الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: ثبوت النسب بطفل الانبوب.  
-مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: ان صفوان، وابن ابي عمير، والبزنطي، واضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
- التعليق على  كلام السيد الخوئي (ره).
 بعد استعراض ما مرّ نكمل نقاش كلام السيد الخوئي(ره):
رابعا: أما كلمة " سوّت " في قوله (ره) توحي بأنه نقل عن حسّ وليس عن حدس، نعم قوله: " ولأجل ذلك " قد يكون قرينة على كونه اجتهادا واستنباطا من الشيخ الطوسي (ره).
خامسا: إن الظاهر من كلام العدّة أن الدعوى الثانية وهي التسوية مستنتجة من الدعوى الاولى وهي عدم الرواية أو الارسال عن ثقة، وهذا الاستنتاج حدسي كما هو الظاهر، فيكون لدى الشيخ الطوسي (ره) اتفاقا مدركيا، أي أن التسوية إن ثبتت فهي باتفاق مدركي منقول، لأنه اجماع نقله الشيخ ونقل مدركه.
 وحل الاشكالات على هذه القاعدة سيكون في معرفة إين يكون الحدس وأين يكون الحس، حدس الشيخ (ره) واجتهاده حجة عليه، اما نقله فهو حجة علينا لأنه خبر ثقة. فمن كلمة " لأجل ذلك " الاستنتاج قد يكون منه هو، أما التسوية في " سوّت " قد تكون واقعا متحققة بان الطائفة قد سوّت بين المراسيل والمسانيد.
 إذن هناك ثلاثة مراحل بل ثلاثة دعاوى: الدعوى الاولى: بانهم لا يروون إلا عن ثقة. المرحلة الثانية: انه استنتج منها. المرحلة الثالثة: وهي الدعوى الثالثة وهي التسوية.
الدعوى الاولى نقل عن حس قطعا. الدعوى الثانية هذا الاستنتاج الظاهر منه انه منه هو عن حدس. الدعوى الثالثة " التسوية " يمكن ان يكون واقع الحال بان الطائفة سوّت. إذن الحدس على هذا الاحتمال فقط في الاستنتاج، اما الدعويين فهما حسيان وانحصر الامر الحدسي في الاستنتاج. فيكون ما بناه السيد الخوئي (ره) في رد القاعدة غير تام. هذا هو الاحتمال الاول، أي أن الشيخ الطوسي (ره) نقل اجماعين (أو اتفاقين) [1]: اجماع عن حس وهو عدم الرواية إلا عن ثقة وهي الدعوى الاولى. وثانيا: اجماع أو اتفاق مدركي منقول وهو التسوية.   
والاحتمال الثاني: وقولنا إن " ثبتت " لأن بعض الفقهاء كما قيل كان ينسب القول إلى الطائفة بمجرد كون الرأي مستندا إلى قضية إجماعية، وقد احتمل هذا في حق إجماعات الشيخ الطوسي (ره) ولعلّ منها مسألتنا، فإن التسوية لما استندت إلى اتفاق بأن ابن أبي عمير لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، استنتج الشيخ اتفاق الطائفة على ذلك، أي أن نقل الاجماع كان اجتهاديا حدسيا. [2]    
  وبالنتيجة: يحتمل ان تكون التسوية متحققة واقعا، ويحتمل أن تكون التسوية غير متحققة، بل هي مستنبطة من أمر متسالم عليه – وهو أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة -، من هذا المنطلق نسب الشيخ (ره) التسوية إلى الطائفة.
  إلى هنا نستطيع أن نلخّص ما نذهب إليه في ظهور كلام العدّة: إن لديه دعويين:
 الاولى: إن هؤلاء الثلاثة وأضرابهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، هذه الدعوى نقلية وليست اجتهادا، وما كان عن نقل فهو حجة معتبرة لكون الناقل عدلا ثقة وهو الشيخ الطوسي (ره)، ونحن ملزمون باعتبارها حينئذ.
 الثانية: إن الطائفة سوّت بين مراسيلهم ومسانيدهم، هذه الدعوى لم يثبت كونها حسيّة نقلية، فلا يبعد كونها حدسا واجتهادا منه (ره) وعليه فنحن غير ملزمين بها، بل هي كبقية اجتهاداته التي خالفها الكثيرون.
ويحتمل قويا كون نسبة الشيخ (ره) التسوية إلى الطائفة غير متحقق، وفي احسن الاحوال أي لو تحقق فهو اتفاق منقول مدركي صريح بالمدركية. وما هذا شأنه ساقط عن الاعتبار للزوم العودة إلى المدرك.
إذن هناك من ينسف القاعدة كليا بأنه أيضا يروي عن غير ثقة، كالسيد الخوئي (ره)، والمحقق في المعتبر وغيرهم. وهناك من يعمل بالقاعدة كالشيخ الطوسي (ره)، والمحقق الثاني الكركي (ره) في رسائله يقول: ولا يعمل اصحابنا من المراسيل إلا بما عرف أنه مرسله لا يرسل إلا عن ثقة كابن عمير، وزرارة، وابن بزيع، واحمد البزنطي، ونظائرهم ممن نصّ عليه علماء الاصحاب.
النتيجة: ان هناك دعويين: الاولى :دعوى انه لا يروون إلا عن ثقة، وهذه ظاهرها انه نقل عن حس.
 والدعوى الثانية: ان الطائفة سوّت، هذه الدعوى غير تامة وغير ثابته، ولو ثبتت فهي اتفاق، اجماع مدركي منقول.         
  النقطة الثانية في منشأ هذه القاعدة:
التعليق الخامس: عند الكلام في منشأ هذه القاعدة يقول السيد (ره): فمن المطمأن به أن منشأ هذا الدعوى هو دعوى الكشي الاجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء. وقد زعم الشيخ أن منشأ الاجماع هو أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة، وقد مر قريبا بطلان ذلك. ويؤكد ما ذكرناه أن الشيخ لم يخصّ ما ذكره بالثلاثة المذكورين بل عممه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به. [3]
 أقول: هذا حدس من السيد الخوئي (ره) نفسه، وهو حجة عليه.
 بعبارة اخرى: نقول: ان الامور الحدسية وعن اجتهاد، المجتهد ملزم بها، أما الأمور النقلية الحسية نحن ملزمون بها.  
غدا ان شاء الله نكمل.



[1]  استطراد: يقال اتفاق لأنه قد لا يستنتج منه رأي الامام (ع). اما الاجماع اصطلاحا هو كل ما يستنتج او يستكشف منه رأي الامام (ع) وهو الذي يكون حجة. وذكرنا سابقا ان هناك مراحل وتسلسل في مقام الحجية: اولا: الضرورة، ثم البديهة، ثم التسالم، ثم الاجماع، ثم الاتفاق.     .
[2] وهذا موجود لذلك فسر احيانا التناقض الكثير في اجماعات الشيخ الطوسي (ره)، والمحدث البحراني (ره) في الحدائق كان يقول: كان عندي رسالة للعلامة الحلي (ره) يذكر فيها سبعين موردا ينقل فيه الشيخ الطوسي (ره) اجماعات متناقضة بنفس الموضوع والمورد. والمحدِّث (ره) يقول ان الرسالة قد فقدتها بسبب كثرة التنقلات.
[3]  معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص 61.