الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: ثبوت النسب.
-طفل الانبوب: من هو الأب؟
   الدليل الثالث على أن الأب هو صاحب النطفة تكوينا: هو العرف، بمعنى: أن هل للشارع مفهوم خاص للولديّة أو للأبوة أو للبنوة؟ الظاهر أنه ليس له مفهوم خاص، وقلنا أنه بحسب القاعدة: ما استعمله الشارع من الألفاظ التي لها معنان عرفية من المعنى العرفي مقبول عنده بمعانيها العرفية. وعليه الولد الشرعي هو نفسه الولد العرفي مفهوما ولغة. وبعبارة أخرى ليس هناك حقيقة شرعية، لذلك كل ما احتملناه من شرائط نطرده بهذه القاعدة، فإذا شككنا باشتراط المباشرة الجنسية أو حتى المبرر الشرعي للوطء، نقول: هذا ولد عرفي فإذا انطبق عليه مفهوم الولد فهو ولد شرعا، وإذا شككت ببعض الشرائط أطردها بأصالة الإطلاق، وعليه يكون الإشتراط هو الذي يحتاج إلى دليل، ولذلك فإن اعتبار وطء الشبهة ولد هو على القاعدة وهو ولد عرفي بيولوجي تكويني، بعبارة اخرى: ولد الشبهة لا يحتاج إلى دليل حتى يكون يعتبر ولدا شرعا، بل اسقاط الولدية هو الذي يحتاج إلى دليل.
 ونلاحظ أيضا ما ورد في الروايات من اسقاط توريث ولد الزنى لكنها لم تسقط ولديته وكذلك في ولد الكافر وولد القاتل لا يورث وعدم الارث لا يعني اسقاط مفهوم الولديّة عنه بل هو اسقط حكم التوريث.
النتيجة ان هذه هي الادلة التي يمكن القول بها في الاستدلال على أن صاحب النطفة هو الأب.
  قد يقال أن هناك اسقاط للأبوة  كما في الحديث المشهور أن ولد الزنى لغيّة هي بلحاظ عدم الارث، الولد لغيّة لا يورّث. الوسائل: ح2 - وعنه عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام معي يسأله عن رجل فجر بامرأة ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجائت بولد هو أشبه خلق الله به، فكتب بخطه وخاتمه: الولد لغية لا يورث. وباسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن الحسن القمي مثله. ورواه الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن علي بن سيف، عن محمد بن الحسن الأشعري. وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن الحسن الأشعري. ورواه الصدوق باسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري مثله. [1]
من ناحية الدلالة قلنا أن لُغيَّة أو لُغية تعني انهاء الاثر ولا يلغى تكوينه ومفهومه، لذلك جعل الإمام (ع) عبارة " ولد الزنى لغيّة " مقدّمة وتوطئة لبيان عدم الارث.
 فهذه الروايات ليست دليلا على اسقاط الولديّة نعم هي دليل على اسقاط الحكم، ولذلك قلنا ان ولد الزنى يحق له أن ينظر إلى شعر أمه وأخته، يحق له ان يلمسها ويصافحها والعكس، وأمه يحق لها أن تنظر اليه، نعم سقط الارث وتبقى كل الاحكام. سقوط الاحكام هو الذي يحتاج إلى دليل وليس اثباتها هو الذي يحتاج إلى دليل، لأن عنوان الولديّة قد ثبت، لان ثبوت الحكم للموضوع كانه ثبوت المعلول للعلّة لكنه معلول اعتباري.
 فإذا القول الاول في الابوة شرعا هو الأب البيولوجي التكويني.
 القول الثاني يمكن أن يقال أن الأب هو الزوج مطلقا حتى لو لم يكن صاحب النطفة.
