الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : نفقة الزوجة.

     تلخيص ما مضى في نقاط.

     أدلة سقوط النفقة بعدم التمكن.

     استفادة سقوط النفقة من روايات خروجها من البيت بالأولوية.

     قاعدة تبادل الحقوق.

نلخص ما وصلنا اليه بنقاط:

اولا: ان النشوز بالمعنى اللغوي هو العلو ونقل مجازا إلى التعالي، والنشوز ليس عدم اعطاء الحق بل لازمه عدم اعطاء الحق. فالتعريف بعدم إعطاء الحق تعريف باللازم.

ثانيا: الكلام في الحقوق ثلاثة: الحق الشرعي، والحق الخاص، والحق العالم، ثم يأتي الامر الرابع وهو الانحرافات المسلكية المعاصي.

اما الحق الشرعي يكشف عن عنوان النشوز.

واما الحق الثاني وهو الحق العرفي الخاص فان قلنا ان النشوز في خصوص الامور الجنسية فلا يشمله، وان قلنا ان النشوز هو التعالي بإطلاقه حينئذ يشمله، فلو فرضنا ان العرف الخاص يرى ان المرأة يجب ان تقدم الماء للرجل او الامور المنزلية، فاذا امتنعت عن ذلك، حينئذ هذا حق عرفي خاص بني العقد عليه - لو تم بناء على وجوبه -، هذا عدم اعطاء حق، فيصدق النشوز اللغوي. إلا ان يقال: ان كلمة نشوز تستبطن خصوص المسائل الجنسية، ولعلّها ناشئة من كلام الفقهاء.

اما الحق العرفي العام فإذا كان واجبا شرعا من باب ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [1] والطاعة وما إلى ذلك، فنفس الكلام في الحق الخاص.

واما المعاصي فلا يجوز له اصلا ان يتدخل إلا كأي انسان اجنبي آخر، فلو راها تشرب الخمر او تعتدي على الناس او تعتدي على الشارع، فيجب عليه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن هذا النهي في احكامه وجريانه شأنها شأن الاجنبي.

ثالثا: " ﴿ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [2] قلنا ان هناك موضوعان: الخوف من النشوز، والنشوز. والظاهر من الآية هو التالي: ان الخوف من النشوز موضوع للإيقاظ، احيانا تكون المرأة في جو، وبسبب هذا الجو تتعالى فهو يوقظها، وبهذا نفسّر ما ورد من روايات ضعيفة في الضرب بالمسواك او بطرف المنديل، إذ لا معنى للتأديب والعقوبة بذلك، وما ذكر في الآية الكريمة كل هذا من باب الإيقاظ والإلفات والتنبيه. أما التأديب والعقوبة فهو على المعاصي ولم ترتكب بعد.

هذا في حال الخوف من النشوز، اما في حال وقوع النشوز بعدم التمكين، فقد وقعت معصية منها بعدم أعطائه حقه من دون بعد شرعي، فيجوز تأديبها، لكن هذا التأديب ليس من شأنه كزوج، بل من باب النهي عن المنكر، والشأن في ذلك شأن أي أجنبي آخر، ويكون من باب الردع عن المعصية.

وهنا نقطة مهمة في معنى النشوز، إذ قد يقال ان النشوز لا يتحقق من مرّة واحدة بل عندما يصبح ملكة نفسية او صفة نفسانية، مع التكرار يحصل النشوز. وبيّنا أن النشوز له موضوعه وهو عدم التمكين في حال انه أدى المقدمات العرفية، ونذكر في الاصول أن المقدمات العرفية شرعية أيضا، فإذا تمم الزوج المقدمات العرفية للوطء فلماذا تمانع الزوجة؟ فإذا مانعت مع التكرار يستكشف من ذلك حصول خطأ نفسي، هذا الخطأ النفسي يحتاج إلى إيقاظ، فإن تم عدم التمكين تمّت المعصية فيأتي وجوب الردع عنها، ويكون الزوج حينئذ ككل أجنبي آخر.

نعود إلى سقوط النفقة بالنشوز:

ذكرنا سابقا ان النفقة حق وليست حكما فيمكن المعاوضة عليه ويمكن اسقاطه:

ما يمكن الاستدلال له على سقوط النفقة بالنشوز لو تمّ نشوزها:

اولا: الاجماع بقسميه، وليس بمستبعد، فإنني لم أجد من يقول بعدم سقوط النفقة عند عدم التمكين.

وفيه: ما درسنا في الاصول في كبرى الاجماع فلا دليل على حجيته، لكن أن القول بخلافه صعب، ليس خوفا من الناس بل خوفا من الله عز وجل. [3]

ثانيا: استفادة ذلك من سقوط النفقة من خروجها من بيتها بالأولوية.

وفيه : منع الأولوية إذ النشوز وهي داخل البيت ليس أكثر استهتارا به من بقائها في البيت مع عدم التمكين.

ثالثا: إن قاعدة تبادل الحقوق التي ذكرناها تؤدي إلى ذلك فقد قصّرت معه بإعطائه حقه، فيحق له أن لا يؤديها حقها، من باب أن العقود تتضمن تبادل الحقوق، والدليل عليها هو نفس الآية: ﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [4] فان نفس الأمر بالوفاء بها كما يدل على لزوم الوفاء بنفس العقد كذلك يدل على لزوم الوفاء بآثاره، ومن الآثار العرفية جواز الفسخ عند عدم الوفاء بالشرط، وهذا ما يسمّى بخيار الشرط. وهذا الأثر وإن لم بذهب إليه الفقهاء في عقد النكاح إلا أنه في خصوصه وقد أمضاه كل الفقهاء في بقيّة العقود.

ومن الآثار أيضا عدم وجوب الوفاء بالحقوق عند عدم وفاء الطرف الآخر بما عليه. وهذا أثر عقلائي أي سيرة العقلاء عليه، بل هو أثر يحكم به العقلاء. ومع عدم ورود مانع منه من قبل الشارع، فلا بد من الذهاب إليه.

وهذا الموقف يشمل كل العقود بما فيها عقد الزواج، لان القدر المتيقن من الخروج عنه هو خصوص حق الفسخ للطرف الآخر صاحب الحق، أي خصوص سقوط خيار الشرط في عقد الزواج فلا يصح فيه الفسخ طبعا لو تمّ ذلك – لاننا لا نقول به، بل نذهب من الناحية العلمية الفقهية إلى جواز الفسخ للطرف الآخر، وإن كنا نحتاط فيه عمليا -.

وبالتالي يحتمل أن تكون هذه السيرة العقلائية من عدم وجوب الوفاء بالحق عند تقصير الطرف الآخر في اداء الحقوق الواجبة عليه هي المدرك للإجماع، وإن لم أجد من يصرّح بذلك.

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] سورة النساء، آية 19.
[2] سورة النساء، آية 34.
[3] ولذا قلنا: إن مخالفة الاجماع مشكل لكن القول به أشكل.
[4] سورة المائدة، أية 1.