الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: شرط البينة.

هل يشترط عدم وجود مسلمين لقبول شهادة الكافر؟

هل تسمع شهادة الكافر ولو كان فاسقا ولم يعرف عنه الاستقامة؟

هل يشترط كون الموصي في أرض غربة؟ وعليه يختص الحكم بالمسافر؟

النقطة الرابعة: هل يشترط عدم وجود مسلمين لقبول شهادة الكافر؟

ظاهر الآية القرآنية: ﴿ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ﴾[1] التخيير، وإن كانت: " أو " تستعمل للبدلية [2] إذا كان هناك قرائن. ولكن الروايات واضحة في قبول شهادة الكافرين عند عدم وجود مسلمين عادلين، أي في الترتيب.

النقطة الخامسة: هل تسمع شهادة الكافر ولو كان فاسقا ولم يعرف عنه الاستقامة؟

ربما يقال بقبول الشهادة بإطلاق الآية وإطلاق الأدلة كما ورد في بعض الروايات " هما كافران "، كما في رواية زيد الشحام وان كانت الروايتان عن زيد الشحام ساقطتين سندا عن تفسير العياشي الذي قطعت اسناده.

إلا أن الانسباق عن الكذاب خصوصا، فإن الآية ظاهرة في رفع اشتراط العقيدة فحسب، أما بقية الشرائط فحالها كحال اشتراط العقل والرشد والمرضي وان يكون فيه خير إلى آخره. بل تدل عليه بعض الروايات كمعتبرة حمزة بن حمران المتقدّمة " اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب؟ فقال: إذا مات الرجل المسلم بارض غربة، فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين، فليُشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما ".

ولا شك أن المراد من المرضيين من يملك قيما خلقية انسانية عامة صالحة، كالصدق.

النقطة السادسة: هل يشترط كون الموصي في أرض غربة؟ وعليه يختص الحكم بالمسافر أو ما بحكمه؟

قد يقال: يختص الحكم بالمسافر لنصّ الآية الشريفة على ذلك لقوله تعالى: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾.[3]

كذلك الروايات كصحيحة أحمد بن عمر المتقدّمة في الوسائل: ح 2: " وبإسناده عن الحسن بن علي الوشا، عن أحمد بن عمر قال: سألته عن قول الله عز وجل: " ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " قال: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يشهدهما فرجلان من أهل الكتاب. [4] الرواية مقيّدة " بأرض الغربة ".

وصحيحة هشام بن الحكم في نفس المصدر ح 3: " إذا كان الرجل في أرض غربة ولا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم في الوصية "[5] . أيضا الرواية الثانية مقيّدة " بأرض الغربة ".

لكن توجد رواية مطلقة وهي صحيحة ضريس الكناسي: ح 1 محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن ضريس الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة أهل الملل هل تجوز على رجل مسلم من غير أهل ملتهم؟ فقال: لا، إلا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية لأنه لا يصلح ذهاب حق إمرء مسلم ولا تبطل وصيته. ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد مثله. [6]

من حيث السند: الرواية صحيحة ومشهورة.

ومن ناحية الدلالة الرواية مطلقة غير مقيّدة " بأرض الغربة ".

إذن هناك روايتان صحيحتان مقيدتان " بأرض الغربة "، وهناك رواية مطلقة، ماذا نصنع؟

السيد الخوئي (ره) يقول في المعتمد ص 286: " نعم صحيح ضريس الكناسي مطلق، ولم يذكر فيه السفر والغربة، فلا ريب في تقييده بالصحيحين المتقدمين الموافقين للكتاب. ولكن مع ذلك ذهب جماعة من الفقهاء إلى التعميم – هو المحقق الحلّي في شرائع الاسلام ج 4 – ولم يعرف لذلك وجه صحيح ". انتهى.

ويشكل عليه: إن المطلق والمقيّد هنا إيجابيان، ومعه فلا تقييد في البين، ويبقى المطلق على إطلاقه، ويحمل المقيّد على الأغلب والافضل.

إلا أن يقال: إن الصحيحين في مقام تحديد موضوع قبول شهادة الكافر، فينقلب إلى مفهوم مقيّد سلبي ومطلق ايجابي.

ولكن الأنصاف عدم الظهور في التحديد.

ثم يقول السيد الخوئي (ره) ص 286: " وقد يقال في وجهه – أي وجه التعميم – إن التقييد ورد في مورد الغالب فهو حينئذ غير صالح لرفع اليد عن الاطلاق، لان التعليل بعدم ذهاب حق أحد حق لا يختص بحال السفر والغربة، فمقتضى اطلاق التعليل حتى لا يذهب حقه في الوصية.

وفيه: انه لا يمكن الاخذ بعموم التعليل ولا بد من حمله على الحكمة، وذلك لانه لو قلنا بعموم التعليل فلازمه نفوذ شهادة الكافر حتى في غير الوصية، ولا قائل به وهذا باطل جزما فالصحيح اختصاص الحكم بالغربة، ومن الغريب عن المحقق في الشرايع التعميم، وذكر (قده) ان ما دل على الاشتراط بالغربة رواية مطروحة. وقد عرفت ان ما دلّ هو روايتان صحيحتان مشعورتان موافقتان للكتاب فكيف يمكن طرحهما؟! ". انتهى

هناك نقاط: أولا: " لا يصلح ذهاب حق احد " هذه المسألة وجدانية لرفع الظلم، وهذا عام غير قابل للتخصيص، والشارع لا يرضى بذلك. العمومات على نوعين: عمومات قابلة للتخصيص، وعمومات غير قابلة للتخصيص.

ويشكل عليه: إن هذا الوجه - التعميم - قويّ جدا، فإن أرض الغربة هي أرض المسافر عن وطنه، فلو فرضنا أن رجلا أسلم وهو في أمريكا بين المسلمين، فهو في بلده وليس في غربة، ولكنه فرد قليل، فيمكن حمل موضوع الحكم " أرض غربة على الأعم الأغلب "، مؤيدا بعموم التعليل، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد في وصيته".

ثم يشكل السيد الخوئي (ره) على هذا الكلام ص286. " وفيه: أنه لا يمكن الاخذ بعموم التعليل

، ولا بد من حمله على الحكمة ... فكيف يمكن طرحهما ".

ويرد على كلام السيد (ره): " إن هذا لو تمّ – في عموم التعليل، وهو يؤدي إلى قبول شهادة الكافر في كل نواحي الحياة - فإنما يكون تعارضا بين عموم التعليل والنص على اشتراط الغربة. وتقدّم الصحيحين لأنهما أخص، من باب تقديم الخاص على العام ولا تصل النوبة إلى التعارض.

والنتيجة: إن كون الموصي في أرض الغربة ليس شرطا لقبول شهادة الكافرين، وذلك ان هذه الرواية واردة في مورد الاعم الاغلب. وهذا صحيح وكثير جدا في النصوص. ومؤيد بانه لا يصح ذهاب حق احد.

غدا ان شاء الله نكمل النقاط الأخرى.


[1] سورة المائدة، آية 106.
[2] البدل قد يكون بدل اضراب أو بدل للترقي أو للترتيب.
[3] سورة المائدة، آية 106.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص287، كتاب الشهادات، باب40، ح2، ط اسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص287، كتاب الشهادات، باب40، ح3، ط اسلامية.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص390، كتاب الوصايا، باب20، ح1، ط اسلامية.