الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: محرمات النكاح.
 السبب الرابع في ثبوت النسب: هل طفل الأنبوب يثبت نسبا أو لا؟ ومن هو الاب ومن هي الأم؟
-الدليل الثالث على تحريم طفل الأنبوب هو الاحتياط في الفروج.
-الروايات المعارضة لروايات وجوب الاحتياط.
  ذكرنا في الدرس السابق انهم استدلوا  لوجوب الاحتياط في الفروج بالروايات، وهي الظاهرة في الوجوب لو خلّيت وشأنها، إلا انها معارضة دلالة بروايات أخرى، ويجمع بينهما بأن الأمر بالاحتياط هو أمر إستحبابي مؤكّد.
  من الروايات الصالحة لأن تكون قرينة على أن الإحتياط إستحبابي ما ورد في الرسائل الشيخ الانصاري (ره) في الاصول العمليّة في مسألة البراءة يذكر هذه الرواية: تهذيب الاحكام: ( 989 ) 9 -  (عن محمد بن علي بن الحسين)، عن علي بن إبراهيم عن هارون بن [1]مسلم (ثقة) عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلّه حرٌ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة. [2]    
 المعارضة بلحاظ أن روايات الاحتياط بمجرد الشك يجب التوقف وهذه الرواية تقول بعدم الاحتياط.
من ناحية السند: مسعدة بن صدقة، قد يضعّف، الكشي قال انه بتري، والشيخ (ره) جعله في اصحاب الباقر (ع) وقال أنه عامي. وهل يختلف عن مسعدة بن اليسع ومسعدة بن زياد؟ وهل هو الربعي أم العبدي؟ السيد الخوئي (ره) يقرِّب انهم شخص واحد.
نعم مسعدة بن صدقة وثّق لان رواياته عالية المضامين ومتينة دلالة لا تخرج عن الاصول العامة.
 وعن المجلسي (ره) يقول: الذي يظهر لي من اخباره التي في الكتب انه ثقة لان جميع ما يرويه في غاية المتانة بما فيها موافقة لما يرويه الثقات من الاحصاب ولذا عملت الطائفة بما رواه وامثاله من العامة، بل لو تتبعت اخباره لوجدت اخباره امتن من اخبار مثل جميل بن دراج وحريز بن عبد الله وقريب منه غيره. نعم صحة المتن لا يدل على صحة السند، كل ما في الأمر قد يطمئن إلى صحة الرواية. مع العلم أن صحة الرواية لا تدل على وثاقة الراوي إلا مع التكرار.
ثم إن هذه الرواية أيضا مروية في الكافي ج5، ص 313، باب النوادر، ح40. عن علي بن ابراهيم (عن ابيه) عن هارون بن مسلم، مع العلم أن المتعارف في هذا الكتاب عن علي بن ابراهيم عن هارون بن مسلم بلا واسطة.
 وحينما نذكر بأن الرواية ذكرت في أكثر من كتاب تؤدي إلى شهرة روائية [3]، فنطمئن بحجية الخبر.
إذن في مقام السند يمكن ان توثق الرواية حتى ولو كان بتريا أو عاميا، فنعمل بالرواية واصبحت تعارض روايات الاحتياط الوجوبي.                
من ناحية الدلالة: هذه الرواية فيها " كل شيء هو حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه " تشمل الكليات والأفراد، " فكل شيء لك حلال " تشملها، لكن الامثلة التي أعطاها الامام (ع) في الرواية أعطيت على المصاديق وليس أمثلة كليّة، فهل الرواية تدل على البراءة في الكليّات في العناوين والاحكام أو هي في الأفراد فقط.
هنا الرواية وردت في المصاديق في افراد والذي ينفعنا في مسألة طفل الأنبوب هو البراءة في الكليّات، لأن عملية طفل الأنبوب نبحث عنها هل هي محرّمة أو لا؟ وهو أمر كلي وعنوان وليس فردا.
