الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

قبول شهادة المخالف على المؤمن.

الكلام في كل الشهادات سواء في البينات او في الطلاق او في الحدود وغير ذلك، والكلام في شهادة المخالف على الامامي، اما في شهادة المخالف على المخالف ذكرنا ان هناك اجماعا على الصحة، ولعلّ اساسه إما قاعدة الالزام " الزموهم بما الزموا به انفسهم "، أو ان هناك دليل آخر ذكره صاحب الجواهر (ره) وهو سيرة أمير المؤمنين (ع) عندما كان حاكما وسلطانا، قاضيا كان يجلس في مسجد الكوفة ولم يكن الناس غالبا اماميّون ولم يكن هناك حد فاصل بين المخالفين في العقيدة وغيرهم ومع ذلك كان يقبل الشهادات جميعا ويقضي بها بعضهم على بعض. فالقدر المتيقن انه كان يعمل بشهادة المخالف على المخالف، واما شهادة المخالف على الامامي فغير معلوم.

أما شهادة المخالف على الامامي، فالمخالف على قسمين: جاحد، وجاهل.

أما الجاحد: فلا تجوز شهادته إجماعا، وهو المعاند المتعصب الذي ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾ [1] . لذلك اعتبره بعضهم كافرا [2] .

وأما الجاهل: الذي لا يعرف الحق، من دون عناد ولا عصبيّة، كالمستضعف، فقد نقل الاجماع على عدم جواز شهادته على الامامي كما ذكر في جواهر الكلام للشيخ النجفي.

وقد استدل له بأمور: منها: الاجماع، وفيه: انه محتمل المدركية، ومنقول.

ومنها: قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [3] ولا شك في عدم كون المخالف ممن ينطبق عليه " رجالكم " .

 

ومنها قوله تعالي: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ [4] والاستدلال بقوله تعالى " عدل " و " منكم " فإن منكر الحقيقة ليس عادلا وإن كان عن جهل، كذلك المخالف ليس منا.

ومنها: قوله تعالى: ﴿ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ﴾[5] والمخالف ليس مرضيا، ففي الحديث الضعيف من تفسير العسكري: وعن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: " ممن ترضون من الشهداء " قال: ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه فيما يشهد به وتحصيله وتمييزه فما كل صالح مميزا، ولا محصلا، ولا كل محصل مميز صالح. وقد سبق في حديث سلمة بن كهيل عن المير المؤمنين (ع) انه قال: واعلم ان المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد لم يتب منه او معروفا بشهادة الزور .... [6] . التعبير عن " ممن ترضون من الشهداء" أي ممن ترضون دينه، وهذا هو من ادلة صاحب الجواهر (ره). الجاحد ممن لا نرضى دينه، أما الجاهل المستضعف فلا يمكن ان نأخذ بشهادته لأنه لا نرضى دينه. والرواية سندا ضعيفة.

ومنها: الروايات الواردة في عدم قبول شهادة الفاسق والظالم والعاصي، ومن أشد الظلم والفسق إنكار ولاية آل بيت محمد |.

ومنها: جواز شهادة كل من كان على الفطرة، وهؤلاء ليسوا على الفطرة فلا تقبل شهادتهم، كما في الصحيح: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين قال: ليس هذا طلاقا، قلت: فكيف طلاق السنة؟ فقال: يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما قال الله عز وجل في كتابه فان خالف ذلك رد إلى كتاب الله قلت: فان طلق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين، قال: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وقد تجوز شهادتهن مع غيرهن في الدم إذا حضرنه، قلت: فان أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أيكون طلاقا؟ فقال: من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خيرا. [7]

