الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: اقصى الحمل 
- تتمة الكلام في الدليل على السنة، والدليل على العشرة اشهر.
-وسائل اثبات النسب: وزن اللبن.  
 نكمل الكلام في دليل " السنة " روائيا كصناعة قبل ان نذهب الى واقع الأمور، بعض الاخوة الاعزاء سأل بعض الاطباء وكان الجواب ان الحمل إلى " سنة " نادر جدا بل محال، وكلّفت بعض الاخوة الاطباء ان يقوم بدراسة علمية بيولوجيّة حول المسألة لعلّنا نستفيد بما عندهم، لكن إذا تركنا انفسنا والنصوص، هناك ما هي بالتسعة اشهر والسنة، وكلاهما فيه روايات معتبرة، وإذا اردنا ان نلاحظ الواقع كلاهما غير صحيح، لان " السنة " نادر، و " التسعة اشهر  ولا تزيد ساعة " ايضا نادر، ولعلّة لهذا ذهب العلامة الحلي إلى العشرة اشهر. فمن قال بالعشرة دليله غير موجود وضعيف، لكن واقع النساء اقرب اليه.
  فلنلاحظ النصوص الواردة في " التسعة اشهر " وفي " السنة " كلاهما دليله معتبر، والتسعة ليست اكثر شهرة روائية من السنة هذا.
  قلنا ان التعارض إذا تنافى دليلان في مقام المدلول اولا نعرضهما على العرف اللغوي، فإما ان يكون هناك مطلق ومقيّد او عام وخاص، او حكومة أو ورود، او جمع عرفي. فان لم يكن احد هذه الخمسة استحكم التعارض وذهبنا إلى احكام باب التعارض, فإما ان نقول بالتساقط وإما بالتخيير وهو الاشهر كما يقول صاحب الكفية، وإما القول بالترجيح، وفي الترجيح اقوال.
 وقلنا ان الروايات لو عرضناها على بعضها البعض لصلحت روايات " السنة " على ان تكون قرينة على " التسعة اشهر " وهذا نوع من الجمع العرفي وليس من باب الحكومة والورود وغيرها، وتكون " التسعة اشهر " مما اعتادت عليه النساء مع الثلاثة اشهر احتياطا تتمم السنة، فروايات السنة تُعين على هذا التفسير، الذي هو نوع من الجمع العرفي، لذلك يرتفع التعارض.
 لكن مع استحكام التعارض ووصلنا: اما ان نختار، واما ان نُرجّح. فإذا قلنا بالتخيير فلكل ما يرى، وإذا قلنا بالترجيح فالمرجح حسب الاقوال: فهناك قول  بالمرجحات المنصوصة مع اختلاف في ترتيبها، وهناك قول بالذهاب إلى الأقربية للواقع وهذا ما نميل اليه ونؤيده. ومع القول بالترجيح الحر العاملي (ره) حمل الروايات على التقيّة، وقلنا ان التقيّة لم نجد لها مبررا هنا لأن عند ابناء العامة من زمن الأئمة (ع) اقصى الحمل من السنتين فاكثر، فالتسعة اشهر والسنة كلاهما غير وارد إلا عند القليل منهم  كالمذهب الظاهري وابن رشد، لكن كلاها متأخر عن زمن الروايات.
 اما من ناحية الشهرة الروائية، ليس من المعلوم ان التسعة اشهر اكثر من السنة. فالشهرة ليست في احدى الطرفين. فنأتي الى السند الاقوى في الروايات وجدت ان روايات السنة سندها اكثر اعتبارا من سند التسعة اشهر.
 ولذلك إذا قلنا بالتخيير نختار روايات التسعة اشهر، ولكن إذا قلنا بالترجيح قد نذهب إلى السنة مؤيدا بالأصل العملي الاستصحاب الذي هو إلى جانب " السنة "، وهو ليس اصلا مثبتا لكونه مصبا للحكم ونفسه موضوع للأحكام الشرعية وليس في اللوازم.
  هذا من جهة صناعة الروايات، واما من ناحية واقع الأمور ذكرت اننا كلفنا احد الاخوة الاطباء، فإذا حصلنا على اطمئنان  الامور العلمية فالحمد لله، وإلا لا نستطيع ان نأخذ به لحصول تبديل الرأي في الامور المجزومة التي كانوا يقطعون بها غالبا، لان منهجيتهم في اثبات الامور تختلف عن منهجيتنا.
   إذن النتيجة: ان اقل الحمل ستة اشهر، والقدر المتيقن التسعة اشهر، اما اقصى الحمل قول بالتسعة اشهر وقول  بالعشرة وقول بالسنة. القول بالسنة روائيا قوي، وإذا ثبت واقعا انه غير صحيح نرفضه وتكون كل تفسيراتنا للروايات غير سليمة، وسنحاول أن نفسرها بتفسير آخر. ولعلّ العلامة الذي نظر للاقرب للواقع قال بالعشرة اشهر في ارشاد الاذهان. فإذا كان الواقع الخارجي عشرة اشهر بشكل عام نحن ايضا سنذهب للعشرة. ونفهم الرواية حينئذ بلحاظ المرأة فالنساء قد تخطئ في عدّ ايام الحمل أو تتساهل. ويساعد عليه أن الروايات نقلت بالمعنى ومن المالي غالبا. 
