الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: اثبات النسب.

الإقرار.

القرعة.

الإقرار: هو من وسائل الأثبات اجمالا، عقلائيا، وشرعا لورود النصوص فيه، لكن الكلام في التفاصيل وهو موكول إلى محله.

ويدل على ثبوت النسب به كل ما دلّ على حجية الإقرار:

الإجماع.

سيرة العقلاء

إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

الروايات الخاصة بثبوت النسب.

اولا تذكير بالمنهجية التي اتبعناها في كل الاستنباطات والتي ذكرناها أمس مفصلا.

ما رود من الروايات الخاصة في الإقرار في مسألة النسب: الوسائل، في الصحيح: ح 1- محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: وأيما رجل أقر بولده ثم انتفى منه فليس له ذلك ولا كرامة، يلحق به ولده إذا كان من امرأته أو وليدته. ورواه الصدوق بإسناده عن حماد. ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير مثله. وعنه عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.

من حيث السند: الرواية معتبرة.

من حيث الدلالة: نص خاص بالإقرار، واضحة دلالة.

وفي الصحيح ح2 - وعنه عن ابن أبي عير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أقر رجل بولده ثم نفاه لزمه.

نكرر ان هذه الروايات ليست في مطلق الاقرار بان " اقرار العقلاء على انفسهم جائز "، بل هو في خصوص مسالتنا في النسب.

وفي المرسلة ح3 - وبإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن رجل، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب ثم انتفى من ذلك قال: ليس له ذلك.

وفي الموثق ح 4 - وبإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام، قال: إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينف عنه أبدا. [1]

 

القرعة: لا شك بثبوتها، انما اخرنا القرعة لوجود عدّة نصوص مختلفة فيها: منها: بانها لكل أمر مجهول، ولا يوجد نص واضح صريح على انها لكل أمر مشكل، وسيأتي ما يفهم منه ذلك.

لكن القدر المتيقن من القرعة أن حجيتها عندما تنسد كل الطرق. وقد يقال يمكن ان يكون هناك موارد للقرعة بشك عام حتى ولو لم تنسد كل الطرق، وسيأتي.

في الروايات هناك ثلاثة عناوين في القرعة: الاول: انها لكل أمر مجهول، والروايات فيها صريحة.

الثاني: لكل أمر مشكل. الثالث: لكل أمر مشتبه.

هل هناك فرق بين هذه العناوين أم انها في معنى واحد؟ هل عنوان " مشكل " نفس عنوان " مجهول ".

يمكن أن يقال: أن " المشكل " هو إذا انسدت أبواب الحلول. أما " المجهول " يكون مع الانسداد وعدم الانسداد. فيكون " المجهول " أعم من " المشكل ". ويظهر الفرق مثلا: لو اختلفنا على شيء وكانت القرعة لكل أمر " مجهول " واتفقنا على ان نجري القرعة دون الرجوع إلى اثبات الحق عبر الشهود والاقرار والبيّنة. هل هذه القرعة تكون ملزمة أو لا؟

هناك توجه انه إذا كان العنوان " مشكل " لا تشملها هذه الحالة من الاتفاق بيننا، فلا تكفي القرعة ولا تكون ملزمة، عند إمكان إثبات الحق بطريق ما.

يقول الشيخ الطوسي (ره) في الخلاف ج 3ص298: " إجماع الفرقة على أن كل مجهول يستعمل فيه القرعة "[2] .

ولننظر في الروايات وماذا نستنتج منها وذلك في الوسائل باب 13:

ح 1 محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن أبي المغرا (المعزا)، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع الحر والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد وادعوا الولد أقرع بينهم، وكان الولد للذي يقرع.

من حيث السند: السند صحيح.

من حيث الدلالة، واضحة في التنازع " وادعوا "، وكون القرعة من قبل الحاكم.

