الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: اثبات النسب

إثبات النسب: مرّ الكلام في ثبوت النسب ثبوتا وليس اثباتا، وقد ذكرنا هناك أن شروط الحاق الولد بابيه ثلاثة:

اولا: ان يكون تكون الولد من انعقاد نطفة بين الاب والام. وان تكون العلاقة بينهما حقيقيّة تكوينيية لا اعتبارية.

ذلك أنه لا حقيقة شرعية للولديّة ولا للأبوة ولا للأمومة ولا لغيرها من العلاقات النسبية، بل مفهوم الولد عرفا هو نفسه مفهوم الولد شرعا، نعم الشارع تدخل في شرائط الثبوت – أي في سعة الانطباق – فرفض كل ما لم يكن عن علاقة تكوينية، مثل رفضه للتبني كسبب للأبوة، وكالظهار كسبب للأمومة.

وثانيا: أن أقل الحمل ستة أشهر، ثالثا: واكثره تسعة أشهر على المشهور، أو عشرة أو عام على الخلاف.

كذلك بحثنا سابقا ثبوت النسب في عالم الثبوت، أي عالم الواقع، وذكرنا امورا:

ولد العقد الشرعي دائما ومنقطعا، وولد ملك اليمين، ولدان شرعيان وهذا أمر ثابت بالضرورة الفقهية.

الزنى، وقلنا هناك أن ولد الزنى ولد يلحق به أحكام الولد إلا ما خرج بدليل كعدم إرثه، أو عدم جواز تقليده على المشهور، أو غير ذلك من الأحكام، فلا يجوز له أن يتزوج ابنته من الزنى ويجوز له لمسها ومصافحتها.

وطء الشبهة، وذكرنا أن الولد شرعي يلحقه كل أحكام الولديّة والأبوة والبنوّة، نعم وقع الكلام في بعض افراد وطء الشبهة، مثلا لو وقع الزنى وهو سكران، وهل هو من وطء الشبهة؟ المشهور عدمه، وإن ذهبنا إلى كونه أحد أفراد وطء الشبهة من باب جريان أحكام ولد الشبهة عليه، وان قاعدة " الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار " قلنا انها عقابا لا تكليفا، يرتفع التكليف عنه مع السكر ولو بسوء اختياره، فلا يكون زنا.

ولد المساحقة، وذكرنا هناك أن الولد يلحق بأبيه صاحب المني، وبأمّه صاحبة البويضة.

طفل الأنبوب، وذكرنا جواز العمليّة، وكون الأب صاحب الحيمن، والأم صاحبة البويضة، وإن قال الكثيرون أن الأم هي الحامل.

الاستنساخ، ذكرنا جواز العملية وأن الوالد المتولد يكون شقيقا لصاحب الخلية وليس ابناً له.

هذا كلّه في عالم الثبوت.

أما في عالم الإثبات، فقد ذكرنا طرق عديدة لإثبات النسب، ولكن قبل البحث بها لا بد من بيان مقدمة وهي:

أن البحث هنا بحث في حلّ الشبهة المصداقية، أي بعد الانتهاء من عمليّة ثبوت النسب، بعد الانتهاء والفراغ من ثبوت النسب بالعقد، ثم شككنا في تعيين أبيه أو أمه.

أي أن مسالتنا في تحقيق مسائل إثبات النسب، وكما ذكرنا في كيفيّة حلّ الشبهة المصداقية. نبحث أولا عن علم، - الامارات المعتبرة - فإن لم نجد نبحث عن القواعد الثابتة – العلمي التي هي ايضا امارات - في الباب لاثبات الموضوعات.

أما ان يكون هناك علم، لو حصل فهو مقدم على الامارات فهذا أمر لا يحتاج إلى دليل، امر وجداني. فإن كل الأمارات إنما هي طرق لإثبات الواقع مع الجهل، فمع حصول العلم لا مجرى للقواعد والأصول، ولذلك كان البحث في علم الأصول عن سؤال مهم، وهو: كيف يجوز العمل بالأمارات والأصول مع إمكان تحصيل العلم؟

وايضا تحصيل العلم من باب تحصيل الواقع، ولا شك أن الواقع هو المطلوب الأول، وهو الغاية وهذا أمر وجداني لا لبس فيه، بل وردت كثير من الروايات الواضحة في ذلك، نذكر منها:

في الوسائل: ح 4 - وعنه عن محمد بن الوليد، عن العباس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: ذكر أن ابن أبي ليلى وابن شبرمة دخلا المسجد الحرام فأتيا محمد بن علي عليهما السلام فقال لهما: بما تقضيان؟ فقالا: بكتاب الله والسنّة، قال: فما لم تجداه في الكتاب والسنّة؟ قالا: نجتهد رأينا قال: رأيكما أنتما فما تقولان: في امرأة وجاريتها كانتا ترضعان صبيين في بيت فسقط عليهما فماتتا وسلِمَ الصبيان؟ قالا: القافة، قال: القافة يتجهم منه لهما، قالا: فأخبرنا قال: لا، قال ابن داود مولى له: جعلت فداك قد بلغني أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ما من قوم فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل وألقوا سهامهم إلا خرج السهم الأصوب، فسكت. [1]

وفي السند العباس بن هلال وهو لم يوثق. وابن ابي ليلى وابن شبرمة كانا في زمن العصر العباسي وليس زمن بني اميّة، إلا ان يكونا قد أتيا محمد بن علي الجواد (ع).

اما في الدلالة فالشاهد فيها هو قوله (ع) " إلا خرج السهم الأصوب " والمراد من الصواب المطابقة، وليس مجرد حلّ مشكل ولو اعتبارا.

وقد تخدش الدلالة بعدم كون الرواية تقريرا للمعصوم (ع)، إذ السكوت وحده لا يكفي، لكن الظاهر كونه كذلك للقرائن داخل الرواية وليس تقيّة، حيث إن الامام (ع) هو المبادر للسؤال، وابن داوود ذكر عن علي (ع) حكما، وغير ذلك.

فإذا حصلنا على علم أو اطمئنان عرفي فيها، وإلا وصلت النوبة إلى القواعد والأمارات المثبتة للنسب.

وهي: البيّنة، وخبر الثقة، وفحص الحامض النووي DNA وفحص MITOCANDRI – المتقدّرات - [2] الذي قال بعضهم انه يؤدي إلى تعيين الأم، والقرعة، ووزن حليب الأم، القيافة، ظهور الحال، قاعدة الولد للفراش.

ملخص كلام اليوم: ان ما مهدناه انه إذا حصل علم أو اطمئنان عرفي حجة معتبر، فهذا نعتبر دليلا ونعمل به، وإذا لم يحصل فما هي الامارات المثبتة وما هي القواعد المثبتة للنسب؟.

غدا ان شاء الله نبحث فحص الحمض النووي.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ص593، أبواب ميراث الغرقىٰ والمهدوم عليهم، باب4، ح4، ط الاسلامية.
[2] وهي السائل الموجود داخل الخليّة التي في داخلها النواة وتحيطها طبقة حافظة مغذيّة فيها هذا السائل، وهي خليّة مولدة للطاقة. السيد الخوئي (ره) كان يرفض هذا الدليل.