الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: اقصى الحمل
  ذكرنا ان روايات الكافي ليست كلها صحيحة، هناك استدراكان:
 الاستدراك الاول في ما نقله السيد الخوئي (ره) عن الشيخ الصدوق (ره) حيث قال:  " ويزيد ذلك وضوحا: أن الشيخ الصدوق قال في باب الوصي يمنع الوارث: (ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن يعقوب، ولا رويته إلا من طريقه)". بعد التأمل نلاحظ ان هذا النص قد يؤدي إلى عكس ما استفاده السيد الخوئي، لان الشيخ الصدوق قال انه يفتي بما يراه بينه وبين الله عز وجل حجّة، فإذا كان لم يجد هذا الحديث وليس له طريق إلا في كتاب الكافي، يكون على عكس ما استشهد به السيد (ره) على عدم قناعة الشيخ الصدوق بصحة كل ما في الكافي. فإن الشيخ الصدوق (ره) أخذ بالحديث وافتى به رغم أنه لم يجده إلا في الكافي، ولم يجده في كتاب آخر عليه المعوّل.
الاستدراك الثاني: ذكرنا ان الاشكال الاساسي على عدم صدور روايات الكافي هو وجود المتعارضات، التي يمكن ان يكون من الصادر صحيح، كما في التقيّة والمتأخر. [1] اما الترجيح بموافقة الكتاب أو الاوثقية بل الافقهية والاشهرية فهذا يدل على عدم صدور أحد الخبرين، بل حتى روايات التخيير فيها اشارة إلى ذلك، وهو من قبيل روايات قاعدة " من بلغ " أي من بلغه ثوابا على عمل كان له ذلك وإن كان رسول الله (ص) لم يقله.
 ونعود إلى روايات أقصى الحمل: قلنا أن الأقوال عند الاماميّة ثلاثة، تسعة اشهر - وهو المشهور -، وعشرة أشهر، وسنة كاملة.
  الروايات التي وردت في السنة: الوسائل ح 3 - وعن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبان، عن ابن حكيم، عن أبي إبراهيم أو ابنه عليهما السلام أنه قال في المطلقة يطلقها زوجها، فتقول: أنا حبلى فتمكث سنة، فقال: إن جاءت به لأكثر من سنة لم تصدق ولو ساعة واحدة في دعواها. [2]
 والكلام في السند والدلالة:
 أما السند ففيه معلّى بن محمد، وهو من نميل إلى قبول روايته كما ذكرنا، وإن لم نعمل بكل روايات الكافي.
 ومعلّى بن محمد البصري: قال النجاشي مضطرب الحديث والمذهب، وكتبه قريبة – اي نأخذ بها  وهي مقبولة -.
 الشيخ الطوسي (ره) في فهرست: قال له كتب.
 الشيخ الصدوق (ره) نقل في من لا يحضره الفقيه من كتبه روايات كثيرة جدا. مؤيد مهمّ جدا لأن الشيخ يقول في ديباجة كتابه انه اخذ الروايات من كتب عليها المعوّل واليها المرجع، والروايات يفتي بها بينه وبين ربّه.
والكليني (ره) روى عنه أكثر من خمسماية حديث.
 وقد وقع في أسانيد كامل الزيارات.
 ثم انه روى عنه الأجلاء كسعد بن عبد الله الاشعري وعبد الله بن جعفر الحميري روايات كثيرة متلقّاة بالقبول، نعم ليست دليلا على التوثيق لكن تكون من المؤيدات، وكثرة المؤيدات تؤدي إلى الاطمئنان وعلى الأقل لا نستطيع أن نهمِّشه.
 وهذه الرواية تنفعنا في توضيح وتفسير الروايات الأخرى التي سنذكرها والتي هي أقوى سندا وأقل دلالة.
  ومن حيث الدلالة فالرواية واضحة في السنة فلا تحتاج إلى تفصيل.
 الرواية الثانية: الوسائل ح 1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول: إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر بها تسعة أشهر فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه. ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج مثله. [3]                                   
 من حيث السند فمتين جدا، فإن فيها حيلولة [4] واستفاضة، الحيلولة من محمد بن اسماعيل، فللحديث طريقان:
  محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن ابيه.
  ومحمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان.
 ثم يتحد الطريقان لقوله ( جميعا ) فيكون: إبراهيم بن هاشم والفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير.
   وأما من حيث الدلالة فظاهره في كون أقصى الحمل اثني عشر شهرا.
