الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: اثبات نسب طفل الانبوب، هل الأم هي الحامل أو صاحبة البويضة؟
-هل الروايات الواردة عن بني فضال معتبرة مهما كان السند بعدهم إذا كان السند إلى أحدهم صحيحا؟.
نعود لما قاله الشيخ الأنصاري (ره): " وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن سندها إلى الحسن بن فضال صحيح، وبنو فضال ممن أمر بالأخذ بكتبهم ورواياتهم ".
 نلاحظ في النصّ أمرين:
  الأول: الأخذ بروايات بني فضال وكأنه من المسلّمات.
  والثاني: عدم التفريق بين الروايات الموجودة في كتب بني فضال وبين غيرها حيث يقول: " وبنو فضال ممن أمر بالأخذ بكتبهم ورواياتهم "، وذلك لأن الأصل تغاير المعطوف والمعطوف عليه، الكتب تشمل الروايات، لكن هناك روايات عن بني فضال ليست في كتبهم رواها عنهم غيرهم في غير الكتب. فهل القاعدة تشملها؟ لان الرواية واردة في جواب السؤال عن كتبهم، فاما الروايات الموجودة في غير الكتب فما هو حكمها؟
 الشيخ الانصاري (ره) ذكر العمل بكتبهم ورواياتهم، هل هذا العطف تأكيدي أم أنه عطف آخر. الاصل تغاير المعطوف والمعطوف عليه، اي أن الكتب شيء والروايات شيء آخر.       
الأصل في القاعدة والدليل عليها:
 ما رواه الشيخ الطوسي (ره) في كتاب الغيبة عن ابي محمد المحمدي: ح 355 - وقال أبو الحسين بن تمام: حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه، قال: سئل الشيخ - يعني أبا القاسم رضي الله عنه - عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذُمّ وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ [1]فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات الله عليه: " خذوا بما رووا وذروا ما رأوا ".[2]
 نلاحظ أن الرواية بإطلاقها تشمل الكتب وغيرها. إلا أن يقال بأن الإطلاق هنا بالإضافة إلى خصوص الكتب

 لكون السؤال عنها.[3] 
  الأقوال في المسألة: بعضهم في هذه القاعدة ذهب إلى حجية مطلق روايات بني فضال، وبعضهم ذهب إلى مطلق روايات كتب بني فضال، وبعضهم لم يسلم بها اصلا.     
المختار نقول: هذه القاعدة غير تامّة، أولا: لضعف سند الرواية. وثانيا: لعدم دلالتها على المطلوب.
  أما ضعف السند فإن عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح (رض) مجهول. 
  أما ابو محمد المحمدي: هو الشريف الحسن بن أحمد بن القاسم، بن محمد العُويّد، بن علي بن عبد الله، رأس المذري، بن جعفر الثاني، بن عبد الله بن جعفر، بن محمد بن الحنفية، بن علي بن ابي طالب (ع). عالم جليل. توفي ابو محمد المحمدي سنة 43ه عن 81سنة.
واشارات توثيقه قويّة:
- أكثر الشيخ الطوسي (ره) بالرواية عنه، ويصفه بالشريف، ويترضى عنه، ويترحم عليه [4]، ويقدّمه على جماعة فيقول: " روى الشريف أبو محمد المحمدي وجماعة "، ويقرنه بالشيخ المفيد فيقول: " روى أبو محمد المحمدي والشيخ المفيد " ويقدّمه عليه، كان من نقباء الطالبيين.
-ترجمة النجاشي يقول: الشريف النقيب سيد في هذه الطائفة، غير أني رأيت بعض أصحابنا يغمز عليه في بعض رواياته ثم قال: " قرأت عليه نوادر كثيرة.[5]
 والغمز فيه: ترجمه ابن حجر العسقلاني العامي وقال: يروي عن الحافظ ابي محمد الرامهرمزي، كذّاب. وقال ابن خيرون قيل: وضع أحاديث.
 فلعلّ هذا هو السبب في غمز النجاشي لتأثره بالجو العام للعامة. فأبناء العامة كانوا يشيرون بالتجذيف والكذب لكل من لم يعجبهم أخباره، حتى ان بعضهم أتهم الرضا (ع) والمرتضى (ره).
