الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: نفقة الزوجة.

     مقدار نفقة الزوجة.

مقدار نفقة الزوجة هذه المسألة محل ابتلاء لذلك نفصّل ونتوسع بها ولنستفيد منها في عالمنا المعاصر وأسئلته الكثيرة.

في مقدار النفقة قلنا ان هناك ثلاثة احتمالات:

الاول: مجرد الاطعام والكسوة.

الثاني: الاطعام والكسوة مع بعض الحاجيات الاخرى، من قبيل السكنى والغطاء والدواء والطبابة.

الثالث: هو ما يؤدي بها إلى ازيد من هذا بما يسمى من الحياة الكريمة الطبيعية، بحيث لا تكون اهانة لها.

ذكرنا الاحتمال الاول وذكرنا ادلته: في القرآن ليس هناك توضيح للرزق كم هو ومقداره ونوعيته وكذلك الكسوة. في الرةايات المتفرقة أيضا لا يوجد توضيح للكسوة والاطعام من حيث المقدار والنوعية. عندما يسأل الامام (ع) يقول: الاطعام والكسوة، " ما يشبع بطنها، ويستر عورتها " و " لا يقبح لها وجها "[1] في روايات اخرى.

السؤال من الامام (ع) هو بذاته قرينة على التحديد وقرينة على المفهوم. درسنا في الاصول ان الوصف لا مفهوم له بمعنى ان مفهومه غير حجة، واللقب أيضا لا مفهوم له.

هنا قد يقال: ان السؤال كان " ماذا يجب عليه "، الجواب كان: " يشبع بطنها، ويكسو حثتها "، لكن هذا من باب مفهوم اللقب، ومفهوم اللقب ليس حجة، بمعنى ان مفهوم اللقب ليس دليلا لعدم ثبوته، وهذا الامر قاعدة عامة يرجع اليها عند عدم وجود قرينة على المفهوم، ومن أهم القرائن قرينة التحديد، وكونه في مقام السؤال أي انه يحدد.

وبالمفهوم عندما يقول: " يشبع بطنها ويكسو عورتها، او جثتها " وبقرينة السؤال ان هذا في مقام تحديد الحق، واما غيره مما لم يذكر في الجواب فغير مطلوب، أي صار يدل بالدلالة الالتزامية بالمعنى الاخص على ان غيرها غير مطلوب.

وللانصاف انه بحسب القواعد لا بحسب الذوق الفقهي، اما حسب الذوق الفقهي الذي يعتمد على فهم الالفاظ بحسب لوازمها، فان الواجب بحسب الروايات هو الاطعام والكسوة فقط دون غيرها. [2]

غدا ان شاء الله نكمل.

 


