الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: اثبات النسب، أقل الحمل وأقصى الحمل.

النقطة الاولى: موضوعية أقل الحمل وأقصاه في الظروف الطبيعية.

النقطة الثانية: في اعتبار دلالة الالفاظ ولو من دون الوصول إلى حد الظهور.

نكمل الروايات الدالة على اقصى الحمل. قلنا ان هناك نقطتان: الاولى في دلالة الروايات على اشتراط أقل الحمل وأقصاه كأمرين لهما موضوعية في ثبوت النسب، وأن هذه الموضوعية هي في خصوص الظروف الطبيعية دون الاعجازية أو العلمية التطويرية. هل الستة اشهر لها مدخليّة أو لا؟ فلو فرضنا أن العلم تطور واصبح الحمل أقل من ستة أشهر بواسطة أدوية أو غير ذلك، فهل للستة اشهر موضوعية أو لا؟

ومن الروايات انه ليس لها موضوعية إلا في الظروف الطبيعيّة، يؤيده ما ورد في الوسائل، ح 7 - وعن حميد بن زياد، عن عبيد الله الدهقان، عن علي بن الحسن الطاطري (ثقة)، عن محمد بن زياد، عن أبان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن مريم حملت بعيسى تسع ساعات كل ساعة شهرا. [1]

الكلام في الدلالة انه في الحالة الاعجازية يمكن ان يكون الحمل اقل من ستة اشهر. والاعجاز لا يكون بخرق النواميس الطبيعية الثابتة، بل يكون بخرق العادات القاهرة، وهذا يدل على امكان وقوعه كما في الاستنساخ، والذي هو دليل على ان مريم (ع) ولدت من غير أب الذي كان خلاف العادة، واول فائدة عقائدية من الاستنساخ ان ولادة مريم من دون أب اصبحت مسألة شبه طبيعيّة. فهذا يدل على ان الستة اشهر ليس لها موضوعة دائما بحيث تكون شرطا دائما.

اما من حيث السند: حميد بن زياد ثقة واقفي، عن عبيد الله الدهقان الواسطي ضعيف، فتسقط الرواية عن الاعتبار. عن علي بن الحسن الطاطري ايضا واقفي ثقة، عن محمد بن زياد ابن ابي عمير جليل ثقة، عن ابان، عن ابي عبد الله (ع)، إذن المشكلة في عبيد الله الدهقان.

يمكن الاستدلال بهذه الرواية على أن الستة اشهر في الظروف العادية الطبيعية، اما في غيرها فلا تدل على ذلك. وهذا لسان الروايات التي يظهر منها الحكاية عن واقع، وليست المسألة اعتبارية.

النقطة الثاني: في دلالة الرواية التاسعة التي استنبط منها الامام أن الستة اشهر اقل الحمل أو الحمل يمكن ان يكون كذلك. هذه الرواية يعلمنا الإمام (ع)كيف نرجع إلى القرآن، وكيف نستنبط منه، والاستدلال في هذه الرواية تطبيق لما سمّوه في علم الاصول بدلالة الاشارة. يعني ان الظاهر من مفاهيمكم حجة عليكم، على خلاف الاخباريين الذين قالوا ان القرآن لا نعرفه إلا من خلال آل بيت محمد (ص)، لكن الظاهر القرآني حجة علينا، لذلك يقول لنا الامام (ع) استنبطوا، أي افهموا واستنبطوا باللوازم.

في هذه الرواية تطبيق لما سمّوه بدلالة الاشارة.

تذكير بدلالة الاشارة: وهذا التذكير ستنفعنا في كثير من الموارد منها الشبهة المصداقية: ذكر الأصوليون ثلاثة دلالات في مباحث الالفاظ: وهي الاقتضاء، والتنبيه، والاشارة. يجمعها انها دلالات غير بينّة بالمعنى الأخص، فتختلف عن دلالة الأمر على الوجوب أو دلالات النهي على الحرمة أو العموم أو الاطلاق من هذه الجهة.

ومحور الفرق بين الدلالات الثلاث يدور حول نقطتين:

الاولى: ان يكون المدلول مما لا يتم الكلام إلا به. والثانية: وان يكون مقصودا.