مع قرينة أنه في مقام بيان، ومقام البيان ضابطة عامة، فالخيّر تأخذ شهادته. ففي الرواية الامام (ع) يسأل انه اشهد على الطلاق ناصبيين. الجواب كان: أنه من ولد على الفطرة اجيزت شهادته على الطلاق. هذا لا مفهوم له لانه وصف، والوصف لا مفهوم له. هذا بناء على كون " من موصولة، ولكن بقرينة كون المتكلم في مقام التحديد او بيان ضابطة يكون للوصف مفهوم، وكذلك لو كانت " من " شرطية، فالمفهوم إما أن يثبت بالشرط،أو بقرينة التحديد عند من لا يقول به كالشريف المرتضى (ره) ذلك لان الامام في مقام وضع ضابطة وهي ان يكون مولودا على الفطرة وهو خيّر، فبقرينة التحديد يتم الاستدلال، وإن كان قد يستشم منها رائحة التقيّة لان الجواب لم يكن بنعم أو لا، بل كان بطريقة كلّية عامة كمن يريد ان يتهرب من الجواب.

هذه تقريبا مجمل الادلّة التي ذكروها على اشتراط ان يكون اماميا.

وفي مقام الرد او الجواب والتعليق.

في قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ ، ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾[8] .

الآيات القرآنية حين النزول لم يكن هناك امامي وغير امامي المسلمون جميعا كانوا مسلمين، هذا التمييز للمسلم الشيعي بالمعنى الاخص لم يكن موجودا، كانت هناك اشارات مثل: " انت يا علي وشيعتك في الجنّة "، والآن بعض المنظرين السنة يعتبرون أن الرمز الاعلى أو المؤسس للمذاهب السنيّة هو الامام علي بن ابي طالب (ع)، والصوفيون الآن يرون أيضا أن علي بن ابي طالب (ع) واهل البيت (ع) هو رمز العدالة والاسلام والدين، عدى طريقتين: النُرسية والنقشبندية.

واما صحيحة البزنطي فمخدوشة الدلالة بأمرين:

الاول: قال: " من ولد على الفطرة " الثاني : معنى الفطرة. منها سيكون هناك تطبيقات واسعة.

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] النمل/السورة27، الآية14.
[2] ذكرنا ان الكفر ليس مجرد الانكار، ومنعى الكفر لغة هو الستر، ولذا سمي الكافر كافرا لأنه يستر، كما سمي المزارع في قوله تعالى: " يعجب الكفار نباته" حيث يسترون البذر بالتراب. لذلك يمكن ان لا يكون المنكر لوجود الله او النبوة كافرا، وكل كفر بحسبه كما في انكار بعض الفروع. والكفر اصطلاحا هو الجحود وليس مجرد الانكار، وقد لا يوافقني على ذلك الكثيرون. وببيان سريع نقول: ان انسانا يختلف لسانه عمّا في قلبه امام الناس، له وجهان: وجه لنفسه ووجه للناس. هذا هو النفاق واخذ من النفق الذي له بابان. اما الجاحد فأيضا له وجهان، وجه له ووجه لأعماقه، ولكن يحاول ان يقنع نفسه بانه على خطأ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً اليقين العميق موجود، لذلك ورد في بعض الروايات ان ابا سفيان التقى الرسول (ص) في أحد أزقة مكة في عام القطيعة فسلم عليه، فسأله من كان معه: أراك تسلم على هذا الرجل وتأمرنا بمقاطعته، قال ويحك أتظن أن محمدا ليس على حق ولكن الرياسة لبني هاشم وكذا وكذا والدنيا لبني هاشم حتى النبوة لبني هاشم لا كان ذلك ابدا، تحرك في نفسه التنافس العشائري القبلي الجاهلي. وايضا سورة الكافرون من اسمائها سورة الجحد. الجحود شيء وعدم القناعة شيء آخر سواء في النبوة أو الامامة أم في غيرهما، فهل يعتبر هذا كافرا؟ نعم فقهيا له احكام الكافر في الدنيا، هناك احكام تثبت له واخرى لا تثبت.
[3] سورة البقرة، آية 282.
[4] سورة الطلاق آية 2.
[5] سورة البقرة، آية 282.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص295، كتاب الشهادات، باب41، ح23، ط الاسلامية.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص282، أبواب مقدماته وشرائطه، باب10، ح4، ط الاسلامية.
[8] الطلاق/السورة65، الآية3.