الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: شرط البينة.

يستثنى من الكافر شهادة الذمّي في الوصية.

نكمل الكلام في النقطة الثانية: هل يختص قبول الشهادة بالذميين أو مطلق الكتابيين؟

الرواية الثانية رواية حمزة بن حمران: ح 7 وبإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: " ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " قال: فقال: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، فقال: إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما.

وبإسناده عن ابن محبوب مثله. ورواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد، عن ابن محبوب مثله. [1]

والكلام في السند والدلالة.

وفي السند حمزة بن حمران لم يوثق صريحا بل ذهبوا إلى تضعيفه، السيد الخوئي (ره) نص على تضعيفه. لكن نقول: انه ثقة لرواية صفوان بن يحيى عنه لأننا تبنينا قاعدة :" كل من يروي عنه صفوان أو ابن أبي عمير أو البزنطي " سلمنا انهم لا يروون إلا عن ثقة إلا من خرج بدليل. إذن فالرواية معتبرة بالتوثيقات العامة.

وأما الدلالة: فالرواية واضحة في اشتراط كون الشاهدين ذميين. [2]

إلا أن يقال: إن بيان الذميين من الامام هو لما هو محل ابتلاء ومن باب الأعم الأغلب، بل لعلّه لا يوجد غيرهم. فإن أغلب البلاد التي حكم المسلمين كانت لا تزال نصارى أو مجوسا أو يهودا، فلا تكون قيدا، بل هي زيادة بيان.

النقطة الثالثة: هل يختص قبول الشهادة بالكتابي أم يشمل كل كافر؟

نعود للمنهجية: فان لم يكن هناك نص نرجع للإطلاقات: هنا ورد " أو آخران من غيركم ". فان لم يكن نأتي إلى الاصل العملي وهو: ان الاصل عدم حجية شهادة أحد على احد.

الروايات على قسمين:

قسم منها مقيّد بأهل الكتاب كما في الصحيح: ح 2 - وبإسناده عن الحسن بن علي الوشا، عن أحمد بن عمر قال : سألته عن قول الله عز وجل : " ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " قال: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يشهدهما فرجلان من أهل الكتاب. [3]

من حيث السند: الرواية مضمرة لم يعرف من هو المسؤول، وهذا خدش فيها، وإن كان الذي يهون الخطب كون الراوي الحسن الوشا عن أحمد بن عمر، والأول من الثقات الثقات، والثاني ثقة أيضا سواء كان ابن ابي شعبة أو الحلاّل. ولكن يمكن قبول الرواية. [4]

أما من حيث الدلالة: فإن ترتيب الحجية بإشهاد مسلمين، فإن لم يكونا فمن أهل الكتاب، وإلا فمن المجوس الذي يمكن ان يكونوا ليس من أهل الكتاب. وهذه الرواية تعارض روايات ان المجوس من اهل الكتاب، لكن ان كان كذلك يكون آخر من أهل الكتاب.

وهل يمكن بتنقيح المناط أن نستخرج قاعدة وهي إشهاد الأقرب إلى ديننا فالأقرب، وظاهر الرواية أن المجوس ليسوا من اهل الكتاب وهذا يعارض الرايات المتعددة أنهم كتابيّون.

ومنها في احكام الوصايا، في المعتبرة: ح 6 محمد بن يعقوب، عن محمد بن أحمد ، عن عبد الله بن الصلت ، عن يونس بن عبد الرحمن عن يحيى بن محمد، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " قال: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس، لان رسول الله صلى الله عليه وآله سن فيهم سنة أهل الكتاب في الجزية، وذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يوجد مسلمان أشهد رجلين من أهل الكتاب يحبسان بعد الصلاة " العصر. يه " فيقسمان بالله لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين قال : وذلك إذا ارتاب ولي الميت في شهادتهما، فإن عثر على أنهما شهدا بالباطل فليس له أن ينقض شهادتهما حتى يجئ شاهدان يقومان مقام الشاهدين الأولين، فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين، فإذا فعل ذلك نقضت شهادة الأولين، وجازت شهادة الآخرين يقول الله عز وجل: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم. ورواه الصدوق بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن مثله.

