الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان:  اثبات النسب، أقل الحمل وأقصى الحمل.
-البحث في روايات الكافي.
فائدة رجالية: البحث في روايات الكافي، هل كلها صحيحة ولا داعي لبحث أسنادها؟
 هل مجرد وجود رواية من الكافي معنى صحتها؟
  عنون السيد الخوئي (ره) المبحث تحت عنوان: النظر في صحة روايات الكافي: الفصل الأول. النظر في صحة روايات الكافي: وقد ذكر غير واحد من الأعلام أن روايات الكافي كلها صحيحة ولا مجال لرمي [1] شيء منها بضعف سندها. وسمعت شيخنا الأستاذ الشيخ محمد حسين النائيني (قدس سره ) في مجلس بحثه يقول: ( إن المناقشة في أسناد روايات الكافي حرفة العاجز ). وقد استدل غير واحد على هذا القول بما ذكره محمد بن يعقوب في خطبة كتابه: ( أما بعد فقد فهمت يا أخي ما شكوت ... وذكرت أن أمورا قد أشكلت عليك، لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها، وأنك تعلم أن اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها، وأنك لا تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممن تثق بعلمه فيها، وقلتَ: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يُجمع ( فيه ) من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، والسنن القائمة التي عليها العمل [2]، وبها يؤدى فرض الله عز وجل وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله، وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سببا يتدارك الله (تعالى) بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملتنا، ويُقبِل بهم إلى مراشدهم ... وقد يسر الله (وله الحمد) تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت فمهما كان فيه من تقصير، فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة إذ كانت واجبة لإخواننا وأهل ملتنا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكل من اقتبس منه، وعمل بما فيه في دهرنا هذا، وفي غابره إلى انقضاء الدنيا، إذ الرب عز وجل واحد، والرسول محمد خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وآله واحد، والشريعة واحدة، وحلال محمد حلال، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ووسعنا قليلا كتاب الحجة، وإن لم نكمله على استحقاقه لأنا كرهنا أن نبخس حظوظه كلها ).
ووجه الاستدلال: إن السائل إنما سأل محمد بن يعقوب [3] تأليف كتاب جامع لفنون علم الدين بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، ومحمد بن يعقوب قد لبى دعوته فألف له كتاب الكافي.
والظاهر أنه كتب الخطبة بعد إتمام الكتاب وقال: وقد يسر تأليف ما سألت، فهذه شهادة من محمد بن يعقوب بأن جميع ما ألفه في كتابه من الآثار الصحيحة عن الصادقين سلام الله عليهم.
أقول: أما ما ذكر من أن الظاهر أن الخطبة قد كتبها محمد بن يعقوب بعد تأليف كتاب الكافي فغير بعيد، بل هو مقطوع به في الجملة لقوله: ( ووسعنا قليلا كتاب الحجة ... ). انتهى
 أقول:  هذا أمر نوافق عليه السيد الخوئي (ره) بلا تحفظ، بان هذه الديباجة كتبت بعد الكتاب.
  ثم يكمل السيد الخوئي (ره) وأما ما ذكر من شهادة محمد بن يعقوب بصحة جميع روايات كتابه وأنها من الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، فيرده: [4]
  أولا: إن السائل إنما سأل محمد بن يعقوب تأليف كتاب مشتمل على الآثار الصحيحة عن الصادقين سلام الله عليهم، ولم يشترط عليه أن لا يذكر فيه غير الرواية الصحيحة، أو ما صح عن غير الصادقين عليهم السلام، ومحمد بن يعقوب قد أعطاه ما سأله، فكتب كتابا مشتملا على الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام في جميع فنون علم الدين، وإن اشتمل كتابه على غير الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام، أو الصحيحة عن غيرهم أيضا استطرادا وتتميما للفائدة، إذ لعل الناظر يستنبط صحة رواية لم تصح عند المؤلف، أو لم تثبت صحتها.
ويشهد على ما ذكرناه: أن محمد بن يعقوب روى كثيرا في الكافي عن غير المعصومين أيضا ولا بأس أن نذكر بعضها:
1 - ما رواه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن هشام ابن الحكم، قال: ( الأشياء لا تدرك إلا بأمرين ... ).
2 - ما رواه بسنده عن أبي أيوب النحوي، قال: ( بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل ... )، ورواه أيضا عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن النضر بن سويد.
3 - ما رواه بسنده عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: ( لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام ارتج الموضع بالبكاء).
4 - ما رواه بسنده عن إدريس بن عبد الله الأودي، قال: (لما قتل الحسين عليه السلام، أراد القوم أن يوطئوه الخيل).
5 - ما رواه بسنده عن الفضيل، قال: ( صنائع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبة ).
6 - وما رواه بسنده عن ابن مسكان عن أبي حمزة، قال: ( المؤمن خلط عمله بالحلم ... ).
7 - ما رواه بسنده عن اليمان بن عبيد الله، قال: رأيت يحيى بن أم الطويل وقف بالكناسة ... ).
8 - ما رواه بسنده عن إسحاق بن عمار، قال: ( ليست التعزية إلا عند القبر ... ).
