الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: فائدة رجالية:

البحث في روايات الكافي، هل كلها صحيحة ولا داعي لبحث أسنادها؟

الكلام في المعلى بن محمد جرّنا إلى البحث في المسألة الرجالية وهي صحة الكتب الاربعة، وذكرنا أن كل ما ذكروه من ادلّة على العمل بأخبار الكافي وان الدليل الاساسي فيه ما ذكره الكليني بنفسه عندما قال: اعمل بالأخبار الصحيحة عن الصادقين (ع).

وقلنا ان كلمة " صحيحة " كانت مستعملة في خصوص الصادرة الثابتة عن المعصوم (ع). [1]

ويقول الشيخ المفيد (ره) في التذكرة بأصول الفقه في معنى كلمة "صحيحة ": " الحجة في الأخبار ما أوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب، وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين، ولا يلزم به عمل على حال .... ثم قال: فأما الخبر القاطع للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يفضي بالناظر فيه إلى العلم بصحة مخبره ". [2] انظر كيف اعاد الشيخ المفيد البحث إلى القرائن المفيدة للعلم بالصدور.

بعد هذا الاستطراد نعود لكلام السيد الخوئي (ره) بعد ان ذكر الاشكال الاول وهو ان الكليني (ره) ذكر اخبار عن كذابين وعن غير الائمة (ع) وغير الصادقين، يقول: وثانيا: لو سلم أن محمد بن يعقوب شهد بصحة جميع روايات الكافي. [3]

وذكرنا القرائن التي ذكرها الحر العاملي في الوسائل والتي تدل على شهادة الكليني (ره) بصحة رواياته وصدورها، وقلنا ان القرائن ليست كافية وحدها إلا القرينة الاولى وهي: " بالآثار الصحيحة عن الصادقين (ع)" قال الحر (ره):

منها قوله: بالآثار الصحيحة، ومعلوم أنه لم يذكر فيه قاعدة يميز بها الصحيح عن غيره لو كان فيه غير صحيح، ولا كان اصطلاح المتأخرين موجودا في زمانه قطعا كما يأتي، فعلم أن كل ما فيه صحيح باصطلاح القدماء بمعنى الثابت عن المعصوم عليه السلام بالقرائن القطعية أو التواتر.

ومنها وصفة لكتابه بالأوصاف المذكورة البليغة التي يستلزم ثبوت أحاديثه كما لا يخفى.

ومنها ما ذكره من أنه صنف الكتاب لإزالة حيرة السائل، ومعلوم أنه لو لفق كتابا من الصحيح وغيره، وما ثبت من الاخبار وما لم يثبت، لزاد السائل حيرة وإشكالا، فعلم أن أحاديثه كلها ثابتة.

ومنها أنه ذكر أنه لم يقصر في إهداء النصيحة وأنه يعتقد وجوبها فكيف لا يرضى بالتقصير في ذلك ويرضى بأن يلفق كتابه من الصحيح والضعيف مع كون القسمين متميزين في زمانه قطعا، ويأتي ما يؤيد ذلك أيضا إنشاء الله.[4]

هذه الادلة يمكن ان تؤدي إلى ان الكليني (ره) شهد بصحة رواياته هو، إذن هناك مرحلتان:

الاولى: ان الكليني شهد بصحة رواياته.

والثانية: ان هناك روايات عن كذابين فلا بد من ان الكليني اتكل على قرائن في كل الروايات تدل على صحتها.

وسنذكر بعض القرائن التي ذكرها الشيخ البهائي (ره): وقال الشيخ بهاء الدين محمد العاملي في مشرق الشمسين بعد ذكر تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة المشهورة: وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه [5] وذلك بأمور:

منها وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة، وكانت متداولة في تلك الاعصار مشتهرة بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار. [6]

ومنها تكرره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة. [7]

ومنها وجوده في أصل معروف والانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار، أو على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمان وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، أو على العمل برواياتهم كعمار الساباطي وغيرهم ممن عدهم شيخ الطائفة في العدة كما نقله عنه المحقق في بحث التراوح من المعتبر. [8]

ومنها اندراجه في أحد الكتب التي عرضت على الأئمة عليهم السلام فأثنوا على مصنفيها، ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي الذي عرضه على الصادق عليه السلام، وكتابي يونس بن عبد الرحمان والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه السلام ومنها كونه مأخوذا من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها، وسواء كان مؤلفوها من الفرقة الناحية المحقة ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار، أو من غير الامامية ككتاب حفص بن غياث القاضي وكتب الحسين بن عبد الله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري. [9]

هذه هي القرائن التي ذكروها في مقام القرائن على صحة صدور هذه الكتب، نعود للأولى: " وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم وطرقهم .... "

نقول: أولا أن نفس الكتاب متداول مثل: كتاب الحسين بن سعيد، نعم نسلم بصدوره إلى الحسين بن سعيد، وذلك لاشتهاره وتداوله واعتماد الشيعة عليه. أما بعد الحسين بن سعيد، فعلينا أن نبحث في السند، خصوصا أن الحسين بن سعيد قد ذكر الاسناد، واطمئنان الكليني بصدوره عن الامام (ع) اجتهاد منه وليس نقلا حسيا.