محمد بن الحسن (الطوسي) بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن، عن علي بن سالم، عن يحيى ابن محمد مثله. وعنه عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن موسى عليه السلام مثله. [5]

من حيت السند: الرواية معتبرة سندا ومضمونها يشتمل على ما ذكر في الرواية السابقة. وأيضا هذا الترتيب هل يمكن أن ينتزع منها.

ومنها: ح 7 وبإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: " ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " قال: فقال: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، فقال: إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسملين يشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما.

وبإسناده عن ابن محبوب مثله. ورواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد، عن ابن محبوب مثله. [6]

وقد سبق ذكرها، ووثقنا حمزة بن حمران لرواية صفوان، فالرواية صحيحة، والاستدلال نفس الاستدلال.

ومنها حديث ضعيف السند يودي إلى تأييد ما ذكرناه من مقام الاستنباط: ح 8 سعد بن عبد الله في (بصائر الدرجات) عن القاسم بن الربيع ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب (ثقة) ومحمد بن سنان (ثقة في نفسه لا في روايته)، عن مياح المدايني (صباح المدايني، مجهول)، عن المفضل بن عمر (بعضهم وثقة جدا، وبعضهم ضعفه، والارجح التوثيق)، عن أبي عبد الله عليه السلام في كتاب إليه قال: وأما ما ذكرت أنهم يستحلون الشهادات بعضهم لبعض على غيرهم فان ذلك لا يجوز ولا يحل، وليس هو على ما تأولوا إلا لقول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت " وذلك إذا كان مسافرا فحضره الموت أشهد اثنين ذوي عدل من أهل دينه فإن لم يجد فآخران ممن يقرأ القرآن من غير أهل ولايته " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين * فان عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان " من أهل ولايته " فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين * ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا ". [7]

من حيث السند: الرواية ضعيفة لا يمكن الاتكال عليها، لكن يمكن أن تكون مؤيّدة لهذا الترتيب.

إلى هنا ذكرنا روايات تدل على صحة شهادة مطلق الكتابي لا مطلق الكافر، وفي المقابل أدلة تدل على شهادة مطلق الكافر، فتشمل البوذي والهندوسي والسيخ في الهند، والملحد، والذي لا دين له، عبدة الاصنام، بشرط ان يكونوا مرضيين عند اصحابهما، فهذا يمكن الاخذ بشهادته بالوصايا أو لا؟

سنصل إلى صحة الأخذ وذلك بأصالة الاطلاق الواردة: " وآخران من غيركم ".


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص392، كتاب المضاربة، باب20، ح7، ط اسلامية.
[2] هنا مفهوم الوصف " الذميين"، وقد يقال ان مفهوم الوصف ليس بحجّة، لكن يقال: مع وجود قرينة على الحجية فالإمام في مقام بيان الاوصاف التي يجب أن يتصف بها الشاهد يثبت المفهوم. وقلنا ان التحديد والتعريف قرينة بل هي من أقوى القرائن على المفهوم. نعم لو خلي الوصف ونفسه لا مفهوم له، لكن مع قرينة التحديد مثلا: إذا قلنا عرّف الحديد. تجيب ان الحديد معدن ابيض يتمدد بالحرارة. هذه الاوصاف استعملناها لتدل على ان ما ليس ابيض ليس حديدا، يثبت المفهوم، والكون في مقام التحديد لإخراج الاغيار. وهنا في الوصية كذلك يبيّن ويحدد اوصاف الشاهدين.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص287، كتاب الشهادات، باب40، ح2، ط اسلامية.
[4] من احد الطلبة: هل يمكن ان نأسس اصلا، وهو ان الاصل ان يروي عن الإمام (ع). الجواب: ان هذا يحتاج تأصيل لان الأصحاب كانوا يروون عن بعضهم البعض: " أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه معالم ديني ". وهناك مسألة ثانية، وهو مسألة تقطيع الروايات والاخذ منها بقدر الحاجة. وهذا ما جعلنا نحن بعد الف سنة ماذا نفعل.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص392، كتاب الوصايا، باب20، ح6، ط اسلامية.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص392، كتاب الوصايا، باب20، ح7، ط اسلامية.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص393، كتاب الوصايا، باب20، ح8، ط اسلامية.