الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الإجزاء
  - الإجزاء عن الأمر الثابت بالقطع بعد أن تبيّن الخطأ وعدمه؟
بقيت مسألتان:
  الاولى: الإجزاء عن الأمر الثابت بالقطع بعد أن تبيّن الخطأ وعدمه؟
  الثانية: الإجزاء لا يستلزم التصويب المجمع على بطلانه؟
 أما الاولى:  يقول الشيخ الآخوند (ره) في الكفاية: تذنيبان: الأول: لا ينبغي توهم الإجزاء في القطع بالأمر في صورة الخطأ، فإنه لا يكون موافقة للأمر فيها، وبقي الأمر بلا موافقة أصلا، وهو أوضح من أن يخفى، نعم ربما يكون ما قطع بكونه أمورا به مشتملا على المصلحة في هذا الحال [1]، أو على مقدار منها، ولو في غير الحال، غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقي منها، ومعه لا يبقى مجال لامتثال الأمر الواقعي [2]، وهكذا الحال في الطرق، فالإجزاء ليس لأجل اقتضاء امتثال الأمر القطعي أو الطريقي للإجزاء - بل إنما هو لخصوصية اتفاقية في متعلّقهما، كما في الاتمام والقصر، والإخفات والجهر. [3] 
  زبدة ما ذكره (ره) أن الحكم الواقعي لا يزال محفوظا في حال القطع بالخلاف ولم يمتثل، فلا شك في عدم سقوطه،
 أما ما ورد من إجزاء بعض الموارد كإجزاء التمام بدل القصر فلا يدل على قاعدة عامة،  وتخريجه أن المأتي به مشتمل على تمام المصلحة الواقعية أو على بعضها مع عدم إمكان استيفاء الباقي [4].
  أقول: بل عدم الإجزاء في حال الأمر القطعي (أي بحسب اعتقاده) أوضح وأظهر من عدم الإجزاء في موارد الأمارات والأصول. فلو أن أحدا استدل على الإجزاء فيهما لكون الشارع قد نصّ على اعتبارهما، فبإطلاق الاعتبار الذي يشمل حال الموافقة للواقع وعدمه يذهب إلى الإجزاء (بلحاظ أن الشارع يتحمل مسؤولية اعتباره) [5]، فانه هنا لا يوحد اعتبار من الشارع أصلا، بل المكلف قطع [6] بذلك فهو يتحمّل مسؤولية قطعه.
 إذن القطع بالخلاف وعدم الاجزاء اولى، وكلام صاحب الكفاية صحيح نسلم به. [7]
 إلى هنا نستطيع أن نلخص ما توصلنا إليه في خطوط:
-القول بالإجزاء في الأمر الاضطراري.
-القول بعدم الإجزاء في الأمر الظاهري، سواء أكان دليله في الامارات أم في الأصول، وسواء أكان مورده الاحكام أو الموضوعات.
-القول بعدم الإجزاء في الاعتقادي، أي ما أقطع به سواء أكان في الموضوعات أم في الحكام.
  المسألة الثانية: هل يستلزم القول بالإجزاء التصويب؟
 أي ما الفرق بين الاجزاء والتصويب، سنذكر في التفصيل أن السببية على ثلاثة معاني، لأنه قد يقال أن الاجزاء هو تصويب في النتيجة أو نتيجة واحدة. نقول هناك فرق كبير، نعم في بعض اقسام السببية والتصويب هناك اختلاف في وجهات النظر.   
 يقول صاحب الكفاية (ره):  الثاني: لا يذهب عليك أن الإجزاء في بعض موارد الأصول والطرق والأمارات، على ما عرفت تفصيله، لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد، فإن الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها، فإن الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل، ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية، بحسب ما يكون فيها من المقتضيات، وهو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الأمارات، وإنما المنفي فيها ليس إلا الحكم الفعلي البعثي، وهو منفي في غير موارد الإصابة. [8]
غدا ان شاء الله نكمل بيان المطلب وبيان ماهية السببية وأقسامها وآثارها.


[1] هذا رد على اشكال: بانه ماذا نفعل في الإخفات مكان الجهر، أو التمام مكان القصر في الصلاة. ماذا نفعل في هذه الموارد؟.   .
[2] هذا كله في عالم الثبوت. وعالم الثبوت لا نعرفه إلا أن يكون وجدانيا قطعيا.
[3] كفاية الأصول، الشيخ الآخوند الخراساني، ص88.
[4] الامر لا يخلو: إما على ان يشتمل للمصلحة، أو على عدم اشتمال، أو على شك في الاشتمال. فان اشتمل على تمام المصلحة الواقعية أو على بعضها مع عدم استيفاء الباقي يكون لخصوصية اتفاقية في المورد، فمع الاشتمال يجزي، ومع عدم الاشتمال لا يجزي، ومع الشك والاحتمال يبقى الحكم الواقعي على ما هو عليه، المصلحة لم تتدارك، فلا بد من القول بعدم الاجزاء .
[5]  كما في الرواية التي وردت " أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم. .". ثم لو فرضنا أن يونس اخطأ. فهناك دليلان على الاجزاء: اولا: بإطلاق ادلة الامارة، لا يوجد قيد في الرواية انه إذا اخطأ. فلا بد من الإعادة أو القضاء. ثانيا: بما يمكن ترجمته بانه هو امر باتباع فلان فهو المسؤول، وهو اعتبار المعتبر لهذه الامارة
[6] لان القطع وجداني وحجته ذاتية وليس هناك لسان لفظي حتى نقول بإطلاق الادلة، وكذلك الادلة اللبية ليس لها اطلاق. وثانيا: ليس هناك اعتبار معتبر كما في " ان جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا " فيكون خبر كل عادل معمل به
[7]  وردّا على سؤال من أحد الطلبة استطرد السيد الاستاذ قائلا: بقي الرواية في الوسائل: ح 33: وعنه عن محمد بن نصير، عن محمد بن عيسى، عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعا، عن الرضا عليه السلام قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم.
 السؤال هنا عن الوثاقة في الرواية، لذلك في الخبر المقطوع عن يونس الذي ورد في دروس الفقه الذي هو لم يعرف انه عن الامام (ع) فقد يكون اعتبارا خاصا ليونس، ثم انه ورد " آخذ عنه " ولم يقل " آخذ منه " هذا التفات ايضا مؤيد لهذا المعنى.
 أما ما ذكر في أنه ثقة، فالوثاقة لا تعني الملكة والمعصومية بل تعني عدم الكذب، