العنوان: مناقشة قاعدة
التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن
ثقة.
-التعليق
على كلام السيد الخوئي (ره): من كان ثقة في الواقع ونفس الأمر.
بعد التذكير بما سبق نقول: إننا لم نفهم المراد في كلام السيد
الخوئي (ره) بقوله: " إلا عن
ثقة في الواقع ونفس الأمر ".
- فإن كان المراد ذاتا، فهذا أمر لا
يمكن أن يعرفه أحد، لأن الوثاقة صفة نفسية وليست أمرا نفسيا محسوسا فلا يمكن أن
يرى وينقل، الوثاقة أمر حدسي قريب من الحس، وإنما تعرف بآثارها لا بنفسها.
[1]
- وإن كان المراد ما عند الناس وهو
الظاهر، إذ لا يحكم بالوثاقة إلا من خلال تصرفات الإنسان الخارجية، ولذلك عبّر
عنها بالحدسي القريب من المحسوس، كالشجاعة والكرم، وهذه التصرفات الخارجية معلومة
واضحة لجمع الناس وليس لابن أبي عمير وحده
[2].
ومن هنا ففي أغلب الأحوال يكون ما عند ابن أبي عمير هو نفسه ما عند الناس، فابن
أبي عمير أحدهم وما يراه ويلمسه ويلاحظه من تصرفات الشخص الموصوف هو نفس ما يراه
الناس، فلا يمكن التفكيك اقتضاء بين ما عند الناس وما عند ابن أبي عمير. وقد قلنا
سابقا إن اتصاف شخص بالوثاقة ناشئ من إخباره مرات متعددة بأمر صحيح واقعا فاكتسب
بذلك صفة (ثقة)، وهذا أمر يلحظه الناس جميعا.
ولذلك كان الثقة باعتقاد ابن أبي
عمير هو ثقة عند الناس غالبا، وهو ما عبّر عنه السيد الخوئي(ره): " من كان
ثقة في الواقع ".
ولو اختلف ابن أبي عمير عن الناس في
توثيق شخص ما، فهو أمر نادر، ويكون لأسباب خاصة عنده وملاحظات لديه دون غيره.
إلفات: هناك فرق بين توثيق ابن أبي
عمير وتوثيق الشيخ الطوسي (ره):
- إن ابن أبي عمير كان معاشرا لمن روى
عنهم، وقريبا منهم، ولذلك نأخذ بتوثيقاته لأنها نقل عن حدس قريب من الحس فإن
الصفات النفسية لا ترى بالعين المجرّدة، والإخبار بها حدسي مع ذلك فقد ثبتت سيرة
العقلاء على أن الإخبار بها كالإخبار بالحسيّات إذا كانت قريبة منها ومنتزعة منها:
فقالوا: حدس قريب من الحس.
- أما الشيخ الطوسي (ره) فقد كان بعيدا
بحوالي قرنين من الزمن مما يجعل للحدس مجالا، ولذلك ذهب بعضهم كالشيخ فخر الدين
الطريحي (ره) في مشتركاته إلى ان ثوثيقات الشيخ والنجاشي (ره) يحتمل كونها مبنية
على حدسهما، فلا يعتمد عليها.
والجواب: الانصاف ان الأقوى هو اتكال
العلمين على الكتب الرجالية الموجودة بين أيديهم، حيث يصرح النجاشي بذلك فيقول:
" ذكره أصحاب الرجال "، ويقول الشيخ (ره) في العدّة في آخر فصل في ذكر
خبر الواحد:
" إنا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال
الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقت بين من يعتمد على
حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح فهم، وذمّموا المذموم،
وقالوا: فلان متهم في حديثة، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي
ذكروها، وصنفوا في فهارسهم، حتى أن واحدا منهم إذا انكر حديثا طعن في إسناده، هذه
عادتهم على قديم وحديث لم تنخرم ". إذن كلام الشيخ الطريحي مردود، وحكمهما في
التوثيق والتضعيف هو عن نقل لانهما اخذا من كتب الرجال التي كانت عندهما.
فالشيخ (ره) كان يتكل على ما وصله من
الكتب، وقد ذكر البحاثة آغا بزرك الطهراني في كتابه " مصفى المقال " أن
عدد الكتب الرجالية من زمن الحسن بن محبوب وهو من أصحاب الكاظم (ع) والرضا (ع)
إلى زمن الشيخ نيف ومائة كتاب.
فالظاهر أن الشيخ (ره) والنجاشي قد
وثقا عن الكتب الرجالية، أي عن نقل وحس.
نعم لو دار الأمر ما كان بلا واسطة،
وبين من تعددت الوسائط في نقله، فلا ريب أن العقلاء يقدّمون ما كان بلا واسطة، إذا
لم يكن قرينة على خلاف ذلك.
[3]
ولذلك قلنا سابقا أن الخبر لا يمكن
العمل به إلا بإجراء أربعة أصول: أصالة السند، أصالة الجهة، وأصالة الدلالة،
واصالة التطابق. ويمكن إرجاع أصالة الدلالة وأصالة التطابق إلى أصالة الظهور،
فتصبح الأول ثلاثة.
وأصالة السند معناها أن الراوي وإن
كان ثقة عدلا لكن يحتمل ان يخطأ، ولدفع هذا الخطأ نجري أصالة السند العقلائية.
ونرى أن أصالة السند مع تعدد الوسائط يقوى الظن أنه روى عن سهو أو نسيان أو عن خطأ
إلى ان يصبح الخدش واحتمال الخطأ أكبر وصار يعتد به عقلائيا، أصالة السند تسقط
حينئذ عن الحجيّة ومع زيادة مع كل واسطة الاحتمالات يتضعضع جريان أصالة السند.
هذا هو الفرق بين نقل ابن ابي عمير عن
ثقة ونقل الشيخ الطوسي (ره) عن ثقة في تعدد الاحتمالات.
هناك احتمالان آخران في جواب لماذا
رووا عن الضعاف؟ ثم نتعرض لكل واحد من الضعاف على حدة. ويكفي تماميّة الاحتمال
الواحد لماذا رووا عن الضعاف؟ كمبرر لعدم نقض القاعدة.
غدا ان شاء الله نتعرض لهذين
الاحتمالين.