ح 2 - وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن سيابة وإبراهيم بن عمر جميعا، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث ثلاثة قال: يقرع بينهم فمن أصابه القرعة أعتق، قال: والقرعة سنة. [3]

من حيث السند: هناك استفاضة، وفي السند "سيابة "، ويحتمل ان يكون في النسخة حذف " بن ". ويكون الراوي هو العلاء بن سيابة لم يوثق صريحا، ولكنا نوثقه لرواية ابن ابي عمير عنه.

ويحتمل أن يكون عبد الرحمن بن سيابة، ويحتمل عدم الحذف وذلك بأن يكون الراوي هو سيابة بن ناجية ولم تثبت وثاقته.

والسيرة العقلائية على أصالة عدم الحذف في المكتوب إذا كان الكاتب ملتفتا قاصدا وهي من قبيل أصالة السند، حيث الأصل في الراوي عدم الثقة عدم كونه كاذبا ولا ساهيا ولا غافلا ولا ناسيا.

وهذا الأصل هل هو أمارة أم أصل عملي؟ والظاهر انها أمارة عقلائية كاشفا عن واقع. وتظهر الثمرة في كل ما يترتب على الفرق بين الامارة والأصل، كعدم ثبوت اللوازم غير الشرعية بناء على عدم حجية الأصل المثبت.

والذي يهون الخطب كون الراوي مع سيابة إبراهيم بن عمر، والأقرب توثيقه.

وأما من حيث دلالة: فصريحة في صحة القرعة وهناك إقرار وتصريح بالتشريع بأن القرعة سنّة.

ح 3 - وعنه عن حماد، عن حريز، عن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال: كان علي عليه السلام يسهم بينهم.

من حيث السند صحيح.

من حيث الدلالة واضحة دلالة. وقد يقال: انه يمكن عتق ثلث كل مملوك ولا حاجة للقرعة، فيصبحوا مهايا ليصبح مع مملوكه مكاتبا، هذا إذا لم نصل لظهور من المراد بعتق ثلث العبيد أم ثلث كل عبد. يبدو أن الامام قد استظهر الاحتمال الاول، أي ثلث العبيد.

ح 5 - وعنه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السلام قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام إلى اليمن فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما ورد عليك، فقال: يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطأها جميعهم في طهر واحد، فولدت غلاما فاحتجوا فيه كلهم يدعيه فأسهمت بينهم، فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق. [4]

من حيث السند فيه كلمة " عن بعض اصحابنا " هناك فرق بين ان يقول " عن رجل " و " عن بعض اصحابنا ". في قوله " عن رجل " هناك مجهولية كاملة، أما " عن بعض اصحابنا " هناك توصيف واحترام للراوي، والذي يهمنا هو التوصيف، وهل يصبح مدحا بحيث هذا الحديث يصبح من الحسن؟.

الذي أميل إليه أن الأقرب عدم توصيفه بالحسن إذ نحتمل وجود طعون فيه لو تعيّن لدينا، لكن التوصيف " بأصحابنا " أقوى من " عن رجل "، فلو تعارضت روايتان في سند احداها " عن بعض أصحابنا " وفي الأخرى " عن رجل " نقدم " عن اصحابنا ". وهذا موكول إلى محله في علم الرجال.

أما الدلالة فالرواية واضحة في صحة القرعة شرعا وفي كونها أمارة لا أصلا " إلا ظهر سهم المحق " كاشف عن واقع.

ثم إن الرواية مطلقة من حيث شمولها للاتفاق على القرعة بعد التنازع وعدم طلب الإدلة، ومن صحتها بعد طلب الأدلة.

فتكون القرعة من هذه الرواية في حال الاتفاق عليها من دون طلب الأدلة مشرعة ملزمة ولا يمكن الرجوع عنها، وهي ليست من باب المصالحة.

غدا نكمل أن شاء الله وننهي مسألة إثبات النسب.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ص564، أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه، باب6، ح1و2و3و4، ط اسلامية.
[2] الخلاف، الشيخ الطوسي، ج3، ص298.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص187، أبواب كيفية الحكم، باب13، ح1و2، ط اسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص188، أبواب كيفية الحكم، باب13، ح3و5، ط اسلامية.