الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/07/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: اثبات نسب طفل الانبوب، هل الأم هي الحامل أو صاحبة البويضة؟
-الاستدلال بأصالة عدم النقل على أن أم طفل الانبوب هي صاحبة البويضة.
قلنا أن المراد هنا من أصالة النقل هي أصالة عدم نقل اللفظ من عرف إلى عرف ومن وضع إلى وضع، وان منشأ  حجية هذه الاصالة أحد ثلاثة أمور:
 إما سيرة العقلاء، وإما روايات الاستصحاب، وإما أصالة العدم الأزلي. والظاهر أن هذه الثلاثة غير تامة ولنبحث ذلك.
سيرة العقلاء: أما سيرة العقلاء فلا نجد هذه الاصالة فيها. لم اجد من بحث هذه المسألة، ولا اجد ان العقلاء يرون ان هناك اصالة عدم لنقل من عرف إلى عرف، ولا اعتقد ان لديهم حاجة لذلك، واصالة عدم النقل المتداولة كانوا يحتاجونها لأنه لولاها لما امكن فهم كثير من النصوص القديمة، عندما اشك في معنى لفظ قديم فإن العقلاء تبانوا على أصالة عدم النقل، التي هي أمارة عقلائية لإثبات المعاني الماضية وذلك بجر المعنى الحالي إلى الماضي، فما كان حاليا هو نفسه الماضي.
 وقلنا سابقا ونؤكد على ان الامارات العقلائية ناشئة عن حاجات ولذلك من الممكن كثيرا انتفائها عند انتفاء الحاجات، فما ذكر من الامارات من قبيل الشهرة أو القياس أو خبر الواحد أو غير ذلك، يكون هناك داع أو حاجة تدعو الناس لاختراعها، ثم يأتي الشارع فيمضيها أو يرفضها، امضاها كما في خبر الواحد ورفضها كما في القياس. وهنا لا نجد داع في مسألتنا وهي اصالة عدم النقل وانتقال من عرف إلى عرف.
روايات الاستصحاب: اما روايات الاستصحاب وهي روايات " لا تنقض اليقين بالشك " فتطبيقها على ما نحن فيه من باب استصحاب القهقرى. واستصحاب القهقرى وإن كان يشمله دليل: " لا تنقض اليقين بالشك " لإطلاق كلمتي اليقين والشك فتشمل: استصحاب القهقرى – زمان المتيقن حالي والمشكوك في الماضي – والاستصحاب الاستقبالي – زمان المتيقن حالي والمشكوك استقبالي- والاستصحاب المتداول أي المشكوك السابق والمتيقن الاحق إلا ان الاطلاق ينصرف إلى خصوص المتداول.
 وتطبيق روايات " لا تنقض اليقين بالشك " على مسألتنا انها من باب استصحاب القهقرى، لان العرف الخاص دائما متأخر عن اللغة، فأهل علم خاص يرون حاجة للنقل، فيكون عندهم منقول عرفي خاص طبي أو هندسي أو فلكي أو رياضي، ففي الانظمة الادارية يقال " محافظ " واساسها من حافظ، واحتاج هذه الكلمة الاداريون، واستعملوها في هيكلة معينة لموقع معيّن لكل محافظ. والآن عند سماع كلمة " محافظ " لا يخطر بالبال انه من " حافظ، يحافظ "، اصبحت اسما لموقع ولم يلحظ المعنى اللغوي العام الاساس لكن عندما نقل لوحظت علاقة معينة بين المعنى الجديد والمعنى الاول. لذلك قالوا ان الفرق بين المنقول والمرتجل في مباحث الالفاظ، انه في المنقول لا بد من ملاحظة علاقة، اما في المرتجل فلا نحتاج للعلاقة نعم لا بد من وجود الداعي. والامثلة كثيرة على ذلك.
 إذن المنقول يحتاج إلى علاقة ولا بد منها، وفي مسألتنا يكون العرف العام هو السابق واقوال البيولوجيين هي اللاحقة، فهناك سابق ولاحق لان البيولوجيين جزء من الناس والمجتمع وجزء من العرف، المعنى المأخوذ موجود عند الناس كلفظة " الأم  " ثم وجدوا حاجة لنقل المعنى اللغوي إلى المعنى الخاص بحسب حاجتهم، فقد يقال باستصحاب القهقرى، وقلنا امس ان هذا الاستصحاب لا دليل عليه، بل ينصرف " لا تنقض اليقين بالشك " إلى خصوص الاستصحاب المتداول وهو " اليقين السابق والشك اللاحق ". اما الاستصحاب الاستقبالي واستصحاب القهقرى، فنصرف عنها هذا النص. لذلك لا دليل على صحة هذين الاستصحابين.
أصالة العدم الازلي: قد يقال: إذا لم تثبت هذه الاصالة من باب استصحاب القهقرى، فإنها تثبت من باب استصحاب العدم الازلي. الذي يؤدي إلى اتحاد في المعنى بين المعنى الطبي المعلوم الذي هو ان الأم هي صاحبة البويضة، والمعنى المشكوك اللغوي.
  أي كان اللفظ موضوعا للمعنى اللغوي ونشك في نقله إلى المعنى العرفي الخاص فنستصحب العدم الأزلي [1]، ونجرّ السابق المشكوك إلى اللاحق المعلوم الحاضر فيتحد المعنيان، فيكون من الاستصحاب الحجة المتداول.
  فانه يقال: صحيح، ولكنه أصل مثبت، إذ ان العقل يحكم باتحاد المعنى اللغوي المشكوك مع المعنى الحالي العرفي الخاص المعلوم، إذ ليس هناك غيره، ويلزمه ثبوت وضع اللفظ للمعنى اللغوي بلازم عقلي. ولا نقول بحجيته.
ثم إن هناك إشكالا على أصل الاستدلال غدا ان شاء الله نبينه.


[1]  تذكير: ذكرنا سابقا انه ليس هنا أصلا اسمه أصالة العدم، بل الموجود هو استصحاب العدم " كان الله ولم يكن شيء ". هناك فرق بين مفهوم اصالة العدم واستصحاب العدم. بيان ذلك: الامور ثلاثة: واجب الوجود، وممكن الوجود، وممتنع الوجود. عرفوا الممكن بانه ما تساوى فيه الطرفان، او سلب الضرورتين، ضرورة الايجاب وضرورة السلب، فعند التساوي من إين تأتي اصالة العدم مع تساوي السلب الايجاب؟!. لذلك قلنا ان الصحيح هو استصحاب العدم، وان عبروا كثيرا بأصالة عدم الحادث. واصالة الثبات تعني استصحاب البقاء وعدم النقل والتغيّر. او بقاء الماضي إلى الحاضر.
واما اصالة الثبات فهي تعني استصحاب البقاء، أو أصالة عدم التغيّر، أو عدم النقل، والجميع هو من باب الأصل المثبت الذي يثبت جريانه. وقد بينّا وجه كونه أصلا مثبتا.