9 - ما رواه بسنده عن يونس، قال: ( كل زنا سفاح، وليس كل سفاح زنا ... ) وهو حديث طويل عقد محمد بن يعقوب له بابا مستقلا وأيضا روى بسنده عن يونس، قال: ( العلة في وضع السهام على ستة لا أقل ولا أكثر ) وأيضا قال : ( إنما جعلت المواريث من ستة أسهم ..). وقد جعل لهما أيضا محمد بن يعقوب بابا مستقلا.
10 - ما رواه بسنده عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: ( أخذني العباس بن موسى ... ).
11 - ما رواه عن كتاب أبي نعيم الطحان، رواه عن شريك، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن زيد بن ثابت أنه قال: ( من قضاء الجاهلية أن يورث الرجال دون النساء ).
12 - ما رواه بسنده عن إسماعيل بن جعفر، قال: ( اختصم رجلان إلى داود عليه السلام في بقرة ... ).
 وكأن السيد الخوئي (ره) يريد أن يقول أن العبارة التي ذكرها الكليني في الكافي من أنه لا يروي إلا عن الصادقين (ع) لم يلتزم به وأن هناك روايات عن غير الائمة (ع).    
وثانيا: لو سلم أن محمد بن يعقوب شهد بصحة جميع روايات الكافي فهذه الشهادة غير مسموعة، فإنه إن أراد بذلك أن روايات كتابه في نفسها واجدة لشرائط الحجية فهو مقطوع البطلان، لان فيها مرسلات وفيها روايات في اسنادها مجاهيل، ومن اشتهر بالوضع والكذب، كأبي البختري وأمثاله. [5]
ثم يستعرض السيد (ره) روايات تشهد على ما ذكره:
  وملخص الردّ الاول امران: الاول: إن الكتاب يشتمل على روايات من غير الائمة (ع).
  الثاني: شموله لروايات عن من نقطع بكذبهم.
 تعليقنا: اما الأمر الثاني فصحيح فقد روي عن وهب بن وهب.
  واما الاول فلو كان الكليني (ره) قد ذكر آثارا غير صحيحة عن الصادقين (ع)، فكيف أميّز بينها وبين الصحيحة مع اختلاطهما ؟! نعم نؤيد كلام السيد الخوئي (ره) في وجود روايات غير صحيحة، نقل الروايات المتعارضة والتي يحتمل عدم صدورها كليا لغير ثقة، بل نعلم بعدم صدورها إذا كانت. ففي مقام التعارض تقول " خذ بأوثقهما " أي ارم الحديث الثاني. ونَدرَ ان يكون هناك باب ليس فيه تعارض في الروايات، وانت تقول إذا تعارض الروايات خذ بأوثقهما، وهذا يعني ان بعض الروايات المعارضة ذكرتها في هذا الكتاب وطلبت منا ان نرميها في حال التعارض ونأخذ بما هو اقوى منها، إذن انت ذكرت روايات غير صحيحة. [6]   
وبهذا تنتفي الغاية من تأليف الكتاب لاختلاط الصحيح بغيره. والذي ينبغي أن يقال: إن معنى " الصحيحة " ما هو؟
 غدا أن شاء الله نبيّن معنى الصحيحة، ونوضح معنى " السنن ".




[1] عبر (ره) بتعبير " برمي " يعنى انها غير صادرة.
[2] فلتكونوا على ذكر من عبارة " والسنن القائمة التي عليها العمل " لأن السنن غير الاثار الصحيحة، فالأصل في العطف المغايرة، وهذه العبارة ستنفعنا في مناقشة الموضوع.
[3] فائدة نحوية:. إعراب " بن " نعت وليس عطف بيان ولا بدل، أما إذا قلنا " محمد ابو يعقوب" تعرب عطف بيان أو بدل، وكلمة " بن " تختلف عن " أب "  والفرق بينهما ان اسماء العلم منها علم شخصي كزيد، أو كنية وهو كل ما بدء بأب أو أم، " فأب " اسم علم تصلح لان تكون بدلا أو عطف بيان للاسم، وكلمة " بن " ليست علما ولا تدل على الذات، بل هي وصف لشخص انه ابن  أو بنت تماما مثل وصف الأخ والأخت والجد والجدة والخال والخالة والعم والعمّة.       
[4] السيد الخوئي (ره) كتب كتابه " معجم رجال الحديث " وفي المقدمة تحدث فيها عن الكتاب وبيّن آراءه بالرجال ثم شرع بالتفصيل على نمط صاحب المعالم، إذ المعالم كتاب فقهي وليس كتابا اصوليا، ففي مقدمته شرح رأيه في علم الاصول ثم بدأ بالمباحث الفقهية.     
[5] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص 81.
[6]  فائدة: التعارض إما ان يكون هناك روايتان صدرتا ولا يكون هذا إلا في التقيّة، أي في المرجح الصدوري. وإما ان يكون  من المرجحات الخرى مثل مخالفة الكتاب " ما خالف قول ربنا لم نقله " او " زخرف باطل ارم به عرض الجدار "  أي رمي الرواية. أي بعض انواع التعارض نرميه، لأنه قد يكون غير صادر كليا.