الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: البحث في روايات الكافي.

الاشكال على القرائن التي ذكروها لصحة روايات الكافي.

بداية نعزي الأخوة جميعا باستشهاد الشيخ نمر النمر الذي اعتقد انه سيكون لشهادته ارتدادات، وكما قال الشاعر: " أتعلم أم أنت لا تعلم بأن جراح الضحايا فم ".

نعود للإشكال على القرائن ونقول هنا دعويان: الاولى: أن الكليني بنفسه ادعى صحة رواياته، بقوله: " عن الصادقين ".

الثانية: دعوى وجود قرائن تكون قرينة قطعية على صحة الروايات، لان هناك روايات عن كذابين مثل وهب بن وهب، فلا بد من ان تكون الروايات محتفّة بقرائن قطعية [1] أو خفيت علينا.

نعود الإشكالات على القرائن التي ذكروها على صحة الروايات.

ومنها: إن الشيخ الصدوق (ره) ذكر في آخر كتابه أنه يذكر طرقه إلى ارباب الكتب التي روى عنهم في كتابه، لتخرج الروايات بذلك عن الإرسال إلى الإسناد.

وهذا الكلام واضح في عدم كون الروايات المذكورة في كتابه قطعية الصدور، وان ذكر السند ليس للتبرك والتيمّن، بل للخروج من الإرسال إلى الإسناد، أي الخروج من الضعف إلى الحجية. ومعلوم أن الروايات الموجودة في التهذيب مأخوذة بغالبيتها من الكتب والأصول التي كانت معتمدة وشائعة ومشهورة بين الشيعة آنذاك.

فعندما يقول الشيخ الصدوق (ره) " كتبٌ عليها المعول واليها المرجع " هذه الكلمة التي من خلالها ادعي تواتر هذه الكتب عن اصحابها، هذه الدعوى غير سليمة، فلو كانت متواترة فلا داعي لأن يقول: " انما اذكر هذه الاسناد لتخرج من الارسال إلى الاسناد ".

هنا قد يقال: أن المعول عليه كان هذه الكتب، ولكن كان يشنع على علماء الشيعة بانهم لا يأخذون بالرواية من دون تدقيق بأسانيدها، فكتبوا كتبا بالرجال وذكروا الطرق دفعا لهذه التهمة.

نقول: ان هذا الكلام يمكن ان يكون موجودا لأنهم كانوا يحاولون المس بالمذهب وعلماء المذهب بأي طريقة، لكن

لا يعني ابدا انهم ذكروا هذه الاسماء والفهارس لمجرد دفع تهمة، وخصوصا ان ظاهر كلام الصدوق: " لتخرج هذه

 

الروايات من الارسال إلى الاسناد " [2]

إذن هذه الكتب لم تكن مقطوعة الانتساب لمؤلفيها ولم تكن متواترة. خصوصا وان الكتب سابقا لم تكن تطبع فلا تختلف الطبقات كما في ايامنا هذه، اما سابقا الكتب كانت تنسخ وتختلف النسخ عن بعضها، ويمكن الدس فيها لم تكن نسخ متطابقة، لذلك كان يقال ان هذه النسخة وهذا طريقي اليها.

ولذلك يمكن ان نصل إلى هذه النتيجة ان الكتاب الذي يثبت، مثلا: الطريق إلى الحسين بن سعيد صحيح، وكان كتابه متداولا ومشهورا ومأخوذا به، حينها يمكن الذهاب إلى صحة واعتبار الكتاب.

ومنها: إن الصحيح كما يحتمل كون المراد منه الثابت عن الامام (ع) كذلك يحتمل كون المراد منه الحجة بينه وبين الله " إذ ان الشيخ الصدوق (ره) صرّح أنه يتبع في التصحيح وعدمه شيخه ابن الوليد، وهذا واضح في كون معنى التصحيح هو الحجية إذ لا معنى لكون الصدوق يتبع في القطع وعدمه شيخه ابن الوليد، إذ الاطمئنان والوثوق والقطع حالة نفسية وجدانية. فإذا انت قطعت بشيء فهذا لا يعنى ان اقطع بنفس الشيء حتى لو كنت اثق بك، القطع بالصدور شيء والحجية شيء آخر. في الحجية يمكن ان اتبع شخصا آخر وهذا ما عليه ديدن العقلاء، في الحجية ميزان اطبقه، اما في القطع فهو حالة نفسية وجدانية.

ثم ان هناك قرائن تدل على بطلان هذه الدعوى منها ما ذكره الشيخ الصدوق (ره) في روايات في الكافي انها ضعيفة

منها :رواية الزعفراني: الكافي ج 4 حديث 4 ص81. وذكر الشيخ الطوسي (ره) روايات موجودة في الكافي وذكر ان سبب تركها انها ضعيفة السند.

