الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

       العنوان: فائدة رجالية:
-البحث في روايات الكافي، هل كلها صحيحة ولا داعي لبحث أسنادها؟
 ومن الأساطين الذين قالوا بالصحة:
  الميرزا النائيني، ذكر في أجود التقريرات ج2 ص 258: " وأما تضعيف الرواية فليس في محله بعد ورودها في الكافي، فإن المناقشة في أخبار الكتب الأربعة لا سيما الكافي فيها بعد كونها متلقاة بالقبول بين الاصحاب ساقطة من   أصلها ". 
  المحقق النراقي في المستند: " ولكن يرد على الاول: أن قصور السند مع وجود الخبر في الأصول المعتبرة سيما الكتب الأربعة غير ضائر ".
 النراقي (ره) وسع الأمر إلى كل أصل معتبر اتكل عليه الصدوق (ره) عندما قال: " أخذت هذه الروايات من كتب اليها المرجع  وعليها المعوّل ". والذي جعلهم يقولون بالاعتماد على هذه الكتب هو التداول، فلا داع لأن يبحث بالصدور.    
  المحقق الهمداني أغا ضياء الدين: " ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية على اتصافها بالصحة المصطلحة ... بل المراد على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجية التي عمدتها كونها مدونة في الكتب الاربعة ... ".
 الشيخ الاصفهاني: " والإنصاف أن المناقشة في صحة إسناد هذه الروايات خلاف الإنصاف ".
 الميرزا النوري في خاتمة المستدرك: " كتاب الكافي بينها، كالشمس بين نجوم السماء، وامتاز عنها بأمور إذا تأمل فيها المصنف يستغني عن ملاحظة حال آحاد رجال السند الاحاديث المودعة، وتورثه الوثوق ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحتها بالمعنى المعروف عند الاقدمين ".
 وما معنى الصحة عند الاقدمين؟ وهذا يدفعنا أن نبحث في معنى الصحة:
الصحيح لغة هو ما قابل الفاسد، وفي اصطلاح علم الحديث يطلق الحديث الصحيح عند القدماء على الصادر عن الإمام (ع) وبعد الشيخ الطوسي (ره) على المعتبر، وفي اصطلاح العلامة على خصوص خبر الثقة الامامي أو العدل عند تقسيمه الحديث إلى اربعة أقسام: الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف.
 وقبل ذلك نرى بعض اصطلاحات الصحيح عند بعض العماء  قبل العلامة (ره) كان الصحيح وغير الصحيح هو المعتبر وغير المعتبر.          
  وفي الاصطلاحات العلميّة يكون بحسب ما هو مُهّم في هذا العلم.
 فمثلا: في اصطلاح الأصوليين الصحيح ما كان تام الأجزاء والشرائط، لأنه يهتم في مقدمات الاستنباط في المسائل الفقهية. وفي اصطلاح الفقهاء في العبادات ما يجب فيه الإعادة في الوقت والقضاء خارجه، أما في المعاملات فما أثر أثره في عمل المكلّف. وفي اصطلاح الكلاميين: ما استحق العامل به ثوابا، ويدرء عنه العقاب.
 وفي علم الطب مثلا: الجسم الصحيح ما ليس فيه مرض، والدواء الصحيح ما أثر في الشفاء من المرض.
  اما في اصطلاح أهل الحديث: فقد ذكر هذا اللفظ في متن بعض الأحاديث: الكافي ج 7 باب ما تجب فيه الدية كاملة. عن الكليني ... قال يونس عرضت على ابي الحسن الرضا (ع) كتاب الديات قال: هو صحيح.
  والظاهر منه أن الصحيح بمعنى ما صدر عن الإمام (ع) وطابق الواقع.
  وذكر النجاشي والشيخ  (ره) لفظ الصحيح كما في توصيف كتاب " نوادر أحمد بن الحسن بن اسماعيل بن شعيب الميثمي"، قالا: " صحيح الحديث ". ذكره النجاشي والشيخ وزاد النجاشي: " معتمد عليه ".
  فكلمة صحيح وردت قديما بمعنى ما صدر عن الامام (ع) وهذا هو المعنى المعروف عند الأقدمين، خصوصا إذا لاحظنا كلمات كثير من الفقهاء القدماء، كانوا يقولون بان الحجة هو العلم، وان فقهاء اهل البيت اشتهروا بانهم لا يعملون بغير علم، كلام الشريف المرتضى (ره) وكانوا يرفضون اخبار الآحاد، وهم يقولون بأننا لا نعمل بغير علم نظرا للنهي عن العمل بالظن كما ورد في القرآن، بل عقلائيا لان العمل بالظن مذموم.
  يقول الشيخ المفيد (ره) في التذكرة بأصول الفقه: " الحجة في الأخبار ما أوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين، ولا يلزم به عمل على حال ... ثم قال: فأما الخبر القاطع للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يفضي بالناظر فيه إلى العلم بصحة مخبره ".  
