الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: اثبات النسب.

اثبات النسب بالقيافة.

ظهور الحال.

القرائن اللبيّة.

قاعدة الولد للفراش وللعاهر الحجر.

نكمل روايات القيافة: الوسائل: ح 2 - وبإسناده عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا تأخذ بقول عراف ولا قائف ولا لص، ولا أقبل شهادة فاسق إلا على نفسه. [1]

ح 4 - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا آخذ بقول عراف، ولا قائف، ولا لص ولا أقبل شهادة الفاسق إلا على نفسه.[2]

من حيث السند: معتبرة سندا.

من حيث الدلالة: واضحة على عدم قبول شهادة القائف بالنسب.

في اصول الكافي: ح 14 - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعلي بن محمد القاساني جميعا، عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي قال : سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال: والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام، فقال له الحسن: إي والله جعلت فداك لقد بغى عليه إخوته، فقال علي بن جعفر: إي والله ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم؟ قال: قال له إخوته ونحن أيضا: ما كان فينا إمام قط حائل اللون فقال لهم الرضا عليه السلام هو ابني، قالوا: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى بالقافة فبيننا وبينك القافة، قال: ابعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم. فلما جاؤوا أقعدونا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا عليه السلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه السلام فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب ولكن هذا عم أبيه، وهذا عم أبيه، وهذا عمه، وهذه عمته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه وقدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا: هذا أبوه.

قال علي بن جعفر: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام ثم قلت له: أشهد أنك إمامي عند الله، فبكى الرضا عليه السلام، ثم قال: يا عم! ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بابي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم، المنتجبة الرحم، ويلهم لعن الله الأعيبس وذريته، صاحب الفتنة، ويقتلهم سنين وشهورا وأياما يسومهم خسفا ويسقيهم كأسا مصبرة، وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك، أي واد سلك؟! أفيكون هذا يا عم إلا مني، فقلت: صدقت جعلت فداك. [3]

من حيث السند: الرواية مستفيضة، وعلي بن محمد القاساني الاصفهاني مجهول، ضعفه الشيخ صريحا. وزكريا بن يحيى مجهول. فالرواية سندا ضعيفة.

من حيث الدلالة القيافة ليست دليلا بل مجرد ظن.

النتيجة: القيافة ليست دليلا، وقلنا ان كل وسيلة اثبات اولا نرى ونلتمس لها دليلا بنفسها أو قاعدة عامة، فإن تمّت فالحمد لله، وإلا نرجع للأصل العملي الذي هو اصالة عدم كونها وسيلة اثبات بأصالة عدم الحجية أو استصحاب عدم الحجيّة.

ومن وسائل الاثبات في غير مقام التداعي ظهور الحال:

يثبت النسب بالاستفاضة المفيدة للعلم عادة، ويكفي فيها الإشتهار بالبلد، وهذه سيرة عقلائية سار عليها الناس، ولذا لو ادعى رجل ولدا يتربى في كنف آخر، ويُعرف بين الناس بأنه أبوه، فإن على المدّعي البيّنة لكونه يدّعي خلاف ظاهر الحال.

والعمل بظاهر الحال سيرة عقلائية معمول بها في كل زمان ومكان، ولم يرد ردع من المعصوم عنها.

وكمثال على ذلك إدعاء السيادة - الانتساب إلى بني هاشم – يكفي في اثبات النسب استفاضة واشتهار ذلك بين الناس في المنطقة، وليس من الضروري ان يكون هناك شهود عدول على ذلك.

 

ومن وسائل الاثبات القرائن اللّبية:

وهي قرائن تحفّ بالدعوى، ويوجد ذلك كثيرا في القضاء المدني. فإن أدت إلى اطمئنان أخذ بها. وذلك كردّ الفعل التلقائي البدوي الذي جعله أمير المؤمنين (ع) دليلا في عدّة موارد، نذكر منها بعض ما ورد في قضاء علي امير المؤمنين (ع) في الوسائل كتاب القضاء:

ح 11 - محمد بن محمد المفيد في ( الارشاد ) قال: روت العامة والخاصة أن امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادعته كل واحدة منهما ولدا لها بغير بينة ولم ينازعهما فيه غيرهما، فالتبس الحكم في ذلك على عمر، ففزع فيه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوفهما، فأقامتا على التنازع فقال علي عليه السلام: ايتوني بمنشار، فقالت المرأتان: فما تصنع به؟ فقال: أقده نصفين لكل واحد منكما نصفه، فسكتت إحداهما وقالت الأخرى: الله الله يا أبا الحسن إن كان لا بد من ذلك فقد سمحت به لها، فقال: الله أكبر هذا ابنك دونها، ولو كان ابنها لرقت عليه وأشفقت، واعترفت الأخرى أن الحق لصاحبتها وأن الولد لها دونها. [4]

الرواية سندا غير معتبرة لكن تنفعنا أن الشيخ المفيد يشهد بشهرتها.

