الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: محرمات النكاح.
 السبب الرابع في ثبوت النسب: هل طفل الأنبوب يثبت نسبا أو لا؟ وما هو نسبه أما أو أبا؟
-الاستدلال على الحرم بالاحتياط الوجوبي في الفروج. 
ذكرنا أمس الآيات والروايات التي يمكن الإستدلال بها على حرمة عملية طفل الانبوب.
الدليل الثالث على التحريم الاحتياط في الفروج:
 هناك قاعدة مشهورة وهي الاحتياط بأمور ثلاثة: الفروج والدماء والاموال، وطبقت القاعدة على هذه المسألة مما يعني للاحتياط في الزوجة، وكيفية الزوجية، والولدية، وكيفية التوالد، وغيرها كما إذا شككت في زرع نطفة ملقّحة في الرحم فالاصل الاحتياط وليس الاصل البراءة. بعبارة أخرى: الأصل في كل حكم البراءة إلا في هذه الامور الثلاثة.[1]
 ومن جملتها اننا نحتاط هنا في جواز هذه العمليّة، في جواز تشكل ولد بهذا الشكل، فنشك في ذلك فالأصل الاحتياط.
 والجواب بوجهين:
 أولا: في هذه الأصالة، أي في أصل ثبوت الاحتياط الوجوبي في الفروج.
 ثانيا: الكلام في تطبيقها.
 أما أولا: دليل هذه الأصالة أمران: الروايات الخاصة بالفروج، والروايات التي تعم الفروج والدماء والأموال. وإذا بيّنا الروايات الخاصة في الاحتياط في الفروج تهون الروايات العامة.
 اما الروايات الخاصة في الفروج:
 الوسائل: ح 1 - محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن محمد بن أبي حمزة، عن شعيب الحداد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلقها على غير السنة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرُك [2] فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتزوجها. ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد ابن محمد، عن الحسين بن سعيد مثله.[3]
 من ناحية السند: الرواية معتبرة وخصوصا في سند الكليني.
 اما من ناحية الدلالة: هناك نقاط في المتن لا باس ببيانها، اولا في عبارة " طلقها على غير السنّة " وهذا يعني على غير الشروط الشرعية، والفقهاء قسموا الطلاق إلى السني مقابل البدعي. وعليه فإذا كان مواليا لأهل البيت يكون الطلاق باطلا، لأنها ما زالت على الزوجية، اما إذا كان من المخالفين فطلاقه صحيح من باب الزموهم بما الزموا به انفسهم، إلا أن يقال في مقام الرد أن السؤال ليس عن صحة الطلاق أو الزواج وعدمهما، قال: " وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرُك " من باب انه يريد النصيحة، لكن هذا خلاف الجواب بالاحتياط الوارد في ذيل الرواية، ان الاحتياط من الناحية الشرعية وليس من الناحية الادبيّة.
 النقطة الثانية معنى " نحن نحتاط " في قوله (ع) هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتزوجها "، الاحتياط هو براءة الذمة من الواقع المجهول. هل يمكن أن نتصور مجهولية الواقع بحق الامام (ع)؟ ومعنى الاحتياط هنا ليس احتياطا بالفتوى، بل هو فتوى بالاحتياط، أي هو حكم بالاحتياط لا احتياط في الحكم.
النقطة الثالثة: ان الاستدلال بالرواية بـ " هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط " هناك حكم بالاحتياط، لكن كيف علم الوجوب من الاحتياط؟ " امر الفرج شديد " ذكرت كمقدّمة لبيان الحكم، هنا لا باس بالتذكير بناحية توجيهية في كيفية التبليغ، الامام (ع) قبل أن يذكر الحكم يأتي بمقدّمة حتى لا يكون الحكم صدمة للسامع، خصوصا لعوام الناس الذين اعتادوا الجاهلية، قرأت في بعض كتب العامة أن عمر بن الخطاب قال: " لقد أتانا الاسلام بأمور في حقوق المرأة لم نكن نعهدها في الجاهلية ". الامام (ع) يعلمنا طريقة إذا كان هناك شيء لا يتقبله الآخر قدموا له مقدمة. الامام في الرواية: قال: " هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط "، الاحوال الشخصية شيء مهمّ في المجتمع عبرّ عنه الإمام (ع) يقوله: " أمر الفرج شديد "، واقيمت له محاكم خاصة في الزواج والطلاق والوصية والارث، لوجود هذا الاثر الكبير في المجتمع أمر الامام (ع) بالاحتياط.[4]
 ونعود لمتن الرواية: ثم يقول: " ونحن نحتاط فلا يتزوجها " كلام واضح في عدم التزويج، وهذا نفي، وذكرنا في الاصول أن النفي في مقام الانشاء يفيد نهيا، هذه احد صيغ النهي وهو اوقع في النهي، الجمل الخبريّة الواردة في مقام الانشاء آكد في الانشاء، " فلا يتزوجْها "  تارة نقول لا الناهية والجيم ساكنة فتكون من صيغ الإنشاء أي نهي، وتارة " فلا يتزوجُها "  بضم الجيم فتكون اخبارا، صيغة خبرية في مقام الانشاء وهي آكد في الانشاء.
