الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: فائدة رجالية:

البحث في روايات الكافي، هل كلها صحيحة ولا داعي لبحث أسنادها؟

ملخص الكلام إلى هنا: أن الصحيح له ثلاثة معان: الاول: معنى القدماء، والثاني: ما بعد الطوسي (ره)، والثالث: ما عند العلامة (ره).

ومعنى القدماء ما كان بمعنى الثابت الصادر عن الامام (ع).

ذكر الحر العاملي في وسائل الشيعة في الخاتمة: فعلم أن كل ما فيه صحيح باصطلاح القدماء بمعنى الثابت عن

المعصوم عليه السلام بالقرائن القطعية أو التواتر. [1] وليس فقط الحر العاملي ذكر ذلك بل صرّح الكثيرون ان الصحيح هو بمعنى الصادر عن المعصوم.

والصحيح عند الشيخ الطوسي (ره) ومن أتى بعده إلى العلامة هو المعتبر حيث يقول كما نقله عنه في الوسائل: وقال الشيخ في كتاب العدة وفي الاستبصار كلاما طويلا ملخصه: أن أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام: منها ما يكون الخبر متواترا، ومنها ما يكون مقترنا بقرينة موجبة للقطع [2] بمضمون الخبر، ومنها مالا يوجد فيه هذا ولا ذاك ولكن دلت القرائن على وجوب العمل به [3] ، وأن القسم الثالث ينقسم إلى أقسام: منها خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضا، ومنها ما انعقد إجماعهم على صحته وأن كل خبر عمل به في كتابي الاخبار وغيرها لا يخلو من الأقسام الأربعة. [4] انتهى

والصحيح عند العلامة (ره) هو نقل الإمامي الثقة.

بعود لكلام الكليني (ره): " الآثار الصحيحة "، الصحيحة الظاهر انها تدور بين امرين: أما الصادرة وإما الحجة.

فان كان المراد منها الصادرة، أي الصادقة الثابتة عن الامام (ع) وهو المعنى المتداول في زمنه.

هذا يمكن ان تكون رواياته كلها شهادة منه بصدقها وثبوتها وصدورها. ولكن لا دليل على انها كلها قد صدرت، فالصدور وصف حدسي وليس نقلا حسيا، خصوصا مع نقل الكليني عن كذابين مثل وهب بن وهب. وإذا كان لا بد من وجود قرائن اتكل عليها الكليني ليثق بالصدور فمن قال انها لو قامت عندنا للادّت إلى قطع؟! الاشكال في الصغرى. [5]

نذكر انه في مثل هذه المسائل الرجالية لا بد من بحث نقطتين: الاولى: هي ان النقل عن حس او عن حدس.

والثانية: إذا كانت عن حس، متى يسقط الخبر الحسي عن الاعتبار؟ قلنا انه يسقط إما بالمعارض الحسي، أو بعدم احتمال مبرر لاختراق الخبر، ذكرنا هذا الكلام عن البحث عن رواية صفوان وابن ابي عمير، مثلا: اذا نقلت لك ان فلانا لا يدخل إلى متجر يبيع الخمر. فلو صادف انه دخل مرّة واحدة ومن دون مبرر، يسقط الخبر عن الاعتبار. نعم إذا كان احتمال المبرر موجود كاحتمال الدخول لانقاذ طفلا، حينئذ يبقى العموم على حجيت، ولا يسقط الخبر الحسي.

لذلك قلنا في مسألة صفوان وابن ابي عمير ان الاشكالات التي اوردوها على ان ابن ابي عمير اخبر عن الضعاف، ذكرنا ان لكل واحد منها مبرر محتمل للرواية عنه، وذكرنا انه لو كان ابن ابي عمير روى عن واحد من دون احتمال المبرر لسقطت القاعدة عن الاعتبار.

نعود للإحتمالين أي المعنيين الممحتملين لمعن الآثار الصحيحة: إما ان يكون احتمال الصحة بمعنى الصادر، أو بمعنى الحجة.

بمعنى الصادر أي نقطع بصدور هذه الروايات جميعا وحينئذ لا بد من قرائن، من قال بان القرائن التي قامت عن الكليني لو قامت عندنا ادّت إلى قطع.

اما الاحتمال الآخر وهو الحجية، فما هو ميزان الاعتبار عن الشيخ الكليني؟ لم يذكره فهذا حدس واجتهاد منه. اجتهاداتهم حجة عليهم لا علينا، نعم نقلهم حجة علينا، نسلم بروايته ولا نسلم بدرايته. مع ملاحظة ان البحث في شروط حجية الخبر امر اجتهادي حدسي، والكليني (ره) على جلالته لم يذكر شروط حجية الخبر إلا في المتعارضين.

ذكر الكليني (ره) في اصول الكافي: فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا " تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه، إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: " اعرضوها على كتاب الله فما وافى كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه " [6] و قوله عليه السلام: " دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم " [7] وقوله عليه السلام " خذوا بالمجمع عليه، فإن المجمع عليه لا ريب فيه " ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ولا نجد شيئا " أحوط [8] ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليه السلام: " بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم ".

