الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: ثبوت النسب.
-طفل الانبوب: من هي الأم؟
القول الثاني أن صاحبة البويضة [1] هي الأم.
  نذكر قبل ذلك بعملية تكون الجنين: كل ما عند الانسان من خلايا هي 46 كروموزوما ما سمي بالصبيغيات إلا الخليّة الوراثية فتتضمن 23 كروموزوما. ونجد أن العرف اللغوي العام يتبع هذه القاعدة البيولوجية أيضا، ما كان منه 22 كروموزوما زائد كروموزوم y  رمز الذكورة، وما كان من 22 الباقية زائد  كروموزوم الأنوثة x فهي من البويضة.
22 كروموزوما تحمل كل الجينات الوراثية التي تحمل الصفات الوراثية من الطول والعرض وكبر ولون العينين وغيرها ويقال أنهم إلى الآن قد اكتشفوا  مائة الف جين وبذلك تكون قد اكتملت الخريطة الوراثية، وعند حصول حالة الاندماج تبدأ عملية التغريز في جدار الرحم بين الحيمن والبويضة وتتلوها عملية التقسيم والتكاثر للخلية، فيصبح في جسم كل إنسان ملايين الاخوة له كلها نائمة إلا واحد فاعل.
 ففي طفل الانبوب بدل أن يكون التلقيح في الرحم في قناة فالوب يصبح التلقيح في الانبوب خارج الرحم، وإلى الآن لم يستطيعوا أن يصنعوا رحما كاملا، ولم يستطيعوا أن تكون الحامل هي نفس صاحبة البويضة بل هي امرأة أخرى، لذلك نتجت هذه المشكلة بان الحامل هي صاحبة البويضة أم هي الحامل؟.
 ما يمكن أن يستدل به على كون صاحبة البويضة هي الأم أمور:
 اولا: القرآن الكريم: ) بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ( [2].
 " من " [3] هنا الظاهر أنها ابتدائية أي أن بداية التكوين هي النطفة، ومن قوله " جعلناه " نفهم أن هناك مراحل فيكون المعنى هو الابتداء وهو مرحلة من المراحل، الاستدلال هو في كلمة " امشاج ".
الشاهد في الآية في لفظ " أمشاج "، يقول الطوسي في تفسير التبيان في تفسير كلمة " امشاج " قال ابن عباس أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة. وقال الحسن والربيع بن أنس ومجاهد مثل ذلك. وقال قَتاده: معنى أمشاج أطوار طورا نطفة وطورا مضغة وطورا عظما إلى أن صار إنسانا ليختبره بهذه الصفات. وقال مجاهد: معناه ألوان النطفة. وقال عبد الله: عروق النطفة. وواحد الأمشاج مشج وهو الخلط؛ وسمى النطفة بذلك لأنه جعل فيها أخلاطا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة ثم عدّلها له ثم بناه البنية الحيوانية المعدّلة الأخلاط ثم جعل فيها الحياة ثم شق له السمع والبصر [4] فتبارك الله رب العالمين، وذلك قوله:" فجعلناه سميعا بصيرا " وقوله: " نبتليه " أي نختبره بما نكلّفه من الأفعال الشاقة لننظر ما طاعته وما عصيانه فنجازيه بحسب ذلك.
ويقال مشجت هذا بهذا إذا خلطته به وهو ممشوج به ومشيج أي مخلوط به. [5]
  والاستدلال بالآية هو بكلمة:" امشاج " والظاهر أن معناها لغة الخليط، حتى ما ذكر من الاطوار الطبائع هو خليط الوان وخليط عروق، اساس المعنى هو الخليط وتطبيقه على الطبائع وغيرها.   
 ويقول في لسان العرب في مادة مشج: المشج والمشج والمشج والمشج ...جمع أمشاج مثل يتيم وأيتام . ومشجت بينهما مشجا خلطت والشيء مشيج . ابن سيده. والمشيج أختلاط ماء المرأة.  ابن اسكيت: الأمشاج الأخلاط. [6]
 الاصل أن قول اللغوي ليس بحجة وليس دليلا على المعنى الحقيقي، لكن الاستعمال المتكرر قد يعطي حالة من الاطمئنان أو من التبادر، [7]  فيكون اللفظ الموضوع له في " امشاج " هو الاخلاط وفي الآية اعرابها نعت لنطفة. لذلك يوجه في تفسير الآية قول ابن عباس خليط من ماء الرجل وماء المرأة، كل ما في الأمر أن في ذلك الزمن ماء المرأة هو هذه السوائل التي تخرج منها ما قد يسمى مني المرأة عند البعض، وذكرنا سابقا أن مني المرأة ليس هذا وليس هو عبارة عن البويضة، مني المرأة لا يقابل منيّ الرجل فلكل منهما وظيفة تخصّه.
 لكن عندما نعلم حديثا أن هناك بويضة ولا ترى بالعين المجردة يساوي قطرها 0،2 ملم وتحمل المئة الف جين وراثي، وبالاستعانة بهذه الامور يمكن حينئذ ان يصبح للآية تفسير واضح وتطمئن اليه بان " امشاج " هي خليط بين جينات المرأة وجينات الرجل. تطمئن إلى هذا المعنى بعد اكتشاف البويضة وبعد علمنا بأن السوائل التي تخرج من المرأة مثلها مثل المذي عند الرجل لا علاقة له بتكون الجنين.
 فالاكتشافات العلمية تنفعنا في فهم الكثير من الآيات والروايات وتحقق ظهورا آخر للمعنى، لان الحجة عندنا هو الظهور، ويمكن القول أن لكل زمن ظهوره، مثلا: ) وجعلنا الرياح لواقح ( [8] احتاروا في تفسيرها حتى ان بعض أبناء العامة كما نقل استدل بها على انه إذا كانت المرأة في الشرق والرجل في الغرب الريح تحمل الحيامن. لكن بعد الاكتشافات العلمية وعلمنا بأن الريح تنقل اللقاح من شجرة إلى أخرى، اصبح هناك حالة من الظهور في تفسير اللواقح، الحجة هو الظهور. القرآن لكل العصور ولكل عصر معناه وظهوره الذي يكون حجة عليه، مع التطورات الحاصلة نستطيع ان نفهم الآيات والروايات بشكل آخر.         
 نعم الاكتشافات العلمية وحدها قد تكون خاطئة وناقصة وتؤدي إلى معان أخرى فيها خلل، حتى المسلمات قد ثبت انها قد تتغير [9]
الدليل الثاني الروايات:
 ما يمكن أن يستدلّ به على أن الأم هي صاحبة البويضة من الروايات.
   منها: ما رواه الصدوق في علل الشرائع قال: حدثنا المظفر بن جعفر العلوي (رض) [10]قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود (العياشي) عن أبيه قال: حدثنا علي بن الحسن  (ابن فضال) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن زرارة عن علي بن عبد الله عن أبيه عن حدّه عن أمير المؤمنين (ع) قال: .... " تعتلج  النطفتان في الرحم فأيتهما كانت أكثر جاءت تشبهها، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله وإن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه. وقال .[11]
   والكلام في السند والدلالة:
   أما السند:
 قال الصدوق (ره) حدثنا المظفر بن جعفر العلوي (رض) كلمة (رض) الصدوق عندما يترضى على شيخه أو على شخص فهل هو دليل وثاقة واعتبار واحترام وجلالة؟ الصدوق لم يترض عن الجميع، عالم الرجال قد يقول أن هذه ككلمة رحمه لله مجرد ترحم وليس أكثر من ذلك. هل هذا كذلك؟
 ورحمه الله تختلف عن كلمة " رضي الله عنه " وما نفهم منها مع اختلاف معناه في بين العصور والامكنة، الالفاظ احيانا يختلف معناها مثلا: إذا قلنا " ساعدكم الله " في العراق معناها الدعاء له، أما في لبنان يختلف المعنى بين عوام الناس ويعني مذمّة أو شفقة، وككلمة مجتهد كان معناها من يعمل بالقياس والاستحسان تستعمل عند ابناء العامة، لم يكن الشيعة يستعملون هذه الكلمة والآن في عصرنا انقلبت واصبح الاجتهاد عند الامامية، وهكذا كثر من الالفاظ.
  وكبحث جدير بالاهتمام هل كلمة (رضي الله عنه) هي توثيق وتجليل من الصدوق (ره) لمن يترضى عليه أو مجرد ترحم. بعضهم قال انه مجرد ترحم، لكن هناك ملاحظات: أن الصدوق (ره) لا يترضى عن كل مشايخه، وهذا يدل على أن البعض يختلف عن الآخر. ثانيا: أن كلمة (رض) فيها احترام. وثالثا: أن المادح والراوي هو الشيخ الصدوق. ورابعا: إذا كان مجرد ترحم لترحم عن بقية كل من روى عنه الحديث.
الذي أراه واطمئن له ان هذا الترضي دليل الاحترام والتجليل، هذا الاحترام مع عدم وجود من ينقضه ويكذبه أو يسقطه، يطمئن له الشخص.
 غدا ان شاء الله نكمل الكلام في السند.



[1] اصل الكلمة بييضة لكن لكثرة الاستعمال الخاطئ قيل بويضة، ونحن سنستعمل اللفظ الخطأ لان اللغة عبارة عن بيان، واللفظ الخاطئ أو العامي قد يبين المعنى اكثر من اللفظ الصحيح، والحكمة من اللغة هي البيان لذلك قد نستعمل بعض الكلمات الخطأ.      .
[2] سورة الانسان، أية 2.
[3]  من لها عدّة معاني من جملتها الابتداء كسِرتُ من النجف إلى بيروت، أو من البيانية كخاتم من حديد. أو تبعيضية او غيرها، والظاهر هو الأول.  .
[4] سترد هذه المعاني في الروايات " اختلاط الطبائع "، في كتاب علل الشرائع ذكرت هذه الروايات قد تستنكر بعض مضامينها لكن حصول بعضها بعد أن كان مستغربا يجعل الآخر بمكان من الامكان.
[5] التبيان في تفسير القرآن لشيخ الطائفة جعفر بن محمد بن الحسن الطوسي، ج10، ص 206 و 207. .
[6] لسان العرب، ابن منظور، ج 2، ص 367.
[7]  ذكر في الاصول ان ما قيل بدلالته على المعنى الموضوع له: التبادر، صحة الحمل، عدم صحة السلب، الاستعمال، الاطراد، قول اللغوي، اصالة عدم الاشتراك، استصحاب عدم الوضع، إلى آخره. قلنا هناك ان الاستعمال ليس دليلا على الحقيقة ولا قول اللغوي. .
[8] حجر/سوره15، آیه22.     
[9] كقاعدة: أن لا شيء يفنى ولا شيء يخلق. قد تبيّن انها ليست معادلة حقيقية ثابتة.        .
[10] في رواية اخرى في البحار قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن مظفر العلوي.  .
[11] علل الشرائع ج1، ص95، ب85 علّة النسيان والذُكر وعلّة شبه الرجل بأعمامه وأخواله، ح4.