الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

39/01/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الرضاع.

- عودة إلى الاصل اللفظي.

- ولد الزنى ولد عرفا ولغة وشرعا.

- ولد الزنى له جميع أحكام الولدية إلا ما خرج بدليل كعدم التوارث.

- ما معنى قول الفقهاء من عدم تحقق النسب.

قلنا أن الاصل اللفظي في الرضاع يمكن ان يقتضي نشر الحرمة، أي: كل رضاع ينشر الحرمة إلا ما خرج بدليل، باعتبار اطلاقات أدلة الرضاع ) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ( [1] كل ما سمي رضاعا فهو ينشر الحرمة والخروج هو الذي يحتاج إلى دليل. هكذا قالوا وان كنا نحن لا نطمئن للأصل اللفظي. لانهم استدلوا عليه بالقرآن والروايات التي تقول بان يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وهذا ليس في مقام بيان الافراد من الرضاع، بل هو في مقام بيان حكم الرضاع ومن مقدمات الحكمة يجب أن يكون المتكلم في مقام بيان، هنا هو ليس في مقام بيان افراد الرضاع ولا في ما يحرّم، ومتى لا يحرّم، انه يبين هذا الحكم وهو نشر الحرمة وبيانها.

ليس في مقام بيان اصناف الرضاع، الرضاع الناشئ عن وطء صحيح، عن وطء شبهة، عن زنى وعن غير ذلك. بل هو كما في مسألة الاكل مما امسكت الكلاب: ) وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ( [2] بعضهم استدل بالآية على طهارة ما امسك الكلب. لكن نقول ان هذه تبيّن ان الامساك حلال أو غير حلال ولا تبيّن الطهارة وعدمها، الآية ليست ناظرة لهذه الجهة. لكن القول بالاصل اللفظي هو الاطلاق لا يخلو من قوة خصوصا في ملاحظة كون الاصل في المعصوم أن يكون في مقام بيان.

وصلنا في البحث إلى اللبن الناشئ عن ولد الزنى هل هو محرّم أم لا؟ ذكرنا الرواية المرسلة: "لبن الحرام لا يحرم الحلال" فإذا تمّت هذه الرواية عملنا بها، أي ان اللبن الناشئ عن حرام لا يحرّم. فإن تمّ اجماع فيكون هو الدليل على التحريم أي ان لبن الحرام ينشر الحرمة. فإذا لم يتم الاجماع رجعنا لإطلاقات الرضاع، نقول: ان هذا رضاع وكل رضاع يحرّم. خصوصا ان ولد الزاني ولد انتسابا، أي ينسب إلى ابيه، ولذلك قلنا ان ولد الزاني لا يجوز نكاحه والبنت يجوز مصافحتها. وقلنا ان كلمة " لُغيّة " من اللغو والالغاء او هي من " لِغيّة " والظاهر أن لٍغيّة مقابل الرشدة. يقول ابن السكيت في " ترتيب اصلاح المنطق "، باب " غِية " هو لغٍية أي لزنية، وهو لرشدة أي ولد حلال.

النتيجة: ان ولد الزنى ولد عرفا ولغة وشرعا، كما حققنا ذلك، نعم له بعض الاحكام الخاصة من قبيل عدم التوريث.

نعم هناك تعبير عند الفقهاء يقول أن الزنى لا يحقق نسبا وان الزنى ولد غير شرعي. ما هو معنى " لا يحقق نسبا " هل نستطيع ان نقول انه لا يحقق ولدية؟.

ملاحظة: لم أفهم قول الفقهاء الذي يذكر في الجواهر وغيره من عدم تحقق النسب للزاني، فان ولد الزنى ولد لغة وعرفا وما كان عرفا كان شرعا. مسألة عدم تحقق النسب وتحققه للزاني تنفعنا في الاحكام المشكوكة كما: هل يجب بر الولد أو لا هل يجب عليه بر والده، هل يجوز ان يصافح الزاني ابنته من الزنى؟ وغير ذلك، لكن اجماعا وتسالما نكاحها لا يجوز إلا عند بعض الشوافع.

نعم قد يفسّر "عدم تحقق النسب للزاني " بانه لا يوجد وسيلة لإثبات ولد من زنى لرجل معيّن من امرأة متزوجة بسبب قاعدة الفراش. بعبارة اخرى: ان نعلم انها زنت ممكن، لكن أن نعلم ان هذا الولد لفلان الزاني بعينه فلا سبيل إلى ذلك، إذ قد يكون هناك زاني آخر. اثبات ان الولد لفلان مسألة محال في ذلك الزمن.

والجواب: إنه يمكن إثبات النسب حديثا بفحص DNA لو قيل بذلك أو بغيره من الحالات، هذا اولا.

هذا التعبير "عدم تحقق النسب للزاني " يجب ان يتغير او يحتاج إلى بيان آخر لانه يوحي بنفي الولدية، بل يحتاج إلى بيان بان احكام الزنى لا تتم وهي عدم التوريث وغير ذلك مما ذكرنا، وإلا فهو ولد لا يجوز نكاحه ويجوز مصافحته إذا كان بنتا وغير ذلك من الاحكام كالنفقة والبرّ.

ثم إن المراد إثبات الاحكام بغض النظر عن الدعاوى.

سنتكلم غدا عن هذا التعبير ونبيّن كلام صاحب الجواهر ص 257و 266.

اما في صنف الخنثى المشكل وارضعت هل تنشر الحرمة او لا؟ الظاهر عدمه لأخذ الانوثة في موضوع التحريم قال تعالى: " والوالدات يرضعن اولادهن " الانوثة مأخوذة في موضوع التحريم، والروايات كثيرة في ج 4 ص 282،

قد يقال: ان هذا من باب كثرة الوجود او لكثرة الاستعمال.

لذلك هل نعود إلى اطلاق الرضاع، فنقول انه محرّم، لبن الخنثى المشكل يصبح محرم.


[1] البقرة/السورة2، الآية233.
[2] المائدة/السورة5، الآية4.