  اما وسائل الاثبات قلنا اننا سنبحثها لاحقا، سنبحث مسألة القيافة ودليلها، و DNA  و وزن الّبن، وخبر الواحد، والبيّنة والشهادة مع اليمين.
 سنستعرض اليوم مسألة اللبن مع ان سندها ضعيف، والرواية تشير إلى ان حليب الذكر اثقل من حليب الانثى، ويقال ان الاطباء مشوا على هذا الدليل مدّة طويلة والامام امير المؤمنين قال هذا.      
الرواية: وجدت في ملحقات كتاب الفتن للسيد ابن طاووس ما هذا لفظه: فصل، ومن المجموع قال شريح القاضي: كنت أقضي لعمر بن الخطاب، فأتاني يوما رجل فقال: يا أبا أمية إن رجلا أودعني امرأتين إحداهما حرة مهيرة والأخرى سرية، فجعلتهما في دار وأصبحت اليوم وقد ولدتا غلاما وجارية، وكلتاهما تدعي الغلام وتنتفي من الجارية، فاقض بينهما بقضائك. فلم يحضرني شيء فيهما.
فأتيت عمر فقصصت عليه القصة، فقال: فما قضيت بينهما؟ قلت: لو كان عندي قضاؤهما ما أتيتك. فجمع عمر جميع من حضره من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وأمرني فقصصت عليهم ما جئت به وشاورهم فيه وكلهم رد الرأي إلي وإليه.
فقال عمر: لكني أعرف حيث مفزعها وأين منتزعها. قالوا: كأنك أردت ابن أبي طالب؟ قال: نعم، وأين المذهب عنه؟ قالوا: فابعث إليه يأتك، فقال: لا له شمخة من هاشم وأثرة من علم يؤتى لها ولا يأتي، وفي بيته يؤتى الحكم، فقوموا بنا إليه.
فأتينا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فوجدناه في حائط له يركل فيه على مسحاة ويقرأ: * ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) * ويبكي، فأمهلوه حتى سكن، ثم استأذنوا عليه، فخرج إليهم وعليه قميص قد نصف أردانه.
فقال: يا أمير المؤمنين ما الذي جاء بك؟ فقال: أمر عرض، وأمرني فقصصت عليه القصة فقال: فبم حكمت فيها؟ قلت: لم يحضرني فيها حكم. فأخذ بيده من الأرض شيئا ثم قال: الحكم فيها أهون من هذا [1]. ثم استحضر المرأتين وأحضر قدحا، ثم دفعه إلى إحداهما فقال: إحلبي فيه، فحلبت فيه. ثم وزن القدح ودفعه إلى الأخرى، فقال: إحلبي فيه، فحلبت فيه. ثم وزنه فقال لصاحبة اللبن الخفيف: خذي ابنتك، ولصاحبة اللبن الثقيل: خذي ابنك. ثم التفت إلى عمر فقال: أما علمت أن الله تعالى حط المرأة عن الرجل فجعل عقلها وميراثها دون عقله وميراثه، وكذلك لبنها دون لبنه؟! فقال له عمر: لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ولكن قومك أبوا.
 فقال: خفض عليك أبا حفص إن يوم الفصل كان ميقاتا. إنتهى. [2]  وهناك روايات اخرى بنفس المضمون من تغير بسيط مثلا: كان الامام (ع) كان يقول: " كل نفس بما كسبت رهينة " انه في يوم القيامة حساب.
  من ناحية السند هذه الرواية سندها ضعيف، اما من ناحية واقع الحال إذا ثبت واقعا وهذا يعود لتحقيق الاطباء والبيولوجيين.
 الرواية في مقام الدلالة بان اللبن اخف فيصبح الميراث اقل، كيف نجمع بين اللبن والميراث فلا ربط بينهما، نعم العقل اقل ممكن، لان للبن اثر في التركيب البيولوجي  والفيزيولوجي للإنسان، لكن اذا تم تحقيق هذه المسألة فتحتاج إلى شروط: ان وزن لبن البنت اقل من وزن لبن الذكر ونتيقن من ذلك كحقيقة علميّة، هذا يمكن ان يكون دليلا، وتكون هذه الرواية حينئذ دليلها معها ولا تحتاج إلى بحث في الاسناد، كما قلنا ان هناك بعض الروايات اسنادها يكون ضعيفا لكن واقع الامر يثبتها، فيكون دليلا ويجعلني اطمئن اليها، فتكون الرواية صحيحة وبالتبع قد يقال بحصول الاطمئنان بكل تفاصيل الرواية ايضا.


[1] لم يكن الامير (ع) في مقام الافتخار، بل في مقام بيان احقيته بالولاية وبيان عصيانهم لله عز وجل. .
[2] مستدرك سفينة البحار، الشيخ على النمازي، ج8، ص 544. .