 فقد روى ابو محمد الاحمدي ايضا حديث المسمار، فاتهم بالكذب. نقل روايات الأجش المغربي (ابو الدنيا) الذي أدعى انه ادرك علي بن أبي طالب (ع) بعد حوالي ثلاثة مائة سنة تقريبا.
-قال ابن عنبة (من ابناء العامة): وجمهور عَقِبه ينتهي إلى عبد الله رأس المذري ومن ولده الشريف النقيب أبو محمد المحمدي. كان يخلف السيد المرتضى في موقعه. له عقب يعرفون ببني النقيب المحمدي كانوا أهل جلالة وعلم ورواية.
-قال علي بن محمد العلوي في كتاب المجدي في أنساب الطالبيين: الشريف الزاهد النقيب الاخباري، وكانت له بالموصل جلالة وتقدّم.
إذن ابو محمد المحمدي ممدوح جدا عظيم الشأن يمكن الاخذ برواياته وهو ثقة، لكن لم يوثق بصريح التوثيق، وكلمة توثيق يمكن ان تكون اقل من مقامه فلم يذكر توثيقه من قبيل ابراهيم بن هاشم ابو على بن ابراهيم، رجل جليل لم يذكر أيضا توثيقه.
 نعم، من كان شديد المداقّة في تقييم الرجال قد يفرق بين جلالة الشأن والقدر، وبين التوثيق في الروايات والنقل.     
غدا ان شاء الله نكمل ابو الحسين بن تمام وعبد الله الكوفي.





[1] البيوت التي كانت ملاء من كتب بني فضال، يعنى انه كان يعمل بها، وهذا يحتاج للبحث لأنه يفتح نظرية العمل بالكتب لا بالاشخاص، وقد يستدل بهذه العبارات لإثبات النظرية.     .
[2] الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 389.
[3] استطراد: هناك بحث في عالم الالفاظ: انه ليس كل سؤال يقيّد الجواب. وإلا صارت الاجوبة جميعا من باب العموم الاضافي، وهنا ." خذوا بما رووا وذروا ما رأوا " تشمل الكتب وغيرها، لكن لما كان السؤال بخصوص الكتب صار العموم خاص بما رووا في الكتب. فلو قلت هل آكل الرمان؟ فأجبت نعم لأنه حامض. فقد يقال ان السؤال هنا بخصوص الرمان. فينحصر الجواب بالرمان الحامض، فلم تقصد الحموضة مطلقا. فإذا اردنا ان نجعل قاعدة وهي: أن السؤال دائما يقيّد الجواب ويصبح اضافيا، يعني انتفاء مفهوم العلّة. ويصبح الحصر، والعموم، والاطلاق دائما اضافيا أي يكون بالإضافة إلى السؤال. وهذا أمر لا يمكن الالتزام به لأن اللغة العربية ليست كذلك، إلا إذا كان هناك ظهور بالإضافة فنأخذ به. وهنا نستطيع ان نفرق بين التعليل ويكون عاما وفيه ظهور في عموم العلّة كما في كُلِ الرمان لأنه حامض، فلعموم العلّة كُلّ حامض كله سواء كان رمانا أم لا، أما الاطلاق والعموم يمكن ان لا يكون هناك فيه ظهور، ومع عدم الظهور لا نأخذ حينئذ بالعموم أو الاطلاق.
 والنتيجة كقاعدة: ان السؤال والجواب إذا كانت الاجابة في مقام التعليل، كان هناك ظهور لمفهوم العلّة. وإن لم يكن تعليلا، بل كان اطلاقا أو عموما كما في " خذوا بما رووا " فالظهور بالإطلاق أو العموم غير واضح ولذلك نقتصر على العموم الاضافي للسؤال، فيختص بعموم الكتب وليس عموم الرواية، وليس مطلق الرواية بل عموم الروايات الموجودة في الكتب خصوصا.             
[4]  ذكرنا سابقا انه يمكن ان نبحث مسألة: هل ترضي أو ترحم الشيخ الصدوق (ره) توثيق له؟    .
[5] وهنا اشارة إلى مسألة ان في ذلك الزمن كان هناك اختلاط بين فقهاء الخاصة وفقهاء العامة، حتى ان بعضهم لم يكون يعرف بانه شيعي أم سني، كان يعضهم يدرس عند الآخر ويحاوره، ونتمنى ان تعود الحال كذلك ويصبح الخلاف علميا فكريا. بعض علما العامة شنعوا عليه والظاهر لأنه كان شديد التشيع.    .