العنوان: اثبات
نسب طفل الانبوب، هل الأم هي الحامل أو صاحبة البويضة؟
-الاستدلال بأصالة عدم النقل من العرف
العام إلى العرف الخاص.
-الفرق بين أصالة عدم النقل العرفي
اللغوي إلى العرف الخاص، وبين أصالة عدم النقل المتداولة.
تحصّل مما مرّ: إن الروايات التي
استدل بها على أن الأم هي الحامل، وكان التعبير بأنها وعاء، وأن الولد مخلوق من
الأب، هذه الروايات معارضة بروايات أن الأم هي صاحبة البويضة، ولا تقاومها لأمور:
الأول: تأييد
[1]
الواقع والاكتشافات الحديثة لروايات أن الأم هي صاحبة النطفة التي هي أكثر وأقوى
سندا، حيث إن أساس تكوّن الجنين هو الجينات الوراثية الموجودة في نطفة الأم كما هي
في نطفة الأب، بالإضافة إلى تأثير الرحم في بعض نواحي صفات الجنين، ففي الأب 23
كروموزم وفي الأم نفس العدد ويندمجان، وبالإضافة إلى تأثير الام من جهة الحمل
بالكثير من صفاته.
الثاني: إن بعض الروايات المعارضة
كانت في مقام الإفحام وفي هذا المقام يتّكل المتكلم على ما هو معروف عند الناس،
ويؤيد ذلك قوله (ع): "
قال: لا بأس إنما يكره ذلك مخافة
العار " [2]والعار مسألة عرفية وهو مخالفة ما يراه الناس
واعتادوا عليه واستقبحوه.
[3]
الثالث: إن روايات صاحبة النطفة أكثر
وأقوى سندا.
نستطيع تلخيص ما مرّ من الأدلة:
الدليل الأول كتاب الله في قوله تعالى:
" إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ
سَمِيعاً بَصِيراً " [4]، ومعنى " الامشاج " الخليط، وهذا يدل بدلالات قد يستظهر منها ذلك وليس
صريحا.
الدليل الثاني: الروايات التي ذكرت
من "اعتلاج النطفتين في الرحم " رواية زيد الزراد، وغيرها .
الدليل الثالث: الأم عند البيولوجيين –
اختصاصيي علم الاحياء – هي صاحبة البويضة، والاصل عدم النقل من العرف اللغوي إلى
العرف الخاص وهو البيولوجي. وإنما نستدل بذلك ليس لان كلامهم حجة، ولا لان
اصطلاحاتهم تحكم مصطلاحات اللغة، ونحن كلامنا في المعنى اللغوي للأم لأن القرآن
عندما استعمله، استعمله إما بحقيقة شرعية، أو بحقيقة لغوية. بعبارة اخرى: نحن
نحاول تحقيق معنى كلمة أم لغة بعد ان حاولنا تحقيقها شرعا بالآيات والروايات، نرى
أن المعنى اللغوي أيضا لا يخالف ذلك.
لأنه قد يقال: أن دليل اختصاص علم
الاحياء أن صاحبة النطفة هي الأم، لا يتفق مع تحديد اللغة بان الأم هي صاحبة
البويضة، أي هناك اختلاف بين عرفين؟
والجواب سيكون في الكلام في ثلاث
نقاط:
الأولى: في الفرق بين العرف اللغوي،
أصالة عدم النقل المتداولة وبين العرف الآخر الخاصة.
الثانية: في حجية هذه الأصالة التي
لها الاثر الكبير. لأنها تعني أنه إذا ثبت في عرف خاص – كعرف الاطباء والبيولوجيين
والمهندسين والفلكيين - معنى وشككنا في المعنى اللغوي، هل نستطيع أن نقول بأصالة
عدم النقل من العرف اللغوي إلى العرف الخاص فاثبت به المعنى اللغوي؟
[5]
الثالثة: في تطبيقها والجواب عن
التطبيق.
أما النقطة الأولى: فأصالة عدم النقل المتداولة
فهي: كون المعنى الحالي معلوما ونشك في كون المعنى السابق كذلك مع انتفاء المعنى
السابق حاليا. مثلا: إذا شككت في معنى القطار الذي كان للجمال وحاليا هو العربات
المترابطة، أشك في أنه سابقا كان نفس المعنى أم لا. فهل أستطيع أن أقول بأصالة عدم
النقل؟
واصالة عدم النقل هي: ان المعنى
الحالي الثابت قطعا واشك في كون نفس المعنى قبل مدّة من الزمن فأجرُّ المعنى
الحالي الجديدة إلى السابق. لكن هل هو من باب استصحاب القهقرى؟ قلنا أنه ليس كذلك
وإن توهمه بعضهم، بل هو أصالة عقلائية مستقلّة.
بعبارة اخرى المبحوث عنه هنا: أصالة
عدم النقل من العرف اللغوي إلى العرف الخاص فهي أن يكون المعنى في العرف الخاص
معلوما، والمعنى في العرف العام مشكوكا، مع عدم انتفاء وهجران المعنى العرفي
العام، فيكون المعنيان موجودان في نفس الحقبة الزمانية. وبهذا تختلف هذه الأصالة
عن أصالة عدم النقل المتداولة.
أو لنقول: هل الأصل اتحاد الاعراف في
المعنى أو أن لكل عرف اصطلاحه المستقل تماما؟ وهنا في (الأم من هي؟) هل الاصل
اتحاد المعنى اللغوي مع المعنى الاختصاصي البيولوجي؟
أما النقطة الثانية في الحجية:
فالحجية في الاولى مستندة إلى السيرة العقلائية
فهي أمارة.
غدا ان شاء الله نكمل البحث.