[1] الکافی، الشيخ الكليني، ج11، ص174، ط دارالحدیث.
[2] سؤال احد الطلبة: كثيرا ما نجد الأئمة (ع) يسألون ولا يجيبون على نحو الانحصار، هنا على أي اساس يدعى بان السؤال على هذا النحو يدل على ان الحق منحصر؟ الجواب: هنا الامام يتكلم مع الناس بعرفهم، عرف اللغة. واحيانا يكون هناك اسباب لذكر البعض دون الآخر، واحيانا يلاحظ الموضوع الخاص، فلا يكون الجواب عاما. في العرف العام الجواب والسؤال قرينة على المفهوم، التحديد قرينة على المفهوم. مثلا: إذا سئلت ما حق فلان عليك؟ هنا تذكر الحقوق كلها. المفروض عندما نقول: " ما " أي هناك استفهام، وإذا ذكرت البعض دون الآخر يكون هناك خلل في الجواب. وهنا السؤال " ما حق "، " ما رجل "، " لا رجل "، " ما من رجل "، هل رجل "، النكرة في مقام النفي والاستفهام تفيد العموم، ومع افادة العموم يعنى ان المطلوب ان تبيّن الجميع. وإذا اتى معارض بعد ذلك فيقدم المعارض من باب تقديم المنطوق على المفهوم اصبح من قبيل التعارض. سؤال: هذا الكلام صناعي غير واقع في الخارج ابدا لان المتتبع للروايات يرى ان الواقع غير ذلك، ورغم ذلك فالائمة في روايات كثيرة جدا يجيبون على الاسئلة ونجد ان الواقع غير منحصر بما كانت به الإيجابة؟ تتمسكون بان السؤال على الجواب تحديد. هناك روايات ليس فقط ظاهرة بل نص بالحصر، وهي في الواقع ليست حصرا. مثلا: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (ع) يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاثة خصال: الاكل والشرب والنساء. وتبين في الخارج انه يضره غيرها. هل الامام ملزم بالجواب على السؤال على نحو الحصر؟ الجواب: ان الامام (ع) يتكلّم مع الناس بعرفهم ولغتهم، وعندما يتكلم مع الناس بلغتهم فالظهور حجة علينا نحن نعلم ان النكرة الواقعة بعد النفي او الاستفهام على قسمين: فتارة تنفي الطبيعة مثل: لا النافية للجنس فتقول: لا رجلَ (مبني عل الفتح). وتارة تنفي الفرد مثل: لا رجلٌ في الدار بل رجلان. والقسم الاول يفيد العموم، فعندما انفي الطبيعة انفي جميع الرجال وهكذا الاستفهام. الامام (ع) يتكلم مع الناس بعرفهم ولغتهم وعربيتهم، ولذلك ندرس اللغة العربية حتى نأخذ قواعد عامة نستفيد منها ونفهم ماذا يريد الامام (ع) وماذا يريد القرآن. الآن لا ندعي ان النحاة قد توصلوا إلى كل شيء، فلو وصلنا إلى مسألة غلط حينئذ نقول انها غلط، لذلك حاولوا التأويل احيانا. هناك بعض القواعد لم يتوصلوا لها، لذلك اقول: يجب ان يعترف النحاة انهم مقصرون او قاصرون. مثلا: يقولون:" ومن عاد فينتقم الله منه "، والنحاة يقولون إن جواب الشرط لا تلحقه الفاء إذا كان فعلا مضارعا، فذهبوا إلى تأويل القرآن! انا اقول غير ذلك يجب على النحاة ان يتواضعوا فيقولون نحن في هذه المسألة لم نصل إلى قاعدة عامة. القرآن هو الاساس وهو اهم مدرك عند النحاة. وجود قراءة واحدة قرآنية يكاد ينفي قاعدة الا إذا وجدنا مبررا، من قبيل ما ذكرناه في مسألة صفوان وابن ابي عمير عندما قلنا انه لا يروي إلا عن ثقة وقلنا انه هناك اختراقات وجود عشر كذابين او اكثر، منهم كذاب قطعا كوهب بن وهب ابو البختري، اجماعا هو كذاب وروى عنه ابن ابي عمير!. قلنا انه إذا كان هناك مبرر للرواية عنه لا يقدح بالعام عند الناس وذكرنا مثلا، كما إذا قيل لي ان الشيخ علي لا يمكن ان يدخل إلى مكان يباع فيه الخمر. هذا عام. فإذا وجدته يوما ما قد دخل في مكان واحد يباع فيه الخمر. نقول ان الكلام عن الشيخ غير صحيح لقد دخل إلى مكان يباع فيه الخمر. لو اتى شخص وقال ان الشيخ على انما دخل لانقاذ طفل او انه دخل للكلام مع صاحب المحل لنهيه من باب التبليغ. قلنا في هذ المسألة ان العمومات تقيّد وتخصص، وقابلة للتخصيص، فإذا خصص اختراق بعض الافراد فيها مع احتمال مبرر فهذا لا ينافي العموم بل يبقى إذن الكلام الذي قيل لي بان الشيخ علي هو لا يدخل محل الخمر يبقى على عمومه ولا ينتفي العموم. بهذا الرد اجبنا السيد الخوئي (ره) - ونحن اقل من ان نرد عليه -. قلنا ان ابن ابي عمير لا يروي إلا عن ثقة ثم ورد غير الثقات. اختراق العموم بفرد يحتمل ان يكون له مبرر للاختراق كاف لعدم اختراق العموم واسقاطه. نعم اختراقه بفرد واحد ولو كان من اصل الآلاف من دون احتمال مبرر كليا يكون كاف لاسقاط العموم، وما قيل من البعض بان الواحد او الاثنين لا يسقط العموم هذا ليس بجواب. وكقاعدة: العموم إذا اخترق بفرد واحد من دون احتمال مبرر كليا، انا اقول يسقط العموم، اما مع احتمال المبرر فهو لا يسقط العموم.