل، لذلك يوجد مجال للقول بان لبن الحيّة ولبن الميّتة سواء في نشر الحرمة.

ثم يردف صاحب الجواهر: ولعله مما عرفت ومن إطلاق أدلة الرضاع الذي يجب الخروج عنه بما عرفت، لا أقل من الشك، والأصل الحل. [3]

عند الشك نصل إلى الاصل العملي، وهو آخر المطاف وهو هنا اصالة الحل، يعني هل ان نكاح الرضيعة جائز او لا؟ الاصل الحليّة إلا ما خرج بدليل، والخروج غير ثابت، فالأصل العملي هو عدم نشر الحرمة.

ثم ما هو هذا الاصل، وهل تتعارض الأصول؟س


[1] وسيلة المتفقهين، السيد عبد الكريم فضل الله، ج2، ص294.
[2] هناك فرق بين الاجماع والاتفاق. الاجماع يكشف عن رأي المعصوم، اما الاتفاق مجرد نقل للإتفاق في الغرض. والمفروض أن يكون الاصطلاح كذلك وإلا فقد استعمل أحدهما مكان الآخر كثيرا.
[3] جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، ج29، ص295.