الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
مقدمة لا بد منها:
  قلنا أن الخدش بالقاعدة لا يروون إلا عن ثقة لا يتم إسقاطها إلا بأمرين:
 احدهما وجود معارض نقلي. والثاني اجتماع أمرين: عدم احتمال المبرر للنقل عن الضعيف، وعدم احتمال توثيقه.
  وعليه: فلو ثبت رواية أحدهم عن ضعيف من دون احتمال مبرر، ولو عن واحد، فإنه يسقط القاعدة التي ذكرها الشيخ الطوسي (ره) فلا حجية لكلامه حينئذ.
ونحن نذكر هذا الكلام تعليقا على كلام بعض الاخوة النخبة الافاضل ومن أهل الاختصاص المعاصرين الذين بحثوا هذه المسألة.
 فلا يقال: إن هؤلاء الثلاثة وأمثالهم رووا عن مئات الرواة الثقات، فإذا رووا عن واحد أو اثنين من الضعفاء فهذا نسبته قليلة جدا مُلغاة عند العقلاء، ولذا لا يخدش بالقاعدة. [1]
  فإنه يقال: لا بل يخدش بالقاعدة رواية عن ضعيف واحد بلا مبرر مما ذكرناه. وبهذا يُردّ ما ذكره بعض المعاصرين من الفضلاء من أهل الاختصاص والخبرة في علم الرجال، من عدم الخدش لإلغاء احتمال الخلاف عقلائيا، أو لحساب الاحتمالات [2] حيث يضعف احتمال الرواية عن الضعيف لدرجة يصبح كالملغى أو غير ذلك.
 بيان ذلك: إن العمل بأصالة العموم هو العمل بالظاهر به ولا يتم إلا بمقدمات الحكمة وهي بعد صدق العنوان ثلاثة: أن يكون في مقام البيان، وأمكن ان يبيِّن ولم يُبيّن.[3]
  فلو قلت: " أكرم العلماء " يجب أولا صدق عنوان العالم، ثم أن يكون في مقام بيان عموم الأفراد، فتكون القضية محصورة لا مهملة ولا مجملة [4] . فمع الاهمال أو الاجمال – ويفترقان في كون الاجمال قصد عدم المحصورة- لا يمكن الاخذ بعموم العنوان بل نقتصر في الحكم على القدر والمتيقن ويخرج المشكوك عنه. أما مع المحصورة فالمتكلم يلحظ جميع الأفراد بلا استثناء حتى ولا فرد واحد.
 وبهذا نقول: إن المتكلم أو الشارع الحكيم لما لاحظ جميع الافراد وأمكن أن يخصص ولم يخصص، استكشفنا حينئذ إرادته للعموم، فنعمل عليه، إذ لو اراد تخصيص فرد لوجب عليه بيان ذلك. فلو قال: " اكرم العلماء " وكانوا ألف عالم مثلا وكان لا يريد " إكرام زيد العالم "، فعليه ان يبيّن ذلك، فيقول: "اكرم العلماء إلا زيدا"، ولو لم يستثن لكان سفيها لأنه اوقع السامع بجهالة، حتى لو كان المستثنى واحدا من ألف. فلا يجري هنا إلغاء احتمال الخلاف، ولا حسابات الاحتمالات ولو قلّة الاحتمال لدرجة الإلغاء.
 لا يقال: إن الفرق بين الظاهر والنص هو ان الظاهر فيه احتمال الخلاف اما النص فلا احتمال فيه للخلاف. وسيرة العقلاء هي على إلغاء احتمال الخلاف غير المعتد به فليكن هنا كذلك؟
 فانه يقال: إن سيرة العقلاء هي على إلغاء الاحتمال وليس على إلغاء القطع بالخلاف مهما قلّ هذا المخالف. 
فالاصول تلغي احتمال الخلاف ولا تلغي القطع، لذلك اصالة السند تلغي احتمال السهو والنسيان أما إذا كان هناك قطع بالسهو فلا نجري أصالة السند، وهكذا أصالة التقية وأصالة الصدور، واصالة العموم.
 ملخص البحث: ان الذي ينفعنا في إسقاط القاعدة هو القطع بالخلاف فلو كان هناك فرد واحد ضعيف وليس هناك احتمال مبرر ولا وثاقة للمروي عنه، هذا يكون دليلا على اسقاط العموم واسقاط القاعدة، فلا استطيع الاخذ بالعموم. لذلك ما ذكره بعض المعاصرين من العلماء والفضلاء الذين نحترمهم رأيهم مردود والله العالم.
غدا ان شاء الله نعود لنكمل البحث عن بعض الضعاف. 


[1] رد اشكال انتفاء وجود الموجبة الكليّة، "كل من روى عنه فهو ثقة". الجواب: ان الفرق بين الظاهر والنص هو ان الظاهر هو وجود احتمال آخر غير معتد به عند العقلاء، اما النص واضح لا احتمال فيه للخلاف. مثلا: لا استطيع ان اقول مع وجود نص بالعلماء انهم اربعة " جاء زيد، وبكر وعمرو، وخالد، إلا زيد. ولكن استطيع ان اقول: " جاء العلماء إلا زيد ". في النص لا استطيع ان استثني، اما في الظاهر فاستطيع ان استثني.      
[2] حساب الاحتمالات باب قائم بذاته في الرياضيات، كل عمل يحتمل فيه الايجاب والسلب والواقع عدم الوقوع ولكن مع كثرته يصبح هناك نوع من الاطمئنان بحصوله، والامثلة كثرة على ذلك،كما في بعض العاب مدن الملاهي " الرولات " كرة تتدحرج وتقف في خانات على لونين او اكثر إلى آخره.
 وهناك من يشكك على حساب الاحتمالات من اساسه، لأنه في كل مرّة نعود لنفس الاحتمال الاول ولو كثر المحاولات حتى تصل إلى الف ولا تؤدي إلى قطع بالحصول ولو لمرّة واحدة. وهذا القول في الرياضيات انا اميل اليه اكثر.  .
[3] هذا الاختصار لمقدمات الحكمة كان عندما درَّست اصول المظفر في النجف الاشرف، لانه كلما لخصنا وركزنا الالفاظ والمعاني كلما زاد استيعاب الطالب والسامع اكثر.
[4] للتذكير: في المنطق: المجمل هو قصد الاهمال. والمجمل والمهمل لا آخذ به إلا بالقدر المتيقن والمشكوك لا آخذ به. والذي آخذ بعمومه هو المحصورة العامة وليس الجزئية.
 مثلا :" هؤلاء عرفوا انهم لا يروون إلا عن ثقة " فإذا خرج بعضهم لا اشكال، لأنها اخذت على نحو الاهمال أو الاجمال، ولا استطيع ان اخذ بعمومه بل اخذ بالقدر المتيقن، لان العموم يسقط.