من حيث الدلالة كان الاستناد إلى الرد الفعل التلقائي النفسي من الأم كأم وان لها عاطفة خاصة " ليست الأم الثكلى كالمستأجرة ".

ومنها: ح 9 - وبإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: توفى رجل على عهد أمير المؤمنين عليه السلام وخلف ابنا وعبدا، فادعى كل واحد منهما أنه الابن وأن الاخر عبد له، فأتيا أمير المؤمنين عليه السلام فتحاكما إليه فأمر عليه السلام أن يثقب في حائط المسجد ثقبين، ثم أمر كل واحد منهما أن يدخل رأسه في ثقب ففعلا، ثم قال: يا قنبر جرد السيف - وأشار إليه: لا تفعل ما آمرك به – ثم قال: اضرب عنق العبد، فنحى العبد رأسه فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وقال للآخر: أنت الابن وقد أعتقت هذا وجعلته مولى لك. [5]

من حيث السند: السند معتبر، واسناد الصدوق (ره) إلى قضاء امير المؤمنين: قال: فقد رويته عن ابي ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله، عن ابراهيم بن هاشم، عن عبد الرحمن بن ابي نجران عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس عن ابي جعفر (ع).

ومن حيث الدلالة: ليس هناك اقرار من المتخاصمين، بل هناك اعتبار لهذا الفعل التلقائي.

ايضا في: ح4 - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن عثمان، عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام أن رجلا أقبل على عهد علي عليه السلام من الجبل حاجا ومعه غلام له، فأذنب، فضربه مولاه، فقال: ما أنت مولاي بل أنا مولاك، فما زال ذا يتوعد ذا، وذا يتوعد ذا ويقول: كما أنت حتى نأتي الكوفة يا عدو الله فأذهب بك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فلما أتيا الكوفة، أتيا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال الذي ضرب الغلام: أصلحك الله هذا غلام لي وأنه أذنب، فضربته، فوثب على، وقال الآخر هو والله غلام لي أبي أرسلني معه ليعلمني وأنه وثب على يدعيني ليذهب بمالي قال: فأخذ هذا يحلف وهذا يحلف، وهذا يكذب هذا، وهذا يكذب هذا، فقال: انطلقا فتصادقا في ليلتكما هذه ولا تجيئاني إلا بحق، قال: فلما أصبح أمير المؤمنين عليه السلام قال لقنبر: أثقب في الحائط ثقبين، وكان إذا أصبح عقب حتى تصير الشمس على رمح يسبح، فجاء الرجلان واجتمع الناس وقالوا: قد ورد عليه قضية ما ورد عليه مثلها لا يخرج منها، فقال لهما: ما تقولان؟ فحلف هذا أن هذا عبده، وحلف هذا أن هذا عبده، فقال لهما: قوما فإني لست أراكما تصدقان ثم قال لأحدهما: ادخل رأسك في هذا الثقب، ثم قال للآخر: ادخل رأسك في هذا الثقب، ثم قال: يا قنبر على بسيف رسول الله صلى الله عليه وآله عجل اضرب رقبة العبد منهما، قال: فأخرج الغلام رأسه مبادرا، فقال علي عليه السلام للغلام: ألست تزعم أنك لست بعبد، ومكث الاخر في الثقب قال: بلى إنه ضربني وتعدى على، قال: فتوثق له أمير المؤمنين عليه السلام ودفعه إليه. ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم نحوه . [6]

من حيث السند: الرواية ساقطة سندا.

هذه الروايات سميناها بالقرائن اللبية إذا تمّت بذاتها ولو كانت عن رد فعل تلقائي فتورث اطمئنان، وهذه مسألة نفسية وموجودة كثيرا في علم النفس كما ذكرنا.

قاعدة الولد للفراش وللعاهر الحجر:

والقاعدة قاعدة عامة في مقام الاثبات على النسب، بل ايضا في مقام التداعي. الوسائل ح 1 - محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أيما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها فإنه لا يورث منه شيء، فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يورَّث ولد الزنا إلا رجل يدعي ابن وليدته الحديث. ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير مثله. وعنه عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. [7]

وكذلك الحديث الرابع، هذه القاعدة مشهورة بين المسلمين وطالبوا فيه معاوية بن ابي سفيان عندما ادعى ان زياد ابن ابيه أخ له ولد لابي سفيان.

غدا ان شاء نكمل سيكون هناك استدراك للدلائل اللبية واستكشاف الواقع البيولوجي للإنسان.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص269، أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره، باب14، ح2، ط اسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص278، كتاب الشهادات، باب32، ح4، ط اسلامية.
[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص322، باب – الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني عليه السلام، ح14.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص212، أبواب كيفية الحكم، باب21، ح11، ط اسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص211، أبواب كيفية الحكم، باب21، ح9، ط اسلامية.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص209، أبواب كيفية الحكم، باب21، ح4، ط اسلامية.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ص566، أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه، باب8، ح1، ط اسلامية.