الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
-روايات الذمّ التي تخدش بعلي بن أبي حمزة.
-القرائن التي تدل على كون المراد من ابن ابي حمزة هو الحسن " الابن " وليس " علي " الاب.
  يقول الشيخ جعفر السبحاني في كتابه كليات علم الرجال: الثاني: إن علي بن أبي حمزة توفي قبل أن يتولد علي بن الحسن بن فضال بأعوام، فيكف يمكن أن يكتب عنه أحاديث، وتفسير القرآن من أوله إلى آخره، وإنما حصل الاشتباه من نقله الكشي في ترجمة الوالد تارة، وترجمة الولد أخرى، وذلك لأن علي بن أبي حمزة مات في زمن الرضا عليه السلام حتى أخبر عليه السلام أنه أقعد في قبره فسئل عن الأئمة فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره نارا، فإذا توفي الرضا عليه السلام عام 203، فقد توفي ابن أبي حمزة قبل ذلك العام.
ومن جانب آخر مات الوالد ( الحسن بن فضال ) سنة أربع وعشرين ومائتين كما أرّخه النجاشي في ترجمته.
وكان الولد يتجنب الرواية عن الوالد وهو ابن ثمان عشرة سنة يقول:" كنت أقابله ( الوالد ) وسنّي ثمان عشرة سنة بكتبه ولا أفهم إذ ذاك الروايات [1]ولا أستحل أن أرويها عنه "، ولأجل ذلك روى عن أخويه عن أبيهما. فإذا كان سنه عند موت الوالد ثماني عشرة فعليه يكون من مواليد عام 206، فمعه كيف يمكن أن يروي عن علي بن أبي حمزة توفي في حياة الإمام الرضا عليه السلام ؟ [2]
  النتيجة ان الرواية التي وردت وظاهرها ضعف في الحديث " انه كذّاب ملعون لا استحل ان اروي عنه رواية واحدة " ولكن القرائن تشير إلى أنها وردت في الحسن بن علي بن ابي حمزة وليست في علي بن ابي حمزة.
  نخلص إلى ان الادلة على توثيق علي بن أبي حمزة لا معارض لها، فهو ثقة ويمكن القول بوثاقته.
 بقي شيء أن إشكال بعضهم على القاعدة " لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة " ان مشايخ الثقات قد رووا عن بعض الضعاف لا يتمّ إلا بالرواية عمن ثبت ضعفهم. فالإشكال بالنقل عن علي بن أبي حمزة غير تام لعدم ثبوت ضعفه، بل قد توثقه. فلا يتمّ الاشكال به على القاعدة.
هنا يرد إشكال مهم على القاعدة وهو: إذا حملنا رواية ابن أبي عمير على علي بن أبي حمزة، فماذا نصنع برواية البزنطي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة.   
  ذلك ان مشايخ الثقات ليس فقط ابن ابي عمير، هناك ايضا صفوان، واحمد بن محمد ابي نصر البزنطي. هناك رواية من البزنطي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، وهذا لو تمّ يكون خدشا بالقاعدة.            
أما رواية البزنطي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، التهذيب ح ( 953 ) 16 – محمد بن احمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الحسن بن علي ابن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له أن أبي هلك وترك جاريتين قد دبرهما [3]وأنا ممن أشهد لهما، وعليه دين كثير فما رأيك ؟ فقال: رضي الله عن أبيك ورفعه مع محمد صلى الله عليه وآله وأهله قضاء دينه خير له إن شاء الله. [4]
 هذه الرواية وردت بالنص في الحسن بن علي بن ابي حمزة، الابن الكذّاب. 
ملاحظات في السند والمتن:
  أما السند فمن المستبعد أن يروي البزنطي عن الحسن بن علي بن ابي حمزة، الراوي يروي عن شيخه وفرق شاسع لكبر سنّ الأول وعلوّ مقامه، وإذا كان الحسن معروفا بالكذب كيف يروي عنه؟!. هذا ليس دليلا بل هو توهين للرواية لان النص واضح.