ثم يقول: " ومنه يكون الولد " هل هي تعليل للإحتياط وعدم الزواج فيدور الحكم مداره وجودا وعدما؟، أو أنها إستئناف أو حكمة.
 إذا قلنا أن الاحتياط " ومنه يكون الولد " بمعنى " لأنّ " أصبحت علّة وصار الحكم يدور وجودا وعدما مدارها، إلا أن يقال أنه لا يوجد ظهور بالعليّة والظهور هو الحجة. فإذا صار الاحتياط من جهّة الولدية تكون هناك ثمرة اخرى وهي ان الاحتياط لا يكون في الفروج من كل الجهات، بل من جهة الولدية فقط، أي كل ما يتعلّق بشؤن الولدية يجب أن أحتاط فيه، ففي المرأة التي لا تنجب لا احتاط فيها، وكذلك لا يطبق الاحتياط في مسألة الصيغة، والنكاح المعاطاتي لأن بعضهم استدل على عدم صحة العقد المعاطاتي بأصالة الاحتياط في الفروج.
نعم الرواية بذاتها تؤدي إلى الاحتياط الوجوبي في الفروج لو خلّيت ونفسها، لكن هناك روايات أخرى تكون قرينة على الاستحباب، ولذلك سنذهب إلى أن أصالة الاحتياط الوجوبي في الفروج غير واردة، بل الثابت هو الإحتياط الإستحبابي المؤكّد   
من الروايات التي استدل بها على الاحتياط الوجوبي:               
ح 2 - وبإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة، يقول: إذا بلغك أنك قد رضعت من لبنها وأنها لك محرم وما أشبه ذلك فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.[5]
من جهة السند: الرواية معتبرة، مسعدة بن زياد يقول الحر العاملي عنه في خاتمة الوسائل: مسعدة بن زياد الربعي، ثقة، عين، روى عن أبي عبد الله (ع)، قاله النجاشي والعلاّمة.
من حيت الدلالة: " لا تجامعوا في النكاح على الشبهة ... الى آخره"  صيغة انشائية واضحة في النهي. وعبارة " فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة " تشير إلى الارشاد بما تحمله كلمة خير من معنى التفضيل.
ومنها ايضا: ح 3 - محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) بإسناده عن العلا بن سيابة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة وكلت رجلا بأن يزوجها من رجل " إلى أن قال: " فقال عليه السلام: إن النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه وهو فرج، ومنه يكون الولد، الحديث. ورواه الشيخ كما تقدم في الوكالة. [6]
  من ناحية السند: فيها العلاء بن سيابة، يقول السيد الخوئي (ره) في المعجم لم يوثّق ولم يثبت مدحه، لكنه من مشايخ ابن ابي عمير، روى عنه، فإذا قلنا ان قاعدة ابن ابي عمير وصفوان واضرابهما، لا يروي إلا عن ثقة، صارت هذه القاعدة دليلا، وكان ابن سيابة ثقة وكان ابن سيابة ثقة، وإلا فلا.    
من ناحية الدلالة:  التأكيد " أحرى وأحرى أن يحتاط فيه " ظاهر في الاحتياط الوجوبي.
  هذه الروايات الثلاثة ظاهرة في الاحتياط الوجوبي.
 إلى هنا نكون قد انتهينا من الروايات التي استدل بها على الاحتياط الوجوبي ومع الروايات العامة في ذلك، غدا ان شاء الله سنبيّن الروايات التي تكون قرينة على ان الاحتياط استحبابي مؤكّد.


[1] طبقت هذه القاعدة على مسائل النكاح بأكملها، لذلك بعض من اشترط الصيغة في عقد النكاح قال: اقله من باب الاحتياط  وطبق الاحتياط الوجوبي في جواز الوطء للشك في تحقق الزوجية بغير اللغة العربية كالفارسية أو الفرنسية وغيرهما، فلا بد من حينئذ من الصيغة الغربية احتياطا وجوبيا في الفروج.
[2] فائدة: حتى: لا ينصب الفعل بعدها بان مضمرة الا إذا كان قبلها طلب أو نفي.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص193، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب157، ح1، ط الإسلامية.
[4] اقتراح من سماحة السيد الاستاذ: لو أن احدنا يجمع الروايات المبيّنة للحكمة والممهدة لبيان الحكم الشرعي لعلّة يكون لنا توجيها في كيفية تبليغ الأحكام وكيفية تعاطي الأئمة (ع) مع الناس من هذه الناحية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص193، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب157، ح2، ط الإسلامية.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص193، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب157، ح2، ط الإسلامية.