 هذا القول الثاني ساقط لما ذكرناه من الروايات الدالة على أن الأب هو صاحب النطفة، لكن قد يقال ان هناك ادلّة عليه من قبيل " الولد للفراش وللعاهر الحجر"، هذه الرواية تكاد تكون متواترة، لان التواتر هو خبر يمتنع تواطؤ اطرافه على الكذب [2]، وهذا الخبر رواه الخاصة والعامة [3].
 واعادة للتوضيح المراد من الفراش هو الوطء الشرعي، وهو كناية عن الوطء الشرعي وليس المقصود أن يكون فراشا، والكناية هي استعمال اللفظ في معنى مجازي مع امكان حصول المعنى الحقيقي، والمجاز هو استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له مع عدم امكان تحقق المعنى الحقيقي كما في " زيدٌ أسدٌ "، زيد لا يمكن أن يكون أسدا. أما المعنى الكنائي هو استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له مع إمكان تحقق المعنى الحقيقي، كما في " زيد كثير الرماد "، مجاز في الكرم  ويمكن ان يكون واقعا كثير الرماد. ولذلك نشأ اشكال ان الكناية معناها ارادة المعنيين الحقيقي والمجاز، ولا يجوز استعمال اللفظ في اكثر من معنى. الجواب: ان هذا استعمال في معنى واحد وهو المعنى المجازي والمعنى الحقيقي يمكن تحققه وليس هو الذي يراد ويستعمل فيه، ولذلك لو اردت المعنيين معا هذا محال لانه استعمال للفظ في اكثر من معنى.                
   ومعنى و " للعاهر الحجر "  العاهر هو الزاني، والحجر يمكن تفسيره بمعنيين، إما بمعنى الرجم أي ليس له إلا الحجارة، أو بمعنى أنه ليس له شيء، من قبيل " في فمه التراب " أو " كالحجر في جنب الانسان "، الولد للزوج والعاهر ليس له شيء، اللأم للاختصاص وقد يكون هذا مؤيدا لهذا المعنى. وكلا المعنيين وارد.
 فقد يقال " ان الولد للفراش " دليل على اسقاط الولدية عن غير الزوج، ودليل على اثبات الولدية لكل زوج حتى لو لم يكن صاحب نطفة ولعله ما نقله صاحب كتاب المغني ج9 ص54: " ولو تزوج رجل امرأة في مجلس ثم طلقها فيه قبل غيبته عنهم ثم أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد، أو تزوج مشرقي بمغربية ثم مضت ستة أشهر وأتت بولد لم يلحقه وبذلك قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يلحقه نسبه لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ومدة الحمل ".  
 عبارة " الولد انما يلحقه بالعقد ومدّة الحمل "، ظاهرة في أن العقد هو سبب ثبوت هذا المفهوم، وليس مجرد النطفة.
  هذا قد يستفاد منه أن الأب هو مطلق الزوج وذلك بإطلاق الرواية، وقد يستدل به بعض الاعراف بان الزوج هو أب الولد حتى ولو لم يكن صاحبَ النطفة كما عند بعض قبائل في الهند.
 قد يقال: سيدنا ذكرت قاعدة انه ما كان عرفا كان شرعا فهذا عرف؟.
 الجواب: ان المقصود من كان عرفا كان في لسان الشارع وليس بمطلق العرف، لان الشارع إذا استعمله يعني اقرّه. العرف انما يكون دليلا إذا قَبِله الشارع، والقبول تارة يكون باستعمال نفس اللفظ، وتارة إذا كان عادة امضاها أو سكت عنها أو قررها، فهذه اشكال للقبول.
 لذلك هذا النوع من الاعراف لا يكون دليلا، وليس كل عرف يصبح حجّة.
 ولذلك نقول: " ان الولد للفراش " ليس موضوعا بل ورد على نحو القاعدة، عند الشك أن هذا الولد من ماء الزاني أو من ماء الزوج، تأتي القاعدة " الولد للفراش "، أي هو للزوج.