وقد يسر الله - وله الحمد - تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت [9] فمهما كان فيه من تقصير فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة، إذ كانت واجبة لإخواننا وأهل ملتنا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكل من اقتبس منه، وعمل بما فيه دهرنا هذا، وفي غابره إلى انقضاء الدنيا، إذ الرب عز وجل واحد والرسول محمد خاتم النبيين - صلوات الله وسلامه عليه وآله - واحد، والشريعة واحدة وحلال محمد حلال وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ووسعنا قليلا " كتاب الحجة وإن لم نكمله على استحقاقه، لأنا كرهنا أن نبخس حظوظه كلها. [10]

سنذكر بعض القرائن الحر العاملي في الوسائل: وهو صريح أيضا في الشهادة بصحة أحاديث كتابه - اي الكليني - وجوه:

منها قوله: بالآثار الصحيحة، ومعلوم أنه لم يذكر فيه قاعدة يميز بها الصحيح عن غيره لو كان فيه غير صحيح، ولا كان اصطلاح المتأخرين موجودا في زمانه قطعا كما يأتي، فعلم أن كل ما فيه صحيح باصطلاح القدماء بمعنى الثابت عن المعصوم عليه السلام بالقرائن القطعية أو التواتر. [11]

ومنها وصفة لكتابه بالأوصاف المذكورة البليغة التي يستلزم ثبوت أحاديثه كما لا يخفى.

ومنها ما ذكره من أنه صنّف الكتاب لإزالة حيرة السائل، ومعلوم أنه لو لفّق كتابا من الصحيح وغيره، وما ثبت من الاخبار وما لم يثبت، لزاد السائل حيرة وإشكالا، فعلم أن أحاديثه كلها ثابتة. [12]

ومنها أنه ذكر أنه لم يقصر في إهداء النصيحة وأنه يعتقد وجوبها فكيف لا يرضى بالتقصير في ذلك ويرضى بأن يلفّق كتابه من الصحيح والضعيف مع كون القسمين متميزين في زمانه قطعا، ويأتي ما يؤيد ذلك أيضا إنشاء الله. [13]

ملخص الكلام اخيرا: انه عند الحر العاملي كتاب الكليني صحيح وان القرائن قامت عنده، لكن نقول ان هذا لا يدل على انها صحيحة، بل نسأل من قال ان هذه القرائن التي قامت عنده لو قامت عندنا لأدت إلى قطع؟ لكن هذا اجتهاد منه وفرق كبير بين النقل عن اجتهاد والنقل عن حس.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص64، ط الاسلامية.
[2] تعليق: وجدت في كتب عدّة بعض الفضلاء انه اذا كان هناك ستة روايات صحيحة عن عدّة من الروات الثقات، يعتبرونه من الخبر المتواتر، لان ستة من الروات الكبار رووا نفس الرواية. نقول: ان هذا ليس متواترا، لان تعريف التواتر هو: اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب. وهذا الاصطلاح ليس موجودا في نص حتى نناقش فيه فلا مشاحة في الاصطلاح. فالستة إذا كانوا كلهم عدول وشيعة اماميّة هذا لا يسمى تواترا، نعم قد تنشأ حالة قطعيّة بصدور الحديث. والقطع بالصدور لا يعني ان الحديث اصبح متواترا، بل لا يزال الخبر خبر واحد احتفّ بقرائن قطعية لو ادّت القرائن إلى قطع بالصدور، وإلا اعتبر الحديث مستفيضا.
[3] هنا قوله " وجوب العمل " لا يعني الصدور، بل هو حجة ومعتبر.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص65، ط الاسلامية.
[5] وهذا الامر مثل ما ذكرنا في حجية الشهرة عندما قالوا ان المشهور المتاخم للأئمة (ع) مشهور ونعمل به وهو حجة، وذلك لان هؤلاء القدماء المتاخمين لعصر الائمة (ع) وهو اجلاء كبار علماء لا يمكن ان يكونوا قد اجمعوا على شيء اشتهر بينهم كفتوى من دون الاتكال على دليل خفي علينا؟ اجبنا على ذلك: انه من قال انهم اتكلوا على نفس القرينة، وذكرنا مثال في طفل الانبوب، الذي يقول بان الحامل هي الام، كان لكل واحد دليله الخاص، منهم من قال ان الدليل هو العرف. ومنهم من كان دليله الآية القرآنية كالسيد الخوئي (ره). تعددت الادلة فكان لكل واحد مهم دليله ونحترمه، وهذا لا يعني انه دليل واحد. ثانيا: من قال ان هذا الدليل الواحد الذي خفي عنا، لو كان عندنا سلّمنا به، واورث اطمئنان وقطعا. فالإشكال في الكبرى والصغرى.
[6] وهذا يعنى ان بعض المعارضات الموجودة في الكتاب ارموه لعدم صدوره اصلا.
[7] عندما نتعرض لبحث التعارض سنذكر معنى الرشد في خلافه، سنذكر ان لها معان: لانه تقيّة، الثاني ترجيح الطرف الآخر في ظرف مصادرة السلطات حرية الطرف الآخر. أو ان بني اميّة وبني العباس لأجل احقادهم على الاسلام ادخلوا في الاسلام ما ليس فيه، فكان الرشد في خلافهم. والثالث: مخالفة الشيعة بعنوان الخلاف لهم.
[8] وهنا كيف اصبح التخيير احوط، والذي نفهمه من الاحتياط انه ابرء إلى الذمّة.
[9] ردا على طلب البعض في ذكر ان الكتاب الف قبل الطلب. قلنا ان هذه النقطقة لها اثر في نقاش الكلام ويعني انه كان ملتفت لكل من الصغيرة والكبيرة.
[10] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص8.
[11] اشكالنا على القرائن بانها صحيحة عندك ولم تذكرها لنا، والتواتر من اين جاء، فلا تواتر.
[12] وهنا شكال آخر بان رفع حيرة السائل لا توجب ان تكون الروايات صادرة عن الامام (ع)، بل قد تكون اجتهادا منه.
[13] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص64، ط الاسلامية.