الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: نفقة الزوجة.

     دليل من قال بان النفقة للحامل وليس للحمل.

قبل البدء بالدرس قدّم الاستاذ حديثا يعلّق فيه على مفهوم انتشر بين بعض الاوساط وهو كون صاحب الموقع الفلاني " يزار ولا يزور " حتى بات بعضهم سجين هذه الفكرة التي صارت مسلكا له، مما أدى إلى إخلاء الساحة لغير أهل الدين، مع العلم أن التبليغ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس له حدود، ومطلوب ضمن الشروط التي ذكرها الفقهاء، وحث السيد الاستاذ الطلبة على زيارة الناس جميعا والتواصل مع كل الطبقات، متمثلا بالنبي (ص) وامير المؤمنين (ع) حيث كان يجلس في دكان ميثم التمار (ره)، بل وجميع الانبياء والمرسلين والاولياء الصالحين.

نفقة المطلقة البائن الحامل:

نعود إلى المطلقة البائن الحامل، وقلنا بان المطلقة البائن الحامل لا شك في وجوب النفقة عليها لكن هذه النفقة لمن؟ للحامل أو للحمل. وقلنا ان لهذه المسألة ثمار مثلا فلو كسرت الزوجة المطلقة الحامل يدها مثلا، فعلى قول من يقول إن نفقة الزوجة تشمل الطبابة وليست الزوجة خاصة بستر العورة واشباع البطن، حين ذلك عند كسر اليد لا يجب عليه ان ينفق عليها، على القول بكون النفقة للحمل لا يجب عليه ان ينفق على طبابتها. اما إذا كانت للحامل فيجب.

كنا في ادلة من قال بأن النفقة للحمل، لاحظت ان المسيطر على ذهنية من يقول في النفقة للحمل يدور حول محور واحد وهو ان الحمل هو سبب للنفقة، المطلقة البائن لا نفقة لها اجماعا ونصا، والسبب في نفقتها هو الحمل، فإذن النفقة للحمل.

لكن نجيب هنا بان الحمل سبب وليس تمليكا، من قبيل انني اكرمك إذا حررت بحثا في موضوع معين، البحث يكون سببا للإكرام، لكن انت المكرم. وهنا الحمل حيثية، خلطوا بين السبب والتمليك، عندما نميّز بينهما لا دليل على ان الحمل هو المالك.

وسبب التشكيك في كون النفقة للحمل رغم ظهور الآية والرواية في ذلك ولا أقل من الاشعار القوي هو هذه السببية والتمازج الشديد بين النفقتين.

ونذكر بان نفقة الزوجة ثلاثة آراء: الاول: خصوص الطعام والسكنى. الثاني: الطعام والسكنى وما كان من امور متعارفة كالات التنظيف والطبابة وغيرها. الثالث: اوسع من ذلك وهو ما كان الحد الادنى من الحياة الكريمة.

 

نعود لأدلة من قال بان النفقة للحامل وليس للحمل:

اولا: ظاهر النصوص. ثانيا: نفقة المرأة الرجعية للزوجة فكذلك للبائن. لانهما صنفان من نوع واحد. الطلاق جنس له نوعان: بائن ورجعي. والبائن نوع له صنفان: حامل وغير حامل. إذن هناك صنفين من نوع واحد فلا داعي لتفصيلهما. فكما ان المطلقة الرجعية هي تملك المال، كذلك البائن هي التي تملك المال.

لكن كل هذا استحسان محض، لا يكون دليلا، نعم الاستحسانات قد تؤدي إلى اطمئنان احيانا، ويكون الاطمئنان هو الحجة لا الاستحسانات.

ثانيا: ثم ان بعض روايات نفقة المطلَّقة مُطْلَقة وفي سياق واحد، المطلقة لها نفقتها بإطلاقها تشمل الرجعية والبائن الحامل. الوسائل: ح11 - عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن المطلقة لها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها؟ قال: نعم. [1]

وفيه: إن الروايات مخصّصة بالرجعية كما مرّ، والبائنة ليست زوجة، والمطلقة الرجعية زوجة على المشهور، أو بحكم الزوجة على ما نذهب إليه.

لكن الانصاف أن الاطلاق تام، خرج منه البائن غير الحامل، فتبقى كل المطلقات تحت العموم، وبالتالي فالرواية تدلّ على كون النفقة للحامل.

ومنها: انها لو كانت للحمل لم تكن مقدرة لان نفقة الاقارب ليست مقدرة لا بالأمداد ولا بالأمنان ولا بالكميات كما ورد في الوسائل: ح 1 - محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عيسى، عمن حدثه، عن شهاب بن عبد ربه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما حق المرأة على زوجها؟ قال: يسد جوعتها ويستر عورتها ولا يقبح لها وجها فإذا فعل ذلك فقد والله أدى إليها حقها، قلت: فالدهن قال: غبا يوم ويوم لا قلت: فاللحم، قال: في كل ثلاثة فيكون في الشهر عشر مرات لا أكثر من ذلك، والصبغ في كل ستة أشهر ويكسوها في كل سنه أربعة أثواب: ثوبين للشتاء وثوبين للصيف، ولا ينبغي أن يقفر بيته من ثلاثة أشياء: دهن الرأس والخل والزيت ويقوتهن بالمد فاني أقوت به نفسي وليقدر لكل انسان منهم قوته فإن شاء أكله وإن شاء وهبه وإن شاء تصدق به، ولا تكون فاكهة عامة إلا أطعم عياله منها ولا يدع أن يكون للعبد عنده فضل في الطعام أن يسني لهم " ينيلهم " في ذلك شيء ما لم يسني " لا ينيلهم " لهم في سائر الأيام. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن نوح بن شعيب، عن شهاب بن عبد ربه نحوه. [2]

وفيه: ان النفقتين مقدرتين شرعا، الزوجة كما مرّ في الاحتمالات الثلاثة، ونفقة الاقارب بحسب الحاجة. ثم إن هذا الدليل غير تام، لأنه جعل المسألة تدور مدار تقدير النفقة وعدمه. وهذا المناط لا نسلّم به، غذ ان عدم التقدير الأقارب لو تمّ لا إطلاق فيه حتى نقول: إن كل من لم تقدّر نفقته فهو من الاقارب.

وبالنتيجة هذا الدليل غير تام لا في الكبرى ولا في الصغرى.

غدا ان شاء الله نكمل ادعاء الشيخ الطوسي.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص234، أبواب النفقات، باب8، ح11، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص226، أبواب النفقات، باب2، ح1، ط الاسلامية.