الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: نفقة الزوجة.

     نفقة الزوجة.

     الاحتمالات الثلاثة في مقدار النفقة.

في مقام الاستدلال على وجوب النفقة اجمالا فهذا مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه، بالاجماع والآيات والسنّة وعرف وسيرة المسلمين واجماعهم وتسالمهم دون السيرة العقلائية العامة.

والكلام في مسائل: المسألة الاولى في مسألة النفقة ومقدارها.

النفقة كم هي مقدارها، بحسب النصوص والروايات والعرف والفتاوى وبحسب ما ذهب اليه الفقهاء أو بحسب الاحتمالات؟ وجوه:

الوجه الاول: الاطعام والكسوة فقط، وقد ذهب اليه بعصهم.

الوجه الثاني: الاطعام والكسوة والطبابة والدواء وآلات التنظيف واجرة الطبيب ومصاريف الولادة والغطاء والفراش. وهي الحاجات الاساسية غير الطعام والكسوة.

الوجه الثالث: النفقات العرفية كزيارة مراقد الائمة (ع) أو الحج أو بعض الاسفار المتعارفة والضرورية.

إذن، مقدار النفقة صار محل احتمالات، أما في معنى النفقة فلا أعتقد وجود نقل من المعنى اللغوي إلى معنى شرعي خاص بالشارع، نعم الشارع تدخل في مقدار النفقة، وهذا لا يعني تدخلا في المفهوم وإن وجب الأخذ به.

دليل الوجه الاول: الوجه الاول ما هو دليله؟ دليله الروايات التي وردت في تقدير النفقة، فقد وردت في الاطعام والكسوة، " ما يقيم ظهرها ويسد جوعتها " او " ما يشبع بطنها " و " يكسو عورتها "، أي الطعام واللباس.

إذا اخذنا الروايات هذا هو القدر المتيقن، الكلام في ما يزيد عن ذلك يحتاج إلى دليل، والدليل الذي استدلوا به على الزيادة قوله تعالى: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [1] أو ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [2] ، العشرة بمعروف تقتضي الانفاق اكثر من هذا. والمعروف هو ما تعارف عند الناس مما هو ممدوح ومرضي عنه، وإذا قلنا بما تعارف عند العقلاء لا يكون له علاقة، قلنا امس ان العقلاء لا يقولون بوجوب النفقة على الزوجة.

وإذا قلنا ان " المعروف " هو المعروف الشرعي بعد تقييده وبيانه من قبل الشارع، فإن ما في الروايات والنصوص ومنها الصحيح هو ما يكسو جسدها ويقيم ظهرها. فإذن " امساك بمعروف " او " عاشرهن بالمعروف " مع وجود الروايات التي تقول ان هذا هو العرف وهذا مقداره، لا نستطيع ان نتعدى عن القدر المتيقن، والزائد يحتاج إلى دليل. ولذلك القول الاول إذا ذهبنا إلى القواعد كقواعد لا بد من الذهاب اليه.

وعلى هذا المعنى تحمل كلمة " رزقهن " في الآية الكريمة.

ثم إنه هذا الوجه فان الاطعام كلي مشكك، أقله الاطعام بما يقيت وابقاؤها على قيد الحياة، كذلك الكسوة فإنها كلي مشكك وأقلها مجرد ستر الواجب من البدن من أقل نوع من اللباس، ثم ترتفع الكسوة والاطعام في درجات الافضلية، فما هو الواجب؟

نقول حينئذ لو لم يكن اللفظ في الروايات: " يشبع بطنها ويقيم ظهرها " وغير ذلك من التعابير كناية عما هو أوسع، فالقاعدة تقتضي الاقتصار على القدر المتيقن ويكون الزائد من باب الأفضل كما هو الشأن في كل مقيّد ومطلق إيجابيين.

الوجه الثاني: الذي هو الاطعام والكسوة والطبابة والفراش والغطاء إلى اخره. دليل هذا الوجه هو ان المراد ما تعارف عند الناس وليس ما من شأنها أو حاجتها الطبيعية.

الروايات تقول: " يقيم ظهرها " وهو اطعامها وهناك روايات تقول: " من الذي اجبر على نفقته " هنا بعضهم استدل بإطلاق النفقة لعدم تقييدها بشيء. لكن يرد عليه اننا لو اخذنا مطلق النفقة فأنها تشمل حتى السفر الواجب كالحج وغير المستحب كالسياحة. بأطلاق " نفقة " يجبر حينئذ على هذه الحاجات؟!

وبعضهم قال ان النقفة المجبر عليها مطلقة لم تقييد بشيء. هنا تكون مقيّدة بالعرف، وهل النفقة هنا منصرفة إلى النفقة العرفية؟ أي أم المراد هو وموضوع الحكم هو النفقة العرفية؟ أم المراد هو التقدير الشرعي؟ أي ان لدينا تقديران: عرفي وشرعي، فما هو متعلق الحكم بالواجب؟

قد يقال: قوله تعالى: " فمسكوهن بمعروف " او " عاشرهن بمعروف " ظاهرة في العرف العام، فتكون النفقة هي على الحاجات العرفية.

فانه يقال: ولكن بعد تدخل الشارع صار المقدار الشرعي هو المحكّم.

غدا الدراسي نكمل ان شاء الله تعالى.


[1] سورة الطلاق، آية، 2.
[2] سورة النساء، آية، 19.