الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :نفقة الزوجة.

عدم الدليل على النفقة أصل عملي يأتي في آخر سلّم الاستنباط.

إطلاق روايات عدم النفقة للمتوفى عنها زوجها دليل لفظي مقدّم على الاصل العملي.

تعارض الروايات.

الجمع التبرعي.

نفقة المتوفى عنها زوجها الحائل:

قالوا انه لا نفقة لها لعدم الدليل.

لكن قلنا انه هناك دليل وهو الاطلاق، وذكرنا بعض الروايات. وقلنا ان الروايات في الحائل باطلاقاتها متعارضة.

ح 6 - محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن المتوفى عنها زوجها ألها نفقة ؟ قال: لا، ينفق عليها من مالها. [1]

من حيث السند: الرواية صحيحة.

من حيث الدلالة: بالإطلاق تدل انه ليس لها نفقة. والاطلاق أمارة، اصل لفظي وليس اصلا عمليا. وهذا دليل بحلاف استدلالهم على عدم النفقة بعدم الدليل، ثم إن عدم الدليل هو من باب الاصل العملي. والاصل العملي يقع في اخر سلم الاستنباط. والسيرة ليست اصلا عمليا بل هي من الكواشف، بعبارة اخرى نقدم الكواشف على الوظائف. ونحن لخصنا علم الاصول بكلمتين: بحث عن كواشف فان لم تجد فيبحث عن وظائف. وهنا فلنبحث عن كواشف، وهذه الرواية من الكواشف، وبإطلاقها تشمل الحبلى والحائل.

إلا انه توجد روايات تدل على وجوب النفقة: ح 4 - وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب وكذا كل ما قبله. أقول: حمله الشيخ على أن المراد من مال الولد واستدل بما يأتي من التصريح به. [2]

من حيث السند: الرواية صحيحة.

ومن حيث الدلالة: " من ماله " إذا قلنا من مال الزوج يتحقق التعارض بين المطلقين. فبإطلاق هذه تدل على ان الحائل لها نفقة واطلاق السابقة يدل على عدم النفقة. اما إذا فسرنا كلمة " من ماله " مال الولد حينئذ ينتفي التعارض.

وكلمة " من ماله " حملها الشيخ الطوسي (ره) على كونها من مال الولد.

نقول: جعل مرجع الضمير هو الولد وليس الزوج فيه مخالفة للظهور في موقعين:

اولا: هو خلاف الضمير والظاهر عودة على الزوج. ثانيا: يستلزم تقييد الاطلاق بخصوص الحبلى

فإما أن نحمل الرواية على خصوص الحبلى، فحينئذ تكون النفقة من مال الولد، وهو مروي في ح 1 - محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها. ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن الفضيل. [3]

من حيث السند: هذه الرواية ضعيفة لوجود محمد بن الفضيل المردد بين اثنين، احدهما ثقة والثاني ضعيف. ويقول السيد الخوئي (ره) انه لم يثبت ان الذي يروي عن الكناني هو الثقة. فلما تردد بين الضعيف والثقة طرحت الرواية.

فإذن جعلوا في الرواية الرابعة ان المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله، حملها على خصوص مال الولد يحتاج إلى اختراق ظهورين:

الاول: المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله، وجعل الضمير للولد خلاف الظاهر.

ثانيا: انه يستلزم تقييد اطلاق الرواية، وهذا ايضا خلاف الظاهر.

فإذن الاولى ان نحمله على الظاهر وهو من مال الزوج.

إذن هناك تعارض بين اطلاقين: اطلاق يقول: ان المرأة المتوفى عنها زوجها الحائل لا نفقة لها، وإطلاق يقول ان لها نفقة.

ماذا نفعل هنا؟ إما ان احمل روايات مال الولد على الحبلى خصوصا، وهذا جمع تبرعي، والجمع التبرعي لا دليل على حجيته، وان كان الاغلب في الواقع العملي يعملون بالجمع التبرعي، ودليلهم الابقاء على حجية الخبرين. أي مهما أمكن الجمع فهو أفضل من الطرح.

بيان ذلك: روايتان تم دليل حجيتهما، ثقة عن ثقة أو موثق عن موثق أو غير ذلك لكن تعارضا، هل ارمي الروايتين؟ او ارمي دليل الحجية في احدهما دون وجود الدليل؟ حينئذ المرجحات تقتضي رمي احد السندين، رمي احدى الحجتين، هذا صعب، حتى العرف يرى ذلك صعبا ويقول الاصلاح خير، والجمع التبرعي معناه ان اتبرع بتقييد هذا وتقييد هذا من دون دليل عليه. لا دليل لفظي كالظهورات، ولا دليل لبي بالقرائن. إذا تم الدليل على تقديم أحدهما كالعام والخاص فليكن، اما إذا لم يكن هناك دليل فهو من باب الجمع التبرعي. حينها نرى من قال بان الجمع التبرعي حجة فالحمد لله فيرتفع التعارض حينئذ، بل قد لا يوجد ، لإمكان تقييد كل الاطلاقات.

فالجمع التبرعي هو تقييد اطلاقات، وتقيّد الاطلاق يحتاج إلى دليل، والتقييد بلا دليل يكون تبرعا محضا، وحينئذ ما الدليل على حجية هذا الجمع؟.

غدا ان شاء الله نكمل.

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب9، عدم وجوب نفقة المتوفى عنها من مال زوجها وان كانت حاملا ولا سكناها وأن من ترك لزوجته نفقة ثم مات رجع الباقي في الميراث، ح6، ص235، (الاسلامية).
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب9، عدم وجوب نفقة المتوفى عنها من مال زوجها وان كانت حاملا ولا سكناها وأن من ترك لزوجته نفقة ثم مات رجع الباقي في الميراث، ح4، ص235، (الاسلامية).
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب10، وجوب نفقة المتوفى عنها الحامل من مال الحمل، ح1، ص236، (الاسلامية).