إذا تمّت النقطتان يصبح الكلام حجة ويكون من باب دلالة الاقتضاء، من قبيل: اسأل القرية، بناء على كونه مجازا في الإسناد، مجاز عقلي لا مجاز في المفرد. في " اسأل القرية " لا بد من تأويل يعني اسأل أهل القرية، وهذا هو المجاز في الإسناد، اذ القرية والحجر لا يسأل ولا ينطق، إذن لا بد من تقدير، مناسبة الحكم للموضوع، هذا ما يسمّ في البلاغة مجازا عقليا. والمجاز على قسمين: إما مجاز في الاسناد، او مجاز في المفرد كما في زيد اسد، نفس هذا المفرد زيد شجاع. فإذا كان في " اسأل القرية " وكان القرية بمعنى مجازا في اهلها اي مجازا مفرد، فلا تكون من باب دلالة الاقتضاء. اما إذا كانت مجازا في الاسناد، أي " اسأل " على معناها المفرد الحقيقي و " القرية " على معناها الحقيقي المفرد، لكن اسناد السؤال إلى القرية فيه مجاز، كما في " يا هامان ابن لي صرحا ". وعليه بناء على انه هنا مجاز عقلي مجاز في الاسناد يكون مدلول عليه بدلالة الاقتضاء، أي لا يتم الكلام إلا بهذا المجاز الذي يحتاج إلى تقدير " أهل ".

أما دلالة التنبيه: إذا تمّت النقطة الثانية دون الأولى مثل قولك لشخص بينك وبينه موعد أقول لك: " اصبحت الساعة الآن العاشرة " تنبيها له على أوان الموعد، لان الكلام يتم بدونه لكن هذا المعنى مقصود.

وأما دلالة الاشارة: فمع انتفاء كلتا النقطتين، وذلك مثل الاستلال على أقل الحمل من خلال الآيتين، في الآية كان في مقام تحديد ولكن الجمع كان من قبلنا نحن.

 

الفرق بين الدلالات الثلاث والظهور:

الدلالة الالتزامية على ثلاثة اقسام: إما أن تكون بينة بالمعنى الاخص، أو بيّنة بالمعنى الأعم، أو غير بيّنة.

فإذا كانت بيّنة بالمعنى الأخص وهو بمجرد تصور الملزوم ينتقل الذهن إلى اللازم مباشرة وهذا هي الظهورات، والظهور دليل عقلائي معتبر عندهم، وسيرتهم على ذلك.

الدلالة الالتزامية البيّنة بالمعنى الأعم لا يكون فيها ظهور، إذ لا ينتقل الذهن من الملزوم إلى اللازم مباشرة، نعم بعد الالتفات إلى الملازمة وترسخها في الذهن بحيث يتّم الانتقال مباشرة تصبح من صغريات حجية الظهور.

الدلالة الالتزامية غير البيّنة فهي كالبيّنة بالمعنى الاعم.

ودلالة الاشارة هي في الأخيرة، ومن تطبيقاتها ما ذكرته الرواية في مسألة أقل الحمل. فكونوا على ذكر من أن الحجة المعتبرة من دلالات الالفاظ تشمل الظهور وغيره.

إذن لا بد من القول بان الظهور هو احد هذه الملازمات وهو طريق عرفي، وغيره كذلك أي ما كان باللازم ولو لم يكن ظهورا، أي حتى لو كان الدلالة البيّنة بالمعنى الاعم أو غير بيّنة يكون حجة ودليلا.

الذي نستفيده من هذه الرواية ومن العرف والمنطق والوجدان أن الألفاظ حجيتها ليست منحصرة في الظهورات، فيمكن من الالتزامات الاخرى والاستنباطات الاخرى من اللفظ حتى لو لم تصل إلى مرحلة الظهور فهي حجة.

النتيجة: الفرق بين الدلالات الثلاث وبين كل ما مرّ من مطالب الاوامر والنواهي والمشتق والصحيح والاعم والعام والخاص والمطلق والمقيد إلى اخره، الفرق بينهما ان تلك لتشخيص صغريات حجية الظهور، والدلالات الثلاثة ظاهرها يدل ولا مانع، ويمكن ان نكتشف غيرها كما سيظهر ذلك في بحث الشبهة المصداقية، وسنذكر هناك لماذا سنخالف مشهور المتأخرين وسنوافق مشهور القدماء. فلنتذكر أن الاستنباط بالدلالات الالتزامية أو بما اثره ذلك هو حجة وشرعي ومطلوب والله العالم.

ملخصا نقول: أن الحجة المعتبرة في عالم الاستنباط من دلالات الالفاظ تشمل الظواهر وغير الظواهر أيضا.

غدا ان شاء الله نكمل بعض الروايات الدالة على أقل الحمل وأقصاه ونستعرض عند ابناء العامة أقصى الحمل.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص116، أبواب أحكام الاولاد، باب17، ح7، ط الاسلامية. ورد " كل ساعة شهرا " كيف نصبت " شهرا " هل تصبح حالا أو ظرفا، أو بدل من كل، أو بدل من تسع