الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

38/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: احكام الاولاد:

     نفقة الوالدين.

نكمل الكلام في نفقة الوالدين. هل تجب نفقة الوالدين او لا؟

قلنا يجب الانفاق عليهما بلا شك ولا ريب، مسألة وجدانية، وتسالم واجماع إلى غير ذلك، نعم هل يجب الانفاق ولو كانا كافرين أو فاسقين؟ هل يشترط في الأب والام المنفق عليهما الاسلام أو الايمان أو العدالة؟

قلنا سابقا: لا يشترط ذلك بأدلّة:

الدليل الاول: اطلاق ادلة وجوب النفقة على الوالدين. والانصراف دعواه على مدعيه.

الدليل الثاني: اطلاق المصاحبة بالمعروف، قلنا قد يقال بالانصراف لخصوص الفقيرين اما في الابوين الغنيين فلا يبعد عدم شمول الصحبة بالمعروف لذلك. نعم الهدية والهبة والعطاء لكل إنسان هي معروف.

الدليل الثالث: وجوب برّ الوالدين، واطلاقات ادلة البرّ، واذكر منها هذه الروايات لما فيها من حُكم وحِكم وعبرة.

في الكافي: ح 11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن معاوية ابن وهب، عن زكريا بن إبراهيم قال: كنت نصرانيا فأسلمت وحججت فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: إني كنت على النصرانية وإني أسلمت، فقال: وأي شيء رأيت في الاسلام؟ قلت: قول الله عز وجل: " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء " فقال: لقد هداك الله، ثم قال: اللهم اهده - ثلاثا - سل عما شئت يا بني فقلت: إن أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي، وأمي مكفوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم؟ فقال يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا ولا يمسونه، فقال: لا بأس فانظر أمك فبرها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الذي تقوم بشأنها ولا تخبرن أحدا أنك أتيتني حتى تأتيني بمنى إن شاء الله قال: فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلم صبيان، هذا يسأله وهذا يسأله، فلما قدمت الكوفة ألطفت لأمي وكنت أطعمها وأفلي ثوبها ورأسها [1] وأخدمها فقالت لي: يا بني ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية؟ فقلت: رجل من ولد نبينا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرجل هو نبي؟ فقلت: لا ولكنه ابن نبي، فقالت: يا بني إن هذا نبي إن هذه وصايا الأنبياء، فقلت: يا أمَّه [2] ، إنه ليس يكون بعد نبينا نبي ولكنه ابنه، فقالت: يا بني دينك خير دين، اعرضه علي فعرضته عليها، دخلت في الاسلام وعلمتها، فصلت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثم عرض لها عارض في الليل، فقالت: يا بني أعد علي ما علمتني فأعدته عليها، فأقرت به وماتت، فلما أصبحت كان المسلمون الذين غسلوها وكنت أنا الذي صليت عليها ونزلت في قبرها. [3]

من حيث السند: كل من فيه ثبتت وثاقته إلا زكريا بن ابراهيم فهو من المجاهيل من اصحاب الصادق (ع)، حيث لم يذكر بمد ولا قدح، ولذا فمن يقول بأن جميع اصحاب الصادق (ع) ثقات ذهب إلى توثيقه لكننا لا نقول بذلك، والمسألة موكولة إلى محلها في علم الرجال.

وفي الرواية فوائد فقهية وتربوية وتبليغية، سنبين غدا ان شاء الله الفوائد الفقهية والتبليغية والتي ينبغي ان نفهمها جيدا ونطبقها على انفسنا.

 


[1] هذه الظاهرة كانت في اوروبا وغي العالم الاسلامي كثير جدا، قبل الحالة الحديثة، الغسل عندهم ليس بواجب، قلة النظافة تنتج " قمل " اما المسلمون فقد اوجب الله عليهم الغسل والتطهير والوضوء. في العالم غير المسلم سواء كان في افريقيا في امريكا كانوا غالبا لا يغتسلون، كان بعضهم يقول انه من الرهبانية رائحة نتن الجسم، وهذا بابتعاده عن الدنيا، وكان "القمل والسيبان " تعد من الجواهر الإلهية. ويقال من بعض المؤرخين الاسبان انه عندما فتحت اسبانيا، وكانت غرناطة المسلمة في حالة رقي وعلم وحضارة، لكن بعض المسلمين مات من رائحة الجنود الاسبان. الملكة ايزابلا من ملوك اسبانيا نذرت ان لن تغتسل حتى تفتح غرناطة، فبقية اربعة عشر سنة بدون حمام. لويس الرابع عشر ملك فرنسا كان لا يستحم، لذلك ابدع الفرنسيين في مسألة العطورات تعويضا، يذكر ان قصر فرساي لا يوجد فيه حمامات. يقولون ان احد ملوك بريطانيا اجبر كل جندي ان يستحم ولو مرّة واحدة في السنة.
[2] لغة من لغات الام، عشر لغات من جملتا " يا امَّه ".
[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص160، ح11.