الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: شرط البينة.

يستثنى من الكافر شهادة الذمّي في الوصية.

هل يشترط كون الشاهد كتابيا أو يكفي مطلق الكفار؟

روايات كفاية مطلق الكافر.

ذكرنا انه هناك روايات في استثناء الكتابي بخصوصه، وفي المقابل هناك روايات في الكافر مطلقا.

قلنا انه في منهجية الاستنباط اولا نبحث عن المسألة بذاتها هل توجد نصوص خاصة أو لا؟ فان تم فالحمد لله وإلا نبحث عن أصل لفظي من إطلاق أو عموم، فإن تم وإلا نصل إلى الاصل العملي وهو اصالة عدم حجية شهادة احد على احد.

في مسألتنا بالنسبة إلى روايات الكافر وروايات الكتابي هناك منهجية وهي انه توجد روايات بشهادة الكتابي وروايات بشهادة مطلق الكافر. درسنا في الاصول أن عند وجود مطلق ومقيّد مثلا: كل الرمان، ثم جاء كل الرمان الحامض. تارة يكونان ايجابيين وتارة يكونا سلبيين، وتارة يكونان سلبيا وايجابيا. مع السلب والايجاب مثلا: كل الرمان ثم قال لا تأكل الرمان الحامض. هنا يحمل المطلق على المقيّد. اما إذا كانا ايجابيين لا يحمل المطلق على المقيّد إلا بقرينة، ويحمل غالبا على أغلب وأقرب الافراد أو أكماها.

في مسالتنا هناك روايات تشترط الكتابي وهناك روايات بمطلق الكافر، قاعدة ولا يحمل المطلق على المقيّد لان اختلاف الروايات بين ايجابيين ولعدم وجود روايات ان غير الكتابي لا تقبل شهادته. فلا بد هنا من الحمل إما على أغلب الافراد أو بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيّد بالكتابي.

إلا أننا إذا رجهنا للروايات المشترطة لكون الشاهد كتابيا نجد قضية سلبية هي المفهوم بقرينة كون المسألة في مقام التحديد.

اما روايات كفاية مطلق الكافر لحجية شهادته:

منها: ح 9 العياشي في تفسيره عن أبي أسامة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله: " شهادة بينكم " إلى قوله " أو آخران من غيركم " قال: هما كافران، قلت فقول الله: " ذوا عدل منكم " قال: مسلمان. [1]

من حيث السند: الرواية غير معتبرة لعدم ذكر سند العياشي إلى زيد الشحام، ومجرد رواية العياشي ليس حجة علينا.

من حيث الدلالة: واضحة في الإطلاق.

ومنها: ح 10 وعن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وسألته عن قول الله: " أو آخران من

غيركم " قال: هما كافران. أقول: ويأتي ما يدل على ذلك هنا وفي الشهادات. [2]

من حيث الدلالة والسند كما في الرواية السابقة.

ومنها: ح 4 محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسماعيل (البندقي)، عن الفضل بن شاذان، [3] عن علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم " الحكم خ " عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: " أو آخران من غيركم " قال: إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية. ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم مثله إلا أنه قال: إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم. [4]

من حيث السند: الرواية صحيحة من الكليني، وموثقة عند الشيخ.

من ناحية الدلالة: " من ليس بمسلم " بإطلاقها تشمل كل أقسام الكافر.

ومنها في الصحيح: ح 2 محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " قلت: ما آخران من غيركم؟ قال: هما كافران قلت: ذوا عدل منكم. قال: مسلمان. ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد، ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن الفضيل مثله.

من حيث السند: الرواية صحيحة سندا وصريحة دلالة على كفاية مطلق الكفار.

وفي الصحيح: ح 3 محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته هل تجوز شهادة أهل ملة من غير أهل ملتهم؟ قال: نعم إذا لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم إنه لا يصلح ذهاب حق أحد. ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم مثله. [5]

من حيث السند: هناك استفاضة بالمعنى الذي ذكرناه لأننا نكتفي بالطريقين وهذه مصطلحات ولا مشاحة في الاصطلاح وتبيان الكتب الاساسية التي روت السند تعطي شهرة للرواية.

إلى هنا عندنا روايات في الكتابي خصوصا وروايات في مطلق الكافر، أي ان هناك مطلق ومقيّد وكلاهما ايجابي. روايات اشتراط أهل الكتاب إذا تمّت حجيتها لاننا وثقنا حمزة بن حمران بخلاف السيد الخوئي (ره) الذي ضعف السند، ولا يحمل المطلق على المقيّد لأنهما ايجابيان، نقول: انه في روايات اشتراط الكتابي قرينة على المفهوم وهو كون الامام (ع) في مقام بيان معنى كلمة " آخران من غيركم " أي ان هناك تحديد، والتحديد من أهم القرائن على المفهوم، والمفهوم حينئذ عدم حجية شهادة الكافر غير الكتابي. أي اصبح لدينا قضية سلبية وقضية إيجابية فيحمل المطلق على المقيّد فيقيّد الكافر بخصوص الكتابي. فيشرط كون الشاهد كتابيا.

ولكن يمكن حمل روايات اشتراط الكتابي على واقع بلاد المسلمين، على الأعم الاغلب، من قبيل طفل الانبوب في الأم: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ﴾ [6] باعتبار كون الولادة محصورة بالحمل في ذلك الزمن وغير متصور حمل بطريق اخرى، فلا تكون الآية دليلا على أن الحامل هي الأم. وغير هذا المثال موجود أيضا في القرآن الكريم.

وهنا حمل روايات اشتراط الكتابي على كون واقع بلاد المسلمين وقتئذ هو عدم وجود غير المسلمين وأهل الكتاب، ولا وجود لغيرهم. ولذلك ورد في الحديث. " كل مولود يولد على الفطرة إلا أن يأتي أبواه فيهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "، ولم يذكر الديانات الأخرى كالبوذية والهندوسية والسيخ وغيرها، ولم يذكر الملحدين وهو من باب ذكر الأعم الأغلب بحسب محل ابتلاء المسلمين.

وبهذا التفسير لروايات الكتابي لا تكون مقيّدة لروايات مطلق الكافر، فتبقى على إطلاقها.

النتيجة: ان هذه الروايات بتعارضها وان روايات الكتابي محمولة على الاعم الاغلب فلا تعارض روايات مطلق الكافر، فتبقي روايات شهادة الكافر على اطلاقها، وإذا لم يتم الاطلاق نأتي إلى الاصل العملي. وللتذكير: الاصل اللفظي يطرد الشرط لكن الأصل العملي يؤدي إلى وجوب الاتيان بالشرط من باب الاحتياط. فالأصل العملي هو " لا حجية لشهادة احد على احد إلا بدليل ". لكن هنا لا تصل النوبة إلى الاصل العملي.

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص393، كتاب السكنى والحبيس، باب20، ح9، ط اسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص393، كتاب السكنى والحبيس، باب20، ح10، ط اسلامية.
[3] الظاهر وجود خلل في السند بسقوط الواو.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص391، كتاب السكنى والحبيس، باب20، ح4، ط اسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص391، كتاب السكنى والحبيس، باب20، ح2 و 3، ط اسلامية.
[6] سورة لقمان، آية 14.