انظر كيف اعاد الشيخ المفيد البحث إلى القرائن المفيدة للعلم بالصدور.
الشيخ الطوسي (ره) نقل الاجماع على حجية اخبار الآحاد، نعم اخبار الآحاد ليست حجة قطعا، ولكن الشيخ الطوسي قوّم المظنون وقال انه ينشأ منه علم، فنحن نعمل بالعلم.
 فمن ايام الطوسي (ره) بدأ استعمال كلمة صحيح بمعنى المعتبر وليس هو الصادر عن الامام.
 وذكرنا سابقا أن هناك اتجاهين عند علماء الحديث ولهم ادلتهم عليه: الاول هو اعتماد الكتب حتى لو نقل وهب بن وهب الكذاب حديثا، فبمجرد وجود هذا الحديث في الكتب المتداولة المعتمدة اخذ به، ونلاحظ أن الاكثر من الفقهاء يميل لهذا الاتجاه، لذلك ذهب كثيرون إلى عدم الحاجة بعلم الرجال.
 اما الاتجاه الاخر هو ان وجود هذه الكتب وعدمه سواء انما ننظر إلى آحاد الأسناد. وسنتعرض لهذا البحث في خبر الواحد ان شاء الله، وملخصه: انه مجرد وجود الخبر في الكتب الأربعة ليس دليلا لكنه مقتضٍ لقوّة الخبر، فلا نهمشه فيصلح مرجحا ومؤيدا خصوصا إذا قلنا بقول  الشيخ الانصاري (ره): ان المرجح هو الأقربيّة للواقع بحسب القرائن، مثلا: لو كان عندي روايتين صحيحتان، رواية في الكافي ورواية في علل الشرائع، ارجح رواية الكافي على العلل. عند التعارض قد يكون الحديث صادرا وقد لا يكون. فإذا كان تقيّة فهو صادر، أما إذا كان مخالفا للكتاب ولم نقله، فكيف يكون صادرا عنهم (ع)؟ نعم يرمى ولا نأخذ به حتى لو كان منقولا عن ثقة وثقة إلى اخره، وذلك لقول الامام (ع) " لم نقله " " اضرب به عرض الجدار ".
  نعود لرد السيد الخوئي (ره) على الكليني (ره): الرد الاول: ان الكتاب يشتمل على روايات من غير الائمة (ع).
 والثاني: شموله لروايات من نقطع بكذبه.
 الثالث: عدم تصريح الكليني بعدم نقل الروايات غير الصحيحة.  
   تعليقنا: على الاول فهو صحيح إذا اخذنا بحرفية لفظ الكليني، لكن يمكن أن يكون المراد هو ما يشمل على الفاظ الأخبار أو سيرة المتشرعة والسنة المنتشرة بينهم التي يرى بالحدس أنها مأخوذة من قبل الائمة (ع) نظرا لصحبتهم للائمة ولتأثرهم بهم، يأخذون منهم، وهذا أمر عقلائي كما في المثال " قل لي من تعاشر أقل لكمن أنت " أي إذا أردت ان تعرف أفكار شخص فانظر إلى اصحابه، وكما يقال: " الولد سر أبيه " أي أن مكنونات الأب تظهر في سلوك الولد، طبعا هذا كلّه بحسب الغالب.
 ويقوي هذا الاحتمال في مراد الكليني هو كثرة الروايات من غير الائمة (ع) من أصحابهم (ع) وتعبيره أن ذكره في الكتاب أمران:  الآثار الصحيحة عن الصادقين (ع)، والسنة القائمة التي عليها العمل.
 بالرغم أن هذه المقدمة كتبت بعد الكتاب وسلمنا بها، وهذا يدل على انه النقل بالآثار الصحيحة كان مرتكزا وانه لم يكن يدل على عدم النقل عن غيرهم، وكان تعبيره بذلك تعبير ادبي موجود، بالنقل عن آثارهم وما يؤخذ من اصحابهم، وإلا كان هناك خلل بتعبير الكليني (ره).
 الإشكال على الثاني: أيضا مسلم، فقد روى عن وهب بن وهب واضرابه وهو كذاب في الحديث بغض النظر عن عقيدته.
  أما الثالث: فخلاف الداعي إلى الكتاب، إذ لو كان يروي الصحيح وغيره واختلطا، فكيف أميّز الصحيح من غيره، فتنتفي الغاية منه.
 أشكل بعض الاخوة الطلبة: تصريح الكليني هو أن الرواية إن كانت عن أهل البيت فهي صحيحة دون غيرها.
 والجواب: إن السائل طلب كتابا يعرف علم الدين، وهذا معناه أن الكتاب برمته صحيح والأحكام فيه هي أحكام أهل البيت (ع) وليس خصوص المروي عن أهل البيت. 
 غدا  إن شاء الله نكمل.