الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : نفقة الزوجة.

     علاج تعارض الروايات في المتوفي عنها زوجها الحامل.

     الذهاب إلى عدم وجوب النفقة تبعا للمشهور.

نفقة المتوفى عنها زوجها الحامل:

قلنا أن هناك في الروايات ثلاثة طوائف: طائفة تقول بوجوب النفقة لها وهي رواية واحدة، الرواية الرابعة من الباب التاسع. وطائفة تقول بعدم وجوب النفقة على الزوج وهي أكثر من حديث. وطائفة تقول بأن النفقة عليها من مال ولدها.

قلنا أن النفقة عليها من مال ولدها يعني أنه لا نفقة على الزوج، بل تكون النفقة عليها من باب نفقة الولد على امّه وابيه وتندرج الروايات تحت عدم وجوب النفقة لها، فانحصرت الطوائف بطائفتين: طائفة تقول بعدم وجوب النفقة على الزوج، وطائفة تقول بوجوب النفقة. إذن هناك تعارض.

علاج التعارض:

في الباب التاسع باب ما دلّ على وجوب النفقة ح 4 - وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب وكذا كل ما قبله. أقول: حمله الشيخ على أن المراد من مال الولد واستدل بما يأتي من التصريح به. [1]

من حيث السند: الرواية صحيحة.

ومن حيث الدلالة: " المتوفى عنها زوجها " بإطلاقها تشمل الحائل والحامل، والاطلاق أصل لفظي فهو أمارة، وهو دليل، وليس أصلا عمليا فيقدم على الاصل العملي. وظاهر الحديث أن الانفاق من مال الزوج لان مرجع الضمير ظاهرا هو الزوج. اما كون المرجع هو الولد فيحتاج إلى دليل. إذن كون النفقة من مال الولد غير ظاهر من الحديث وليس خبر الكناني قرينة عليه. إذن حمل الشيخ الطوسي (ره) الضمير على الولد، أي أن الانفاق من مال الولد لا وجه له.

هذه الرواية ظاهرة في أنه يجب على الزوج الانفاق وتحتاج الرواية إلى الاطلاق لتشمل الحبلى والحائل، أما الروايات التي قالت بعدم وجوب الانفاق قالت: ح 1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الحبلى المتوفى عنها زوجها أنه لا نفقة لها.

من حيث السند: صحيح. والدلالة واضحة.

هاتان الروايتان متعارضتان واحدة مطلقة والثانية مقيّدة بالحبلى، فيقدم المقيدّ على المطلق، ويحمل المطلق على المقيّد، حينئذ تؤدي إلى عدم وجوب النفقة على المرأة المتوفى عنها زوجها الحبلى. فإذا حملنا المطلق على المقيّد يؤدي إلى عدم وجوب النفقة على الحبلى، وتكون الرواية في خصوص الحائل، فتثبت النفقة للحائل. لكن المشكلة أن الحائل قد ثبت أنه لا نفقة لها مما يعني انتفاء الحكم بوجوب النفقة عن جميع أفراد موضوعها، وهذا يعني كون الرواية لغوا محضا، فلا بد من الاعراض عن هذه الرواية أو حملها على الاستحباب. لذلك ذهب المشهور إلى عدم وجوب النفقة على الزوج. وحمل الشيخ الحديث الرابع على أن المراد من مال الولد، وقلنا أن هذا الحمل تبرعي.

فإذا حملنا المطلق على المقيّد يؤدي إلى أن الحبلى لا نفقة لها والحائل لها نفقة وهذا ممكن شرعا، لكن نعلم أيضا أن الحائل لا نفقة لها لكثرة الروايات بعدم النفقة لها. فالنتيجة: أن الحبلى لا نفقة لها ولا الحائل لها نفقة، فماذا نفعل بالرواية؟ نقول: نحمل على الإستحباب.

وأما لو قلنا باستحكام التعارض نرى حينئذ مرجحات باب التعارض: مرجحات الراوي – السند -، مرجحات الشهرة، مرجحات مخالفة الكتاب أو مخالفة القوم، أو مرجحات أحوال الرواية، أو المرجح الذي قال به الشيخ الانصاري (ره) والذي أيدناه وهو الاقربية إلى الواقع، مع الفات نظر لشيء وهو: أنه في باب التعارض لا نقدم مرجحات الراوي ولا مرجحات الرواية ولا الاشهر، لكن نقدم ما كان أقرب للواقع بقيد أن يكون مبرّر الاقربية وسبب تحققها في النفس أمر عقلائي لا شخصي.

ولذلك هنا لا يستحكم التعارض ونقدم عدم النفقة لأن المشهور على ذلك، والشهرة وإن لم تكن حجة بذاتها لكنه توجب ظنا عقلائيا وعرفيا. لذلك بعضهم قال بحجية الشهرة الفتوائية، قالوا لانها توجب ظنا أكثر من الخبر الواحد، فإذا كان خبر الواحد حجة فالشهرة الفتوائية حجة من باب آخر. فحينئذ يطبق عليه مناط الحجية وهو تقديم الاقرب للواقع بأقربية عقلائية، والأقربية هنا هي عمل المشهور بذلك.

والنتيجة: لا نفقة للمتوفى عنها زوجها الحائل وكذلك الحامل، إلا انه مستحب.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب9، عدم وجوب نفقة المتوفى عنها من مال زوجها وان كانت حاملا ولا سكناها وأن من ترك لزوجته نفقة ثم مات رجع الباقي في الميراث، ح4، ص235، (الاسلامية).