الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

    العنوان: الإجزاء
   - هل يستلزم القول بالإجزاء التصويب؟
هل يستلزم القول بالإجزاء التصويب؟ هل تستلزم السببية التصويب؟ فمن قال بالسببية يقول بالتصويب أو لا؟ فما هي العلاقة بين السببية والتصويب، وآثار هذه العلاقة.
يقول صاحب الكفاية (ره): الثاني: لا يذهب عليك أن الإجزاء في بعض موارد الأصول والطرق والأمارات، على ما عرفت تفصيله، لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد، فإن الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها، فإن الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل، ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية، بحسب ما يكون فيها من المقتضيات، وهو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الأمارات، وإنما المنفي فيها ليس إلا الحكم الفعلي البعثي، وهو منفي في غير موارد الإصابة، وإن لم نقل بالإجزاء، فلا فرق بين الاجزاء وعدمه، إلا في سقوط التكليف بالواقع بموافقة الامر الظاهري، وعدم سقوطه بعد انكشاف عدم الإصابة.
 وسقوط التكليف بحصول غرضه، أو لعدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه، وهو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الأمارة، كيف؟ وكان الجهل بها - بخصوصيتها أو بحكمها - مأخوذا في موضوعها، فلا بد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها، كما لا يخفى. [1]
  وملخص كلامه (ره) إن التصويب المجمع على بطلانه وهو المنسوب إلى الأشاعرة [2]: هو عدم وجود حكم في الواقع وهو يختلف عن الإجزاء الذي يحتفظ فيه بالحكم الواقعي، فشتان ما بينهما.
 وقبل بيان استلزام الإجزاء للتصويب وعدمه لا بأس ببيان مقدمة، وهي في ثلاثة أمور:
-بيان حقيقة السببية والطريقية.
-بيان أنواع السببية.
-بيان الآثار المترتبة عليها.
الأمر الاول بيان حقيقة السببية: وهي تُعَرف مما يقابلها وهي الطريقية، فإن الطريق لا يسبب مصلحة أصلا، بل هو مجرد وسيلة وكاشف عن المتعلّق أي ذي المصلحة. ولذا قلنا عن الأمارات انها مجرد كاشف عن واقع، سواء أقلنا بكون الدليل هو سيرة العقلاء أو قلنا بكونه الآيات أو الروايات أو غير ذلك، كما في الخبر الواحد.
  ذلك أن الأمارات طرق عقلائية نصبها العقلاء لغرضٍ، مثلا: خبر الواحد وقلنا فيه إن هناك: حقيقة، وغرض، وداع وحِكمة، ودليل.
  أما حقيقة الخبر: فهو اللفظ الكاشف عن واقع على نحو الظن، ولذا احتمل الصدق مع المطابقة والكذب مع عدمه فاحتمال الصدق والكذب لازم للخبر ما يلزم الخبر وليس حدّا له.
  والغرض: هو الحاجة العقلائية لتبادل المعلومات وإيصالها.
  والداعي: هو القرب من الواقع وكثرة صدق الثقة، مع السهولة في التلقي والبيان. أي الأسهلية في التناول والاقربية للواقع.
  والحِكمة: هي التسهيل على المكلفين وحفظ الأحكام الواقعية بالأخبار [3].
  والدليل: هو الآيات أو الروايات أو الإجماع أو تقرير المعصوم أو السيرة العقلائية، أو ما يمكن الاستدلال به وغير ذلك.
  فالطريقية ليست سوى كاشف ولا يكون سببا لإنشاء أية مصلحة. وبعبارة أخرى: الطريقية والكاشفية بمجردها هي الأصل والأساس في حقيقة الأمارات. لكن ورد عليها بعض الإشكالات:
-أنه كيف يمكن للشارع الحكيم أن يتعبدني بأمر خاطئ وذلك عند المخالفة للواقع.
-وكيف يجوز للشارع تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة.