نتيجة القول ان الاصول الاربعمائة ثابتة عن اصلها أما ما بعد الاصل فلا نوافق على ثبوته.

واما الثاني، اي انه متكرر في اصل او اصلين، هذه القرينة تشير على انه مستفيض ولا تكون قرينة على الصدور.

والثالث: وهو وجوده في اصل معروف، هذه القرينة ترجع إلى الاولى أي انه متداول بينهم.

والرابع: الانتساب إلى احد الجماعة، ذكرنا انها قاعدة وسلّمنا بها، لكن لا تدل على ان كل ما في الكتاب صحيح.

والخامس: ادراجه في احد الكتب التي عرضت على الائمة، نقول نعم إذا عرض الكتب على الامام (ع) اخذنا به، ولكن ماذا نفعل في كتب عرض على الامام (ع) واستحسنها جميعا إلا روايتين أو ثلاثة، هذا يعني أنه ليس كل الكتاب صحيحا.

نقول: ان الكتاب الذي عرض على الائمة هو الصحيح فقط دون غيره، فلا نقول ان كل الكتب عرضت على الائمة، فالكتاب الذي عرض ووافق عليه ومدح صاحبه نسلم بثبوته.

سادسا: " الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها " نقول: نعم يمكن ان يكون الشياع بالصدور عن صاحب الكتاب، اما ما بعد صاحب الكتاب يجب ان نبحث عنه.

إذن هذه القرائن التي ذكروها لا نسلّم بها انها تامّة في هذه الكتب الاربعة، لا نسلم ان جميع الروايات قد اقترنت بقرائن تؤدي إلى الوثوق بصدورها، حتى لو كانت كاذبة عن كذاب.

غدا ان شاء الله نكمل.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] استطراد: الظاهر من العلماء انهم كانوا لا يعملون إلا بالموثوق ولا يعملون بالظن، ولذلك الشيخ الطوسي (ره) هو الذي بدأ بالعمل بالخبر الواحد ونقل الاجماع عليه، وما قبل الشيخ كان العمل بالموثوق، الشريف المرتضى كان يقول: اجماع الطائفة انها لا تعمل بالظن ولا تعمل بخبر الواحد، ومقصوده الخبر الذي يؤدي إلى ظن. وهكذا يكون الجمع بين الاجماعين المتعارضين للشيخ الطوسي والسيد المرتضى. فائدة: ما يقال عند الاصوليين من أن الشهرة حجة عرفا، لكن مع التأمل نرى أن العرف لا يعمل بالمشهور، بل العرف يعمل بالمطمئن به، نعم غالبا المشهور يطمأن به، لذلك الخلط بين السبب والمسبب هو الذي احدث المشكلة. بعبارة الخرى: العمل بالمشهور ليس حجة حتى عند العقلاء، بل الحجة هي الاطمئنان والوثوق، والعمل بالمشهور طريق وسبب، فلا نقول ان العمل بالمشهور حجة عند العرف. فلو كان العمل بالمشهور متعبد به بذاته حجة لعملنا به، الا ترى الناس لا تعمل بالمشهور إذا ظننت خلافه، وقالوا في المثال: ربّ مشهور لا اصل له.
[2] التذكرة في اصول الفقه، الشيخ المفيد، ص44.
[3] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص85.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص64. ط (الاسلامية).
[5] أي ان التقسيم الرباعي ليس موجودا عندهم، لان الصحيح في هذا التقسيم هو خبر الثقة الامامي عن الثقة الامامي غير صحيح.
[6] هذا هو الدليل الاهم وبعض الادلة تنطوي تحته.
[7] هذا الدليل يجعل من الخبر مستفيضا لا صادرا.
[8] يمكن ان يكون الشيخ (ره) قد جمع بين قاعدة: " الذين لا يروون إلا عن ثقة " وقاعدة: " اجماع الطائفة على تصحيح ما صح عنهم ".
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص64. ط (الاسلامية). الطاطري الواقفي الثقة وهو غير امامي، وذكرته لاني سمعت من قال انه عندما يقال ثقة لا يكون إلا عن امامي، وهذا لم اجده نعم كلمة " ثقة ثقة " شاع انها لا تقال إلا عن الامامي، ولكن حتى هذه لم تثبت. فالامامي لا يحتاج إلى بيان بل غير الامامي هو الذي بحاجة إلى بيان كالواقفي وغيره. بعبارة اخرى: الامامية لم تفهم من كلمة ثقة.