فلو كانت روايات الكافي مقطوعة الصدور لما جاز تركها، نذكر: ما ذكره في الاستبصار ح 1 و2 باب ذكر جمل من الاخبار يتعلّق بها اصحاب العَدد ح 230 و 231. بسنده: ح 1 - محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن محمد بن عيسى بن عبيد عن إبراهيم بن محمد المدني عن عمران الزعفراني قال قلت: لأبي عبد الله عليه السلام إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال: انظر اليوم الذي صمت فيه من السنة الماضية وصم يوم الخامس.

ح 2 - عنه عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن منصور بن العباس عن إبراهيم الأحول عن عمران الزعفراني قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال: انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعد خمسة أيام وصم اليوم الخامس. [3]

فالشيخ الطوسي (ره) قال بعد روايتهما: " انهما لا يوجبان علما ولا عملا، ولأن راويهما عمران الزعفراني، وهو مجهول، وفي إسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون به بالحديث ".

وهذا يعنى منه (ره) ان نراجع السند، ليس مجرد وجوده في التهذيب او الاستبصار أو الكافي، يعني انه اصبح صحيحا. هذه الاشارة مهمّة.

ثانيا: " لا نعمل بما يختصون به " أي اننا نذكر الحديث ولكننا نذكره ولا نعمل به إلا إذا كان هناك حديث آخر صحيح ينطبق عليه نفس المضمون فيكون مؤيدا. وهذا الكلام ايضا ذكرناه في مسألة ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي واضرابهم مما لا يروون إلا عن ثقة، واشكل بعضهم انهم رووا عن وهب بن وهب الكذاب. الاشكال الاساسي ان هؤلاء رووا عن غير ثقة. ذكرنا هناك انه إذا قلت ان فلان لا يروي إلا عن ثقة، هذا لا يعني انه لا يروي إلا عن ثقة مطلقا، بل قد يروي رواية إما محفوفة بالقرائن أو وجدانية او لان هنا رواية اخرى صحيحة على طبقها وتكون هذه مؤيدة، وهذا لا مانع منه. لذلك ذكرنا نقطة مهمّة بان الخبر الحسي لا ينقض إلا بخبر معارض أو بقرينة على السقوط أو بعدم احتمال مبرر لخلافه، ولذلك ما ذكروه من ان صفوان مثلا إذا روى عن مئة وكان بينهم اثنان أو ثلاثة فلا اشكال في ذلك. لا بل نقول ان هناك مشكلة لانه إذا اخبر عن واحد من دون مبرر تسقط هذه القاعدة، وذكرنا على ذلك مثالا: لو اخبرت بان فلان لا يدخل إلى مكان يباع فيه الخمر، فلو صدف انه دخل إلى دكان واحد كذلك سقط الخبر وسقطت هذه القاعدة، اما لو كان هناك مبرر كإنقاذ طفل من حريق أو ضرورة، حينئذ تبقى القاعدة. ولذلك قلنا كل الاشكالات التي اشكلت على صفوان وان كلها اخبار آحاد وانه نقل عن الضعيف، لكن النقل بأكمله هناك احتمال المبرر موجود.

غدا ان شاء الله نكمل.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] للتذكير: الخبر المحفوف بالقرائن القطعية لا يعني انه متواتر، لان الخبر المقطوع الصدور على قسمين: متواتر، وخبر واحد محفوف بقرينة قطعية.
[2] رد على سؤال: التواتر هل ينافي الارسال، لان التواتر هو اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب عقلائيا. وحتى يكون الخبر متواترا ويصل الينا يجب ان يكون في كل الطبقات متواترا. لذلك التواتر ينافي الارسال. وملخصا نذكر: الخبر على قسمين: مقطوع الصدور، وغير ومقطوع الصدور. ومقطوع الصدور على قسمين: متواتر، ومحفوف بقرينة قطعية. اما غير مقطوع الصدور على أقسام: الصحيح والحسن والموثق والضعيف. لذلك هنا ملاحظتان: اذا وجدت رواية رويت عن اصحاب الصادق (ع) ومن كبار الثقات تكون متواترة. نقول ان هذا الكلام غير سليم. بل المتواتر يكون من جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب من جماعة مختلفة لا يعرفون بعضهم بعض. استطراد: ايضا هناك اشكال لبعض علماء الحديث: انه إذا كان التقسيم رباعيا: الصحيح، والموثق، والحسن والضعيف. ماذا نفعل بالخبر المحفوف بالقرينة القطعي وليس متواترا وليس من الاقسام الاربعة. فإذن ينبغي أن تكون الاقسام خمسة!!! نقول: ان التقسيم بلحاظ المظنون. بعبارة اخرى: الخبر مقطوع ومظنون، المقطوع قسمان، والمظنون اربعة اقسام.
[3] الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج2، 36 - باب ذكر جمل من الاخبار يتعلق بها أصحاب العدد، ص76.