الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: اثبات نسب طفل الانبوب، هل الأم هي الحامل أو صاحبة البويضة؟
-الروايات الدالة على حصر الأمومة بالحامل.
-علاج التعارض.
بعد الاستدلال على أن الأم هي صاحبة البويضة بالآيات القرآنية " إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً " [1]  والروايات التي وردت بأنه " تعتلج النطفتان في الرحم "، لتنقيح الشبهة المفهومية. وذكرنا رواية زيد الزراد وغيره الذي نقلنا للبحث في المسألة الرجالية " مشايخ الثقات ".
لكن في المقابل هناك روايات واضحة في أن الحامل هي الأم، وهي معارضة لما استدللنا به من روايات أن صاحبة البويضة هي الأم فيقع التعارض، وحينئذ يجب أن نخرج من هذا التعارض.    
نعود إلى رواية زيد الزراد: بناء على تمامية القاعدة " أن ابن أبي عمير لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة " تكون رواية زيد الزرّاد معتبرة، وهذه الرواية مذكورة في كتاب بحار الأنوار للمجلسي ج 61 ص320 ب 37 ح 30 من كتاب توحيد المفضل:
ما في كتاب زيد الزرّاد عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (ع) أنظر الآن يا مفضل كيف جعلت آلات الجماع في الذكر والأنثى جميعا على ما يشاكل ذلك عليه، فجعل للذكر آلة ناشره تمتد حتى تصل النطفة إلى الرحم، إذا كان محتاجا إلى أن يقذف ماءه في غيره، وخلق للأنثى وعاء قعرٍ ليشتمل على الماءين جميعا. ويحتمل الولد ويتسع له ويصونه حتى يستحكم، أليس ذلك من تدبير حكيم لطيف سبحانه وتعالى عما  يشركون!؟ [2]
  من حيث المتن الرواية واضحة الدلالة على وظيفتين للمرأة فهي صاحبة النطفة وهي وعاء أي هي صاحبة الجينات الوراثية، وهي حامل. ومن الثابت أن لكلا الوصفين أثره. فالجينان هي أساس التكوين لقوام الطفل والحمل يؤثر في الكثير من الطباع والعوارض. [3]
 اما كلمة " صاحبة ماء " قد يقال أن المراد من الماء هو ما تفرزه من سوائل، ولكن نحن لا نريد ان نكون غرباء عن الاكتشافات والحقائق العلمية البيولوجية الثابتة، هذا الماء الذي تفرزه لا أثر له في تكوّن الجنين، صاحب الأثر هو البويضة التي لا ترى بالعين المجردة وذكرنا أن قطرها يبلغ حوالي 0،2 ملم، إي الجينات الوراثية، وكونها وعاء أي الحمل، خصوصا انه يقابلها ماء الرجل وهو ما يشتمل على الحيوان المنوي التي هي صاحبة التأسيس والاثر الكبير في تكوّن الطفل. قلنا ان هذا الاكتشاف حديث وعظيم عند الناس اخبر عنه الإمام عليه السلام وتكلم عن تكوين الطفل.   
  في المقابل هناك روايتان ظاهرهما كون الأم هي الحامل فقط، وبهذا تعارض الروايات التي سبق ذكرها. هل يمكن التخلص من هذا التعارض بالرغم من وجود كلمة " إنما " التي تحصر الامومة بالحامل؟
 الرواية الاولى: ما ورد في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: وحرم الزنا تحصينا للنسب، فإنه يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وألا ينسب أحد بتقدير ألا يشرع النكاح إلى أب، بل يكون نسب الناس إلى أمهاتهم، وفي ذلك قلب الحقيقة، وعكس الواجب، لان الولد مخلوق من ماء الأب، وإنما الام وعاء وظرف. [4]
  من حيث الدلالة: هذه الرواية واضحة في كون الأم فقط هي الحامل،" انما " حرف حصر يعني أن الأم هي الحامل فقط، وهي تعارض الروايات السابقة.
 الرواية الثانية: الوسائل في خبر عبد الله بن هلال: 8 - محمد بن الحسن، بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة وعبد الله بن هلال، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتزوج ولد الزنا قال: لا بأس إنما يكره ذلك مخافة العار وإنما الولد للصلب وإنما المرأة وعاء قلت: الرجل يشترى خادما ولد زنى فيطأها قال: لا بأس. محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن ثعلبة بن ميمون عن عبد الله بن هلال نحوه. [5]
 أما من حيث الدلالة: هذه الروايات غير ناظرة إلى مبدأ تكون الجنين، الطفل، وخصوصا في تلك الايام التي لا يفرّق الناس فيها بين صاحية النطفة والحمل، وادراك هذه المسألة في ذلك الزمن صعب جدا، لكن ورد على لسان الأئمة سلام الله عليهم واكتشف حديثا بأن للمرأة بويضة تدخل في تكوين الطفل. ولذلك الدمج بين صاحبة النطفة والحمل أمر طبيعي لا خلاف فيه، الروايات عندما وردت وردت بحسب ما في عرف الناس، بدليل ما ورد في الرواية الثانية كلمة " مخافة العار" أي يلاحظ ما عند الناس، باعتبار انهم كانوا لا يفرقون بين الحمل وصاحبة النطفة، ولذلك كانت نظرتهم ان الولد يتبع الاب والام مجرد  وعاء، وكما قيل: " بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهنّ أبناء الرجال الاباعد ". فالخطاب في الرواية خطابا إفحاميا وليس خطابا حقيقيا استدلاليا، من قبيل من فمك ادينك [6].