 ولعلّ هذه الاشكالات والعجز عن ردّها على الطريقية هو السبب الذي دفع الكثيرين إلى القول بسببية الأمارة، أي أنها سبب لنشؤ مصلحة فتكون الأحكام على طبق مؤدّى الأمارة. ولذا ذهب الكثيرون إلى السببية لتلافي هذه الاشكالات.
 والسببية تتصور على عدّة معان:
الاول: أن لا حكم إلا  ما حكم به المجتهد، وأن الله عز وجل لم يجعل حكما ولا تشريعا أبدا سوى ما وصل إليه نظر المجتهد. بعبارة أخرى: أن الواقع يدور مدار رأي المجتهد، وهذا يعني أمورا:
-إن الأحكام خاصة بالعالم لارتفاعها موضوعا عن الجاهل.
-لا مصالح أو مفاسد في الواقع قبل قيام الأمارة، ففي عالم الثبوت ليس هناك أي مقتض أو منشأ للحكم.
-إتحاد عالم الثبوت والاثبات.
 فمن آثار هذا انه لا مجال لوجوب الإعادة أو القضاء، إذ ليس لدينا إلا أمر واحد يجب امتثاله وهو رأي المجتهد الفعلي. وهذا القول منسوب إلى الأشاعرة، وهو التصويب الباطل إجماعا، وإن شكك بهذه النسبة بعضهم ومنهم المحقق السيد الخوئي (ره). وهو مقطوع البطلان لأنه يستلزم بحث المجتهد عن لا شيء.
  المعنى الثاني للسببية:
  إن للشارع في الواقع أحكاما وشريعة، وهي تتبع مصالح ومفاسد واقعية والمجتهد يبحث عنها، فإن أصابها، وإلا كانت الأمارات سببا لقيام مصلحة أو مفسدة في المتعلّق تغلب المصلحة الواقعية [4] بحيث يصبح المطلوب وهو ما أدّت إليه الأمارة وهو الحكم الفعلي دون غيره، وهكذا فسِّر قولهم " لا حكم إلا ما حكم به المجتهد "، وقد نسب هذا القول إلى المعتزلة، وهو تصويب لا دليل عليه سوى ما ورد في الإشكالات على الطريقية، وهو يعني أمورا:
-إن الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل.
-إن قيام الأمارة يؤدي إلى قيام مصلحة أو مفسدة في المتعلّق، مطابقة للواقع مع الإصابة، ومزاحمة [5] له مع المخالفة.
- إنقلاب الواقع من عدم وجود مصلحة في المتعلّق عند المخالفة إلى إحداث مصلحة فيه.
- إنحصار الأحكام الواقعية الفعلية في مؤديات الحجج والأمارات ولا حكم في غيرها إلا على نحو المصالح والإقتضاء دون أن تصل مرحلة الفعلية.
-عدم وجود أحكام ظاهرية، بل كلها أصبحت واقعية، وعالم الثبوت يمتاز بالأحكام الأصلية والتي انقلبت إلى اقتضائية.
 هذا تصويب يؤدي إلى عدم وجوب الإعادة أو القضاء.
 غدا نكمل المعنى الثالث الذي ذهب اليه بعض الاماميّة.


[1] كفاية الأصول، الشيخ الآخوند الخراساني، ص88.
[2] وايضا التصويب المعتزلي عندنا مجمع على بطلانه.
[3]  الداعي يقارب الحكمة.
[4]  مثلا: " الفقاع نجس " لو فرضنا انه في واقع الامر نجس وقامت امارة على طهارته، فبمجرد قيام الامارة على طهارته حدثت في طهارة الفقاع مصلحة غير المصلحة الاولى
[5] عبرنا بالمزاحمة للواقع لأن مصلحة الواقع باقية كما هي لتصورين: اما ان تبقى مصلحة الواقع لكن مؤدي الامارة مصلحة اقوى بكثير  فزاحمتها، لكن بقيت مصلحة الواقع. أو أن مصلحة الواقع انقلبت واصبحت هي مؤدى الامارة.