وورد في حديث أخر، الوسائل: ح 1- عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن السندي بن محمد، عن أبي البختري عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله رجل فقال: اني كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد فقال: على الوكاء قد ينفلت فألحق به الولد . [4]   
 من ناحية الدلالة ذكرنا أن هناك احتمالان: أنه عزل ولكن لم يقطع بعدم ولوج المني برحم المرأة،  " فقد ينفلت الوكاء " احتمال موجود  ومعه اصبح من تطبيقات " الولد للفراش ".
 قد يقال انه كان قاطعا بالعزل ومع ذلك صاحب المسالك الحق به الولد. وفي كتاب طفل الانبوب تحت عنوان اقوال مستغربة ذكرنا اننا استغربنا كلام صاحب المسالك (ره) وكلام للسيد الحكيم (ره). ولكن ذكر لي احد الاخوة انه عند الادخال احيانا وبنسبة 23% قد يتسرب بعض الحيوان المنوي المذي فيكون منه الولد، لذلك عبّر الامام (ع) " قد ينفلت  الوكاء " وهو الرباط الذي يربط به الوعاء. لذلك قد يكون هو معنى الرواية قد يقال: لا نأخذ بكل ما يقول الباحثون البيولوجيون.
نقوا: هذا صحيح، ولكن قولهم قد يعطي قوة للظهور في هذا المعنى، لذلك قد يفتي المفتي حتى ولو مع القطع بعدم الانزال ومع الدخول يلحق به الولد، ولا تكون الفتوى مستهجنة. 
إلى هنا نكون قد انتهينا في مسألة من هو الأب؟
والنتيجة: اولا: ان طفل الانبوب بعنوانه الاولي جائز، ثانيا: أن طفل الانبوب يثبت نسبا. ثالثا: أن الأب هو الأب البيولوجي التكويني واحتمال الشرائط الاخرى اطردها بإطلاق المفهوم، ولذلك اشتراط أي أمر لإثبات الأبوة الشرعية بعد تحقق المفهوم، هو الذي يحتاج إلى دليل، ولذلك لما ثبت انه لا يأتي دون ستة اشهر، هذا شرط يحتاج إلى دليل، وقد ثبت الدليل في ذلك. النتيجة: الولدية هي نفس مفهوم الولدية العرفي وهو الولد التكويني واشتراط أمور اخر لإثباته شرعا يحتاج إلى دليل، ثبت منها الزمان، مدّة الحمل، ومع الشك أطرد المشكوك بأصالة الاطلاق.
 غدا ان شاء الله عز وجل نشرع في من هي الأم؟


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ص567، أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه، ب8، ح2، ط الإسلامية.
[2] استطراد:. الخبر كاشف عن واقع، تارة يكشف على نحو قطعي، وتارة اخرى يكشف على نحو ظني. والخبر الكاشف على نحو قطي قسمان: متواتر ومحفوف بالقرينة. المحفوف بالقرينة هو خبر واحد ولأجل قرينة معيّنة نقطع بصدقه. وقد يقال أن كثرة العدد قرينة. القسم الآخر هو المتواتر وهو اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب. وكلمة " جماعة " هي من ماهية المتواتر لأنه لا معنى لان يتواطأ شخص مع نفسه حتى ولو مع القرائن. ثم غير القطعي ينقسم إلى الاقسام التي ذكرت في محله.     
[3] استطراد:. عندما ادعى معاوية بن ابي سفيان زيادا وجعله اخاه، وزياد بن ابيه كان واليا لعلي (ع) على اصطخر، ولما صالح الحسن (ع) رفض زياد ان يصالح وعبأ الناس أن يقاتلوا معاوية، فارسل اليه معاوية ان المال الذي تحت يدك لك وتصبح والي الكوفة وانسبك إلى ابي، فقبل ذلك وصار مع معاوية. لذلك حتى السنّة يقولون كيف تجرأ معاوية وخالف رسول الله، والرسول يقول: "الولد للفراش وللعاهر الحجر".         
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص570، أبواب نكاح العبيد والاماء، ب59، ح1، ط الإسلامية.