الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: نفقة الزوجة.

     بيان احكام الحقوق الثلاثة وصدق عنوان النشوز عليها، الحق الشرعي والحق الخاص والحق العام.

     بيان حكم ارتكابها المعاصي.

     الوعظ والهجر والضرب للإيقاظ لا للعقوبة.

تذكير بما مضى: قلنا ان النشوز لغة العلو ويؤخذ إلى التعالي مجازا، والمراد التعالي وينشأ عنه عادة عدم اعطاء الحقوق، لذلك تعريف النشوز بعدم اعطاء الحقوق هو تعريف باللازم لا بنفس الماهية، فإذا كان التعريف باللازم فلنرجع للأصل.

هذه الحقوق الممنوعة قلنا اما انها حق شرعي وهو التمكين وذكرنا امس انه لا يجوز.

أو الحق في العرف الخاص وذكرنا انه لغة يسمى نشوزا وهو يكشف عن التعالي، لكن هل الشارع يؤيد ذلك؟ أقول: إذا صار الحقوق العرفية مأخوذة في العقد، وبنينا عليه العقد يكون هناك مجال للقول بان يصبح واجبا، لكن هذا الحق هل يؤدي إلى صدق عنوان النشوز؟ المفروض كلغة ان يشمله، لكن كاستبطان لا يشمله،ولعلّه لكثرة استعمال الفقهاء في عدم التمكن من الحق الشرعي الجنسي، وليس كل حق له. ومع هذا الانصراف من كثرة الاستعمال لا يمكننا ان نحكّشم اطلاق النشوز. إلا ان يقال ان كلمة نشوز وردت في القرآن الكريم قبل حصول هذا الانصراف، فعدم اعطاء الحق نوع من النشوز حتى لو كان حقا في العرف الخاص.

الحق الثالث حق العرف العام والمقصود منه هو الآداب والاخلاق كالشتم والاهانة هذا يؤدي إلى النفور ولا يبقي المودة بينهما، كما انها لا تستحم حتى تنفره ايضا السب والشتم من المنفرات، هل هذا يعتبر من النشوز إذا قامت به؟ الظاهر انه ايضا من النشوز إذا ادى إلى النفور الجنسي، اما إذا لم يؤدِّ إلى النفور الجنسي بل مجرد كونها امرأة بلا أدب وبلا اخلاق؟ ليس من المعلوم انه يشمله لفظ النشوز، وان كان واجبا شرعا ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [1] الف المفاضلة كما انت تعاشر بالمعروف فيلزمه ان تعاشر هي أيضا، ﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ [2] والطاعة بمعنى حسن التبعل، وحسن التبعل بمعنى حسن الزوجية، يكون هذا واجب من باب العشرة بالمعروف بالنسبة له ومن باب الطاعة بالنسبة لها، " جهاد المرأة حسن التبعل " بمعنى حسن الحياة الزوجية، فإذا كان كذلك حسن الزوجية يصبح واجبا، وهل كل واجب عليها أو عليه إذا قصّر أو قصّرت فيها اصبح الطرف الآخر ناشزا مع التقصير، أي ينطبق عنوان الناشز في هذه الحال؟. قلنا ان القدر المتيقن منها ما كان في الامور الجنسية والنفسية والشرعية، اما الامور الاخرى فغير معلوم.

إلا ان يقال بان اطلاق النشوز محكَّم، المعنى اللغوي موجود خصوصا ان استعمال النشوز استعمل في القرآن قبل استعمال الفقهاء فيكون عنوان النشوز هو التعالي الذي يلزمه المنع من الحقوق مطلقا.

القسم الاخير هو ما كانت ترتكب بعض المحرمات ولا علاقة له بها كشربها للخمر أو الاعتداء على الناس إلى غير ذلك هذه المسائل لا علاقة له شخصيا بها، هذا ليس من حقوقه الشخصية بل يجب النهي عنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا علاقة للنشوز بها. اصبحت منكرات تفعلها أو يفعلها فلا تتحقق احكام النشوز.

إلى هنا نكون قد انتهينا من النشوز ومعناه يبقى الالفاظ الباقية التي وردت في الآية: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾ [3] ، القرآن قيّد الهجر في " المضاجع ".

المضجع ومعناه: اصله الاستلقاء، وأضجعته وضعت جنبه إلى الارض، فكل شيء أملته فقد أضجعته.

الضرب: لغة: استعمل بمعان متعددة، منها الفراق: اضرب في الارض. ومنها الصدم وغير ذلك.

فيقول الطوسي في تفسير التبيان: واما الضرب فهو غير مبرّح بلا خلاف، قال أبو جعفر (ع) هو بالسواك،[4]

يقول الشهيد الثاني (ره) في المسالك: وأما الضرب فهو ضرب تأديب وتعزير كما يضرب الصبيان على الذنب.

ويجب أن لا يكون مدميا ولا مبرحا أي: شديدا. وفي بعض الأخبار أنه يضربها بالسواك. ولعل حكمته توهمها إرادة الملاعبة والأفراح وإلا فهذا الفعل بعيد عن التأديب والإصلاح. ونقل الشيخ في المبسوط عن قوم أن الضرب يكون بمنديل ملفوف أو درة، ولا يكون بسياط ولا خشب. انتهى. [5]

والذي أراه من مجموع الأدلة أن الضرب للإيقاظ وليس للعقوبة والتأديب وان ورد في لسان الفقهاء ذلك. تصوّري ان الضرب ليس الغرض منه التأديب والعقوبة بل الإيقاظ لان الضرب بالسوك او بطرف المنديل يشير إلى ذلك لان التأديب والعقوبة فيهما شيء من الإيلام.

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] سورة النساء، آية 19.
[2] سورة النور، أية 53.
[3] سورة النساء، آية 34.
[4] التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، ج3، ص191.
[5] مسالك الافهام، الشهيد الثاني، ج8، ص356.