ملاحظات في الرواية: أن الرواية وردت في الاحكام الشرعية في التدبير وقضاء الدَّين، ولم ترد في المستحبات ولا في الاخلاقيات. فما ذكرناه سابقا من انه لا مانع من ان يروي ابن أبي عمير عن ضعيف في أمر مستحب لعدم خطره، لأن الخطر في الالزاميات، لا يجري هنا.        
  وأما من جهة المتن:
 أولا: إن هذه الرواية تعارض روايات كونه من أهل النار. فقال: " رضي الله عن أبيك ورفعه مع محمد صلى الله عليه وآله "، وهذا مدح من الامام (ع).
  وثانيا: ظاهر الرواية كون الأب " علي بن ابي حمزة " كان متوفيا، توفي في زمن الرضا (ع). الرواية وردت " عن أبي الحسن عليه السلام " وإطلاق ابي الحسن ظاهر في الكاظم (ع)، وإن كان قد يقال إنه اصطلاح متأخر.
وعبارة اخرى: أن المراد من ابي الحسن (ع) إن كان الامام الكاظم، فلا يمكن سؤال الحسن عن تدبير أبيه لأن الأب علي بن أبي حمزة كان لا يزال حيا، والسؤال يقتضي وفاته.
 وإن كان المراد من ابي الحسن (ع) الرضا، عارضت هذه الرواية المادحة له روايات كونه من اهل النار.
وثالثا: من المستبعد أن يسأل الحسن بن علي بن أبي حمزة الواقفي وبناء على أنه حركة انحرافية الامام الرضا (ع) لأنه لا يعتبره إماما بل هو بنظره مدع للامامة، كذّاب، وفي وضع صراع معه.
  هذه القرائن تظهر تدافعا وتهافتا في نفس الرواية سندا ودلالة، والذي أعتقده أن هناك تصحيفا من الكتّاب والنساخ، لكن قد يقال بأصالة السند. نقول: أن أصالة السند أصل عقلائي لا بد منه للعمل بالخبر لكنه لما كان أصلا عقلائيا، يجري لإلغاء احتمال السهو والنسيان وغيره ذلك عن الراوي والناسخ، لكن هذا الإلغاء عن كان الاحتمال ضعيفا. أما إذا كان كبيرا للتهافت الموجود في متن الرواية مثلا فلا تجري أصالة السند عقلائيا.
 والنتيجة: عن في مضمون الرواية ما يجعلنا نشكك فيها، والتصحيف احتمال قوي، فلا يمكن الأخذ بها.
  وعليه لا تكون دليلا وخادشا بالقاعدة " لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ".
  غدا إن شاء الله ننتقل إلى يوسف بن ظبيان.


[1] في الرواية تارة هناك نقل، وتارة هناك فقه. زرارة كان ناقلا ثقة وفقيها، واهميّة الفقيه ( الروايات بمعظمها كما يذكر الحر العاملي رويت بالمضمون وليس بالنص ) حتى يكون المضمون سليما يجب ان يكون الناقل فقيها، يسمع من الامام (ع) ويفهم الجو العام للرواية فينقلها ويعبر عن المضمون بأدق تعبير، مثلا: في رواية " على اليد حتى تؤدي " من حرف " على " فهمنا احكام كثيرة. لذلك في التعارض يقدم الأفقه. قد يقال ان التعارض عبارة عن نقل ولا دخالة للأفقه. الجواب: ان الافقه ينقل نقلا سليما لذلك يقدّم، وهذا يتلاءم مع السليقة البشرية في حكمة اعتبار الأخبار. وذكرنا ان المرجحات التي ذكروها ليست سوى تطبيقات للأقربية إلى الواقع ولا داعي لان تجعل تعبديات
[2] كليات في علم الرجال، الشيخ السبحاني، ج1، ص237.
[3] أي جعل العبد حرا دبر حياته .
[4] تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج8، ص262، باب التدبير، ح953.