الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

39/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الرضاع.

-تعبير الفقهاء أن الزنى لا يحق نسبا.

-ذكر كلام المحقق والجوهر في ذلك.

-نعود للتعبير الذي ذكرناه امس " عدم تحقق النسب لولد الزنى "، نتساءل: ولد الزنى ابن او ليس ابن؟ ولد او ليس بولد؟ هل يجوز لي شرعا ان اقول هذا ليس ولدي؟ رأيي ان هذا ولد شرعا وعرفا ولغة استثنيت بعض الاحكام منه. -الولد من الزنى ولد، لكن في تعبيرات الفقهاء انه لا يحقق النسب.

يقول في الجواهر: في الدعائم عنه أي علي عليه السلام إنه قال: " لبن الحرام لا يحرم الحلال، ومثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها ثم أرضعت بلبن فجور قال: ومن أرضع من فجور بلبن صبية لم يحرم نكاحها، لأن اللبن الحرام لا يحرم الحلال " وبعد ظهور الأدلة في غيره، خصوصا بعد ما عرفت من عدم تحقق النسب المقتضي لكون اللبن من غير فحل شرعي،... [1]

ظاهر هذا الكلام عدم تحقق النسب للزنى، أي يحق له شرعا ان يقول هذا ليس ولدي.

شرح هذا التعبير من قبل بعضهم:

بعضهم قال ان المراد من عبارة الفقهاء من عدم تحقق النسب انه عمليا لا يمكن إثبات كون الولد له من الزنى، لانه إذا كانت متزوجة فقاعدة الفراش تثبت الولدية للزوج وهي محكمة، وفي ذلك الزمن ولا يوجد DNA أن نثبت ولدية هذا الولد لهذا الزاني؟ ولا أي وسيلة أخرى إلا في حالات نادرة. فعباراتهم في تفسير هذه العبارة ليست نفي الولدية، لان نفي الولدية يقتضي انه له حق النكاح كما عند بعض ابناء العامة كبعض الشافعية والمالكية على ما في بالي، فإذا كان ولدا فكل احكام الولدية تثبت إلا ما خرج بدليل وهو التوريث وغيره. وإذا لم يكن ولدا فكل احكام الاجنبي تثبت إلا ما ثبت بدليل.

لكن توجد عبارة أوضح: يقول في الجواهر عن المحقق في الشرايع: ( و ) كيف كان ف‌ ( لا يثبت ) النسب ( مع الزنا ) إجماعا بقسميه ، بل يمكن دعوى ضروريته فضلا عن دعوى معلوميته من النصوص أو تواترها فيه ( فلو زنى فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينسب إليه شرعا ) على وجه يلحقه الأحكام ، وكذا بالنسبة إلى أمه.

هذه العبارة واضحة لا تحتاج إلى تأويل بعدم الانتساب اليه شرعا، وهذا نفي للولدية شرعا ثبوتا لا إثباتا، ومع انتفاء الولدية تنتفي كل احكام الولدية أي يصبح اجنبيا.

يكمل في الجواهر: ( و ) لكن ( هل يحرم على الزاني ) لو كان بنتا ؟ ( والزانية ) لو كان ولدا؟ ( الوجه أنه يحرم، لأنه مخلوق من مائه ).

هنا مع القول بانه ابنه تثبت الولدية. يوجد اضطراب في التعبير وفي الاستدلال. فإن حرمة النكاح متوقفة على ثبوت عنوان الولدية والاحكام تابعة لعناوينها، وليست تابعة لأصل نشوء الولد.

يكمل في الجواهر: ومائها فلا ينكح الانسان بعضه بعضا، كما ورد في بعض النصوص النافية لخلق حوا من آدم (و ) أيضا ( هو يسمى ولدا لغة ) ...

انت قلت انه شرعا نفيناه، فما هي قيمة التسمية اللغوية إذن؟!

اعود واذكر بالمنهجية التي ذكرناها في الشبهات المفهومية. كلمة " ولد " لا اعرف معناها، اولا اطرق باب الشارع فإذا كان عنده حقيقة شرعية أخذ بها فان لم اجد فاطرق باب العرف، وفي عرفنا العام الحالي ابن الزنى ابن، فان لم اجد في العرف اخذ باللغة الأساس فان لم أجد آخذ بالقدر المتيقن، فان لم اجد اصبح الدليل مجملا واعود إلى دليل آخر.

يكمل في الجواهر: ( هو يسمى ولدا لغة ) والأصل عدم النقل، [2]

قلنا ان اصالة عدم النقل صحيحة، وبهذا الكلام يثبت الولد شرعا، إذا كان من اساس اللغة انه ولد واشك في نقله إلى مصطلح آخر كنقله إلى الحقيقة الشرعية، فالاصل عدم النقل، وقلنا ان اصالة عدم النقل عبارة عن امارة.

هذا التعبير الموجود عند كثير من الفقهاء بنفي الولدية شرعا، تعبيرهم يوهم بان ليس ولدا. لكنا نقول: إنه ولد لكنه نشأ في حرام، والثمرة تظهر في المشكوكات من قبيل هل يجب على ولد الزنى برّ امّه أو لا, واحكام الولدية كثيرة جدا وليست حكما واحدا.

والنص في كيفية خلق حواء، في الوسائل: ح 4 - وفى ( العلل ) عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد ابن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن أحمد بن إبراهيم (احد اصحاب الكاظم (ع) ثقة)، عن عمار (الساباطي)، عن ابن توبة عن زرارة قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام كيف بدو النسل فان عندنا أناسا يقولون إن الله أوحى إلى آدم أن يزوج بناته من بنيه وان أصل هذا الخلق من الاخوة والأخوات قال أبو عبد الله عليه السلام: سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يقولون من يقول هذا إن الله جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسوله والمؤمنين والمؤمنات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب والله لقد نبئت أن بعض البهايم تنكرت له أخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها أخته اخرج عزموله ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا الحديث. [3]

من حيث السند: موثقة وغدا نتحدث في السند.

اما من حيث المتن: إن الرواية تقول: إن الله يأبى أن يكون منشأ الخلق من الحرام، لكنها لا تنفي الولدية. فالولدية على قسمين: أحدهما من منشأ حلال كالناشئ عن وطء حلال، والثاني من منشأ حرام كابن الزنى.

غدا ان شاء الله نرى ان قسم من الرواية مروي في اول كتاب النكاح وسنرى وضع السند فيها.

 


[1] جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، ج29، ص266.
[2] جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، ج29، ص256.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص277، باب3، تحريم الأخت مطلقا، ح4، ط الاسلامية.