 فاذا كانت الرواية وردت في التطبيقات للكلي تكون أن الأفراد  إذا شككت بها فالأصل البراءة وليس في العناوين ومسالتنا في طفل الانبوب في حرمة العنوان لا في الافراد. فقد يقال للوهلة الأولى أنه لا تعارض بين روايات الاحتياط في الفروج وهذه الرواية، لأن روايات الاحتياط في الفروج وردت في الأمور الكليّة، أما هذه الرواية فظاهرة في البراءة عند الشك في المصاديق والأفراد لان الأمثلة كاها مفردات قال (ع): " وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلّه حرٌ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ". لذلك قال بعضهم أن هذه الرواية لا تدل على حليّة الكليات وهي خاصة بالأفراد, ولكن  عبارة " كل شيء لك " تدل على العام فتشمل الكليات.
 ثالثا: بعضهم قال أن " كل شيء " تشمل الكلي، وإذا قلنا بانها تشمل الكلي والفرد فقد اصبحت من استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وليس استعمالا للفظ في معنى مجازي يشمل المعنيين.
اختلف الأصوليون في جواز  استعمال اللفظ في اكثر من معنى وملخصا نذكر: بأنه إذا قلنا أن الإستعمال علامة على المعنى ذهبنا إلى الجواز، وإن قلنا أن الاستعمال فناء ومرآة ذهبنا إلى عدم الجواز.
نحن ذهبنا إلى أن الاستعمال ليس علامة على المعنى بل هو فناء كما هو عند الشيخ الآخوند (ره).  من هنا قيل أن " كل شيء " مستعملة في الكلي وفي الفرد فصار استعمال اللفظ في اكثر من معنى وهو باطل ومحال ألا على نحو المجاز.
 لكن نقول: بعدم جواز استعمل اللفظ في أكثر من معنى، لكن أن كلمة " شيء " في الرواية عام يشمل بنفسه الكلي والفرد منها مفردات لمعنى واحد، والمستعمل فيه معنى واحد. وهذا ليس استعمالا في معنيين، من قبيل: " أكرم رجلا أو الرجال أو العلماء " فلا يقال انه استعمال في اكثر من معنى لأنه يشمل العالم الابيض والاسود والعالم والفاسق، والصيني والعراقي إلى آخره، فهذا ليس استعمال في اكثر من معنى، بل لا يزال استعمالا في الكلي. إلا أن يقال ان كلمة شيء لا تدل على الكلي اصلا لان الشيئية تساوق الوجود، لكن هذا الكلام غير سليم.
إما السؤال لماذا الامام (ع) أتى على ذكر الافراد بعد كلمة " كل شيء "؟ فذلك تطبيق على الافراد لبيان شمول البراءة لها، وليس من باب الانحصار.
  وعليه هذه الرواية تدل على البراءة فتعارض في مدلولها الأمر بالاحتياط الظاهر في الوجوب، والجمع بينهما عرفا هو الاستحباب، ولذلك نقول ان الروايات تدل على استحباب الاحتياط استحبابا  مؤكدا، ولذلك الدليل الثالث على حرمة طفل الانبوب غير تام، بل نذهب إلى الاحتياط الاستحبابي المؤكّد لوجود هذه الروايات. بل أكثر من هذا نقول إن الفقهاء لا يتوقفون غالبا في إجراء البراءة عند الشك.
 غدا نكمل بحث العناوين الثانوية لتحريم مسألة طفل الانبوب، كاختلاط الانساب وقتل البويضة الملقّحة ولزوم النظر واللمس.


[1] فائدة:.  يقال " بنِ مسلم " بالكسر لانها نعت لهارون، والفرق بين " بن " و " أب " في قولنا هارون بن مسلم و هارون أبي مسلم، ان "بن" نعت، و "أب" بدل أو عطف بيان، ذلك أن ابن كنية
[2] تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج7، ص226، الزيادات، باب21، ح9.
[3] للتذكير: الشهرة ثلاثة: الشهرة الروائية، الشهرة الفتوائية، والشهرة العمليّة. الفتوائية هي شهرة الفتوى بين الفقهاء والعلماء، وقد تختلف أدلتهم على نفس الفتوى، وهي الشهرة التي اختلف على حجيتها. اما الشهرة الروائية فهي كثرة تداولها في كتب الروايات أو على السُنة الراوين، اما الشهرة العملية وهي اشتهار العمل برواية معيّنة.