الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الفقه
37/12/20
بسم الله الرحمن الرحيم
لالمضوع: احكام الاولاد
• الدلالة الفقهية لحديث " كان رسول الله (ص) يغيّر الاسماء القبيحة ".
• استفادة شمول الاستحباب لغير الاسماء من الرجال والبلدان ببركة مفهوم الاولوية، او وحدة المناط او إسقاط خصوصية الاسماء.
• دروس في شخصية الرسول الأكرم (ص) المستفادة من استعمال المضارع " يغيّر " بدل الماضي " غيّر ".
• دروس في النموذج والحلم البشري.
• دروس تربوية.
ذكرنا استحباب ان يختار الوالد لولده اسما حسنا، وذكرنا امس الرواية وقلنا انها معتبرة عندنا.
كان من عادة الناس أن يسموا أبناءهم بأسماء قبيحة أحيانا، وهذه العادة مستمرّة إلى يومن هذا فنجد من يسمي ابنه " زبالة " أو " مقرف " و " جحيش "، وقيل لي ان عائلة في بعض الاقطار أسم الأب كليب واسم الأم كليبة واسم الابن جريو. وفي متن الحديث ان رسول الله كان يغيّر الاسماء القبيحة " والتعبير بالمضارع المستمر " ولم يعبّر بالماضي، إذ لم تقل الرواية " كان غيّر أو غيّر " مما يدل على أن الرسول الاكرم كان من ديدنه ومنهجه تغيير الاسماء لان المضارع يدل على التجدد والتغيير والحدوث، بخلاف الفعل الماضي او اسم الفاعل فانه يدل على الثبوت، ولذا وصف القرآن الكريم أخوة يوسف حيث قال: عز من قائل: " وجاؤوا أباهم عشاء يبكون " ولم يقل: " باكين ".
هذه الرواية إذا اقتصرنا بها على مدلولها المطابقي " رسول الله كان يغيّر الاسماء " الاسماء القبيحة.
نريد ان نستنبط من هذا الحديث أمورا مهمة في الفقه والتربية والمسلك وشخصية الرسول (ص). اما الدلالة الفقهية فدلالتها دلالتها المطابقية انها غيرت من الاسماء القبيحة للرجال والنساء والبلدان من النبي (ص)، ذكر بعض الإخوه في بحثه استنكار النبي (ص) على اسم عبد الله بن فرط، وغير (ص) اسما بعض النساء كـ "برة وعاصية، وشهاب، وكان هناك رجلا يسمى جعيلا وسماه عمرا. وفي البلدان: لما قدم النبي (ص) المدينة واسمها " يثرب " لا تعرف بغير هذا الاسم غيره " بطيبة "، إلى آخره. [1]
قد يقال ان لهذه الرواية دلالة مطابقيّة، هل نستطيع بهذه الرواية اولا: ان نستنبط مناطا آخر وهو: ان النبي (ص) إذا كان اللفظ يحسن غيّره واستحباب الحسن حتى بالألفاظ، فمن باب الاولى بدلالة الاولويّة التغيير في الثياب، في المنطقة، في الشارع، في المجتمع، في كل شيء. إذا كان اللفظ وهو أقل ما يكون رسول الله تدخل فيه، ونحن عندنا ان مفهوم الموافقة والاولوية تام وظاهر من قبيل: " ولا تقل لهما اف " هذا لا يعني انه يجوز الضرب، فمن باب الاولى عدم الضرب، هذا ما نعبر عنه بمفهوم الموافقة بدلالة الاولوية، هذا مفهوم عند جميع الاصوليين من العامة والخاصة حجّة.
هل نستطيع بمفهوم الموافقة ان نستنبط منها حكما عقليا عاما ولما كانت الرواية صحيحة ولها أثر عملي وشرعي، فيكون المطلوب حينئذ تغير كل أنحاء حياتنا إلى الاحسن؟
هذا من الناحية الشرعية، والظاهر اننا نستطيع استنباط هذا الامر في الالفاظ على نحو الاستحباب وليس على نحو الوجوب، نعم تكرار فعل النبي (ص) قد يدل على الاستحباب، اما نفس فعل النبي (ص) دليل لبي وليس دليلا لفظيا فلا يدل على الوجوب والقدر المتيقن منه الاباحة. لكن تكرار فعل النبي (ص) يدل على الاستحباب إن لم يكن امرا شخصيا ولا عرفا خاصا أو عاما.
فإذن هل اولا نستطيع ان نستفيد مع قرائن اخرى " كونوا زينا لنا " والزين يكون في كل الحياة؟ هذه المسألة مهمة جدا في حياتنا، قد يقال: اليس الاهتمام بالتحسين اهتمام بالدنيا؟ ونقول: لا علاقة بالزهد بالمظهر غير الحسن، قد لا يهتم الانسان بمظهرة الخارجي ويقول هذا زهد، وقد يكون العكس مرتب جدا وزاهد، وقد يكون فقيرا وهو ليس بزاهد، وهذا ليس له علاقة لا بالقوة ولا بالمال، فإظهار الفقر وعدم النظافة لا يدلان على الزهد إلى آخره.
الامر الثاني كفائدة تربوية: ان النبي (ص) رغم انشغاله بالنبوة والرسالة واعباءهما الهائلة، والحروب والمعارك والصراعات، والناس والتبليغ. قضى عشر سنوات في المدينة المنورة تقريبا كان لا يغفل فيها حتى عن هذه الدقائق. هذه هي قيمة القائد العظيم رسول الله (ص) وهذا استنبطناه من نفس الرسالة.
لا مجال للقول انني مشغول، هناك امور كثيرة، وهذا هو ما تميّز به رسول الله (ص)، يهتم بادقّ التفاصيل. لذلك بعد فتح مكة انتشر الاسلام " بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاء نصر الله والفح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا " انتشر الاسلام كثيرا. لكن لماذا انتشر الاسلام؟ المؤرخون واتباع بني اميّة نبي العباس قالوا لان الاسلام اصبح قويا عسكريا وامنيا، كما قال ابو سفيان للعباس ابن عبد المطلب(ع)" لقد اصبح ملك ابن اخيك عظيما ". ونلاحظ في بعض الكتابات التاريخية ان الناس ما جاءوا إلى رسول الله مسلمين بحق، جاء رئيس غطفان وقال للنبي (ص)
انه مستعد ان يدخل غطفان في الاسلام بشرط ان يكون هو الخليفة بعد. كان نظرهم ان المسألة مسألة ملك وليست نبوة ولا حق ولا باطل، ومعظم الذين اسلموا بعد ذلك وسموا الصحابة وعصوا عند البعض.
الحقيقة ان هؤلاء دخلوا في الاسلام لأمر اساسي وهو انهم عندما دخلوا إلى المدينة المنورة كانت صغيرة جدا وجدوا نموذجا انسانيا بشريا يحلم به بنو البشر، هذا الحلم وجود في المدينة المنورة فانشدّوا اليه كما ينشد كل انسان إلى حلمه، كان يأتي أحدهم من عند كسرى حيث يجد الطبقية الهائلة والظلم الشديد للناس وللعبيد، و من عند قيصر ايضا كذلك، يأتي من عند العرب حيث كانوا يأدون البنات ويتقاتلون ولا أمان ولا أمن، لكن عندما يأتي المدينة المنورة يجد الإخاء والمحبّة والرحمة والعلم والتقدم والتطور والرقي وإلى آخره في هذه البقعة الصغيرة جدا، فكانوا ينشدون لهذا. في بدية الصحوة الاسلامية هناك فيلم الرسالة انصحكم بحضوره ومهم جدا في التمريرات والمؤثرات، في هذا الفلم بيّنت القيم الانسانية التي كانت عند رسول الله وعند المسلمين، محلاتهم التجارية مفتحة، في وقت الصلاة يأتي شخص من اليمن فيقول: ما هذه المدينة لو اراد ان يملأ جيبه لملأه ولا احد يلتفت، الامان والامن والمحبّة والرحمة والاخوة والتضحية في سبيل بعضهم البعض، كل ذلك خلال ثماني سنوات فقط زرع فيها الرسول وزرع النموزج والحلم الذي كان مدعوما بقوة عسكرية تستطيع ان تحميه اصبح قويا فدخل الناس في دين الله افواجا، تأتي قبيله كاملة وتدخل في الاسلام.
هذه المسألة تربوية ومهمة جدا نستنبطها من هذه الرواية ان رسول الله (ص) كان يغيّر الاسماء القبيحة في الرجال والنساء والمدن.