 نعم قد يقال: إن أقصى الحمل في الرواية تسعة أشهر، وأما الأشهر الثلاثة فهي عدّة تعبدا.
 فانه يقال: هذا خلاف الظاهر، ثم إن بعض الروايات الدالة على أن العدّة هي لاستبراء الرحم عن الولادة تقوية هذا الاستظهار.
 لتوضيح الرواية نذكر منها ما في علل الشرائع للشيخ الصدوق: باب ( 277 - العلة التي من أجلها صار عدة المطلقة ثلاثة أشهر أو ثلاث حيض وعدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام )
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله (الاشعري ثقة جليل)  عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي  (ثقة) عن محمد بن خالد (نميل إلى توثيقه) عن محمد بن سليمان الديلمي  (لم يوثق) عن أبي الهيثم قال: سألت أبا الحسن الثاني عليه السلام كيف صارت عدة المطلقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، قال: أما عدة المطلقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر فلاستبراء الرحم من الولد، وأما المتوفي عنها زوجها، فان الله تعالى شرط للنساء شرطا فلم يحلهن فيه وفيما شرط عليهن، بل شرط عليهن مثل ما شرط لهن، فأما ما شرط لهن فإنه جعل لهن في الايلاء أربعة أشهر لأنه علم أن ذلك غاية صبر النساء فقال عز وجل: ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ) فلم يجز للرجل أكثر من أربعة أشهر في الايلاء لأنه علم أن ذلك غاية صبر النساء عن الرجال، وأما ما شرط عليهن، فقال: ( عدتهن أربعة أشهر وعشرا ) يعني: إذا توفى عنها زوجها فأوجب عليها إذا أصيبت بزوجها وتوفي عنها مثل ما أوجب عليها في حياته إذا آلى منها، وعلم أن غاية صبر المرأة أربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجب عليها ولها. [5] 
 وهذه الرواية واضحة الدلالة في كون العدّة لإستبراء الولد ولو من باب الحكمة لا من باب العلّة التامة، وهذه الرواية ايضا تفيد في أقوائية ظهور الإحتمال الأول وهو أن أقصى الحمل السنة، دون الاحتمال الثاني وهو ان اقصى الحمل تسعة اشهر، والثلاثة اشهر تعبدا.    
الرواية الثالثة: هو الحديث الرابع والحديث الثاني اوضح: الوسائل: ح 2 - وعن حميد، عن ابن سماعة، عن محمد بن أبي حمزة، عن محمد ابن حكيم، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها كم عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد ثلاثة أشهر، قال: عدتها تسعة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد تسعة أشهر قال: إنما الحمل تسعة أشهر، قلت: تزوج، قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت بعد ثلاثة أشهر، قال: لا ريبة عليها تزوج إن شاءت. [6]
 غدا ان شاء الله نكمل كيف يكون الاحتياط بثلاثة اشهر ظاهرها في كون أقصى الحمل سنة. 




[1] عند تعارض الادلّة: اما نجمع بينهما بالعام والخاص، او المطلق والمقيّد، او حكومة أو ورود او جمع عرفي. فإن لم يكن هذه الاحكام الخمسة استحكم التعارض، فنصل إما للتساقط الذي لم يقل به احد، واما التخيير، واما الترجيح. وفي الترجيحات يقال خذ بأيهما  من باب التسليم وسعك. والتعبير من باب التسليم كان الامام (ع) يقول بان ميزان الحجيّة إذا كان موجودا فخذ به وان لم يكن صادرا، وقلنا بانه هناك فرق بين الحجية وبين الصدور، وانه لا معنى لان نقول إن الوثاقة تعني أن كليهما صادر لكن خذ بأوثقهما، " وما خالف قول ربنا لم نقله " يعني ان احدهما غير صادر، وهناك اشارات الى عدم صدور الكثير من المتعارضين.              
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب 25 - عدة المسترابة بالحمل . ح3، ص 442، (ط الاسلامية).
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب 25 - عدة المسترابة بالحمل . ح1، ص 442، (ط الاسلامية).
[4]  فائد: الحيلولة اصطلاح مأخوذ من ابناء العالمة، وهو ارجاع السند إلى بعض السند الاول، وهي طريقة لبيان الطرق.
 والاستفاضة تفهم من كلمة " جميعا ".  
[5] علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص507.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، باب 25 - عدة المسترابة بالحمل . ح2، ص 442، (ط الاسلامية).