 ومن ناحية " انها وعاء " والوعاء قد يكون له أثر ومن جملة الوعاء انه يشتمل على ماء الأم. ليس هناك وضوح في الرواية على عدم اشتراك الأم في خلق الطفل.
هذا كلّه مع ثبوت دخالة النطفة في تكوّن الجنين. مع ملاحظة هامة وهي: إن هاتين الروايتين ليستا في مقام بيان تكوّن الجنين والامومة، بخلاف الروايات السابقة التي استدل بها على كون الأم هي صاحبة النطفة.      
  فلا تعارض هذه الرواية دلالة الآية والروايات.
  وأما الكلام في سند الروايتين.
 سند الرواية الاولى: نهج البلاغة جمعه الشريف الرضي (ره)  جمعا وارسالا، لذلك نحتاج في كل خطبة أو كلمة أو نص ان نعرف سنده واصله، وقد تعب بعض العلماء كثيرا في تحقيق اسانيد نهج البلاغة وإرجاع الخطب إلى اصلها.    
  أما السند في الرواية التالية فهو عن: محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلية وعبد الله بن هلال عن أبي عبد الله (ع): محمد بن الحسن (ره) هو الشيخ الطوسي.
  محمد بن علي بن محبوب من الاجلاء ومن اصحاب الاجماع.
 محمد بن الحسين بن ابي الخطاب يقول عنه (صاحب الوسائل): ابو جعفر الزيات الهمداني جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين. قاله العلامة والنجاشي ووثقه الشيخ أيضا.
 وعن الحسن بن علي بن فضّال، من الاجلاء الكبار الفقهاء، لكنه كان فطحيا، -
 عن ثعلبة وثعلية هو بن ميمون، يقول عنه في الوسائل، كان وجها في أصحابنا، قارئا فقيها، نحويا، لغويا، راوية، وكان حسن العمل كثير الرواية والزهد، روى عن الصادق والكاظم (عليهم ) وكان فاضلا، متقدما في العلماء والفقهاء الاجلاء في هذه العصابة. قاله العلامة، ونحوه النجاشي، إلى قوله (ع)، والباقي من مدايحه رواه الكشي وله مدايح ومدحه أخرون ويقال له: أبو اسحاق الفقيه وأبو اسحاق النحوي.
 يبقى عبد الله بن هلال لم يوثق وسنذكر غدا ما يمكن أن يقال لتوثيقه، وسنذكر المفروض تحصيله من أجل اعتبار الرواية.
 ولا باس بعد ذلك بذكر قاعدة قد يفهم ذهاب بعضهم إليها، وهي أن كل رواية وصل سندها إلى بني فضال فهي معتبرة بغض النظر عمن بعده من السند، كما يستشعر ذلك من الشيخ الانصاري (ره). 
والحمد لله رب العالمين.    




[1] سورة الانسان، أية 2.
[2] توحيد المفضل، مفضل بن عمر الجعفي، آلة الجماع وهيئتها، ص54.
[3] ما يقوله الاطباء والبيولوجيون في ان المرأة إذا كان في حالة نفسية عصبة في حملها يتأثر الجنين بذلك، وذكرنا ان في الروايات ورد تأثير بعض المأكولات التي تأكلها الأم على مزاج الطفل، كما ورد في انها إذا اكلت التمر في حملها يكون الولد تقيّا ولعلّه بمعنى رقة القلب والصلاح لان الإيمان حالة اراديه باختيار المكلف.   .
[4] شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد،ج19،ص 89.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14،ص 338، باب 14 - باب جواز نكاح المرأة وان كانت ولد زنا بالعقد ...، ح 8، (الاسلامية).
[6] استطراد:. وردت رواية تقول: انه لا يجوز للمرأة أن تتسلم سلطة. " ما افلح قوم وليتهم امرأة " ليست موجودة في طرقنا أصلا، بل وردت في كتب ابناء العامة فقط، نعم هناك رواية وردت عن الامام الصادق (ع) استدل بها على ابناء العامة ليفحمهم، يقول (ع) بما معناه: " اما رويتم ان رسول الله قال: ما افلح قوم وليتهم امرأة. وكان يستنكر خروج عائشة.