الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
-الطعن في دعوى التسوية.
-الطعن في دعوى عدم الرواية إلا عن ثقة.
  النقطة الثالثة:
  الطعن في القاعدة، وهو على نوعين: طعن في دعوى التسوية، وطعن في دعوى عدم الرواية إلا عن ثقة.
  أما الطعن في التسوية.
   اشكل السيد الخوئي (ره) وغيره في الطعن على القاعدة بإشكالين: ان التسوية غير سليمة وان الشيخ الطوسي بنفسه وهو الذي نقل هذه القاعدة طعن على بعض الروايات بالإرسال رغم ان مرسلها ابن ابي عمير وأمثاله.
 الاشكال الثاني: ان الشيخ الطوسي (ره) يروي روايات بسند صحيح عن ابن ابي عمير، وابن ابي عمير يروي فيه الضعاف، وذكر ثمانية ضعاف.     
 اما الطعن الاول فهو في بعض الروايات التي ذكرها الشيخ الطوسي (ره) نفسه في كتابيه التهذيب والاستبصار، بسند صحيح عن بعض هؤلاء الثلاثة واضرابهم، وهم يروونها مرسلة. ثم يطعن فيها الشيخ الطوسي (ره) بالإرسال.
 من هذه الروايات [1]: ما في تهذيب الاحكام للشيخ الطوسي (ره) ح (119) 58: فأما ما رواه محمد بن أبي عمير قال: روي لي عن عبد الله يعني ابن المغيرة يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام أن الكر ستمائة رطل. فأول ما فيه أنه مرسل غير مسند، ومع ذلك مضاد للاحاديث التي رويناها، ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا، ويحتمل أن يكون الذي سأل عن الكر ( محاوله منه للجمع بين الروايات ) كان من البلد الذي عادة أرطالهم ما يوازن رطلين بالبغدادي فأفتاه على ما علم من عادته ويكون مشتملا على القدر الذي قدمناه في الكر. [2]
 الفات: هناك مسألة في مباحث الالفاظ: وهي ان السائل إذا كان من بلد يختلف فيه المفهوم عن بلد الامام (ع)، واختلاف الاعراف موجود في المفهوم والكيفيات والكميّات، كما في الفقه انه لا ربا في المعدود، بل الربا في الموزون والمكيل. اما إذا كان الشيء في بلد يباع عدا وفي بلد يباع وزنا، كالجوز والبيض، هل هذا يعدّ من الربويات الذي لا يجوز فيه البيع والشراء لأنه بيع ربوي؟. هذه المسألة موجودة، هل ان الامام (ع) يتكلم بعرف بلد المتكلم أو بحسب عرف الامام (ع) أي بحسب البلد التي يكون فيها، لأنه ليس هناك عرف خاص بالإمام (ع)، فلو اختلف أهل المدينة عن اهل الكوفة بشيء وجاء مدني إلى الامام (ع) بالكوفة، هل الأصل ان يتكلم معه بعرف اهل المدينة ام أهل الكوفة؟ لذلك ورد في رواية تقدير الكر بستماية رطل وهي تختلف عن بقيّة الروايات بألف ومئتي رطل وهي قريبة لروايات السعة، أي بثلاثة أشبار ونصف، وثلاثة أشبار ونصف، وهي أقرب من الست مئة، ولذلك احتمل الشيخ الطوسي (ره) في مقام الجمع بين الروايتين ان يكون السائل من البلد الذين عادة ارطالهم ما يساوي الرطلين بالبغدادي.              
  وفي مقام الطعن ذكر الشيخ (ره) ثلاثة أمور: اولا: فأول ما فيه أنه مرسل غير مسند، ثانيا: ومع ذلك مضاد للأحاديث التي رويناها، ثالثا: ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا.
الخدش الاول: كلمة " فأول ما فيه " هل هي طعن وخدش، أم هي مجرد عرض واقع بان الرواية مرسلة؟
 نقول: هذه الكلمة ظاهرة في الطعن والخدش وليست في مقام العرض.
 الظاهر من الشيخ (ره) أنه لا يأخذ بمراسيل ابن ابي عمير، وفي العدّة يقول أن مراسيله معتبرة كمسانيده، هذا تناقض وتناف بين الكلامين.
قد يقال من باب دفع دخل: أن روايات كثيرة بالعشرات رويت مرسلة فلا يخدش رواية أو روايتين، فما من عام إلا وقد خصّ، فليكن من باب التخصيص.
ولكن الإنصاف أن يقال أن اللسان ليس لسان تخصيص فالتعبير بقوله: " فأول ما فيه أنه مرسل " لسان طعن بالرواية بالإرسال، وهذا تناف وتعارض بين كلامه في العدّة وبين كلامه في التهذيب، مع العلم والانتباه ان بين كتابة العدّة والتهذيب حوالي خمسة واربعين سنة، أي حين كتب العدّة كان في الثمانينات مرحلة النضوج الكامل، اما في التهذيب فكانت مرحلة جمع وحفظ للروايات وكانت بتكليف استاذه الشيخ المفيد (ره) على ما يظهر من بعض كلماته (ره).
 الخدش الثاني: " ومع ذلك أنه مضاد للأحاديث التي رويناها " وهي في التهذيب: فأما ما يدل على كمية الكر:    ( 113 ) 52 فما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكر من الماء الذي لا ينجسه شيء ألف ومائتا رطل.
فأما الأخبار التي رويت مما يتضمن التحديد بثلاثة أشبار والذراعين وما أشبه ذلك، فليس بينها وبين ما رويناه تناقض، لأنه لا يمتنع أن يكون ما قدره هذه الاقدار وزنه ألف رطل ومائتا رطل، وأنا أورد طرفا من الاخبار التي تتضمن ذكر ذلك، فمنها : ... [3]
 نذكر هذه الروايات لوجود نقط مهمّة وهي أن الرواية المضادة هي أيضا مرسلة عن ابن ابي عمير، يقول: " عن ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا "، كيف قدت رواية مرسلة على رواية مرسلة ايضا؟
 في هذه الرواية الأولى المضادة لم يعلّق الشيخ (ره) بشيء، لم يذكر أنه مرسلة، لم يذكر هنا الإرسال وذكره في الرواية الثانية؟
الخدش الثالث: " ومع ذلك لم يعمل عليه احد من فقهائنا " أي بان الكر ست مئة رطل، وهذا طعن بالرواية بأن الفقهاء أعرضوا عنها، وهذا بيان لأسباب الضعف بهذه الرواية.       
 فالروايات التي فيها " أنه أول ما فيها أنه مرسل " هما روايتان عن ابن أبي عمير.
  غدا إن شاء الله نذكر الرواية الثانية ونبيّن تخريج هاتين الروايتين.


[1] لا يوجد إلا روايتين ابن ابي عمير واما الباقي فعن غير الثلاثة  مثل عبد الله بن المغيرة وغيره.
[2] تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص43، أبواب الاحداث الموجبة للطهارة، ب3، ح58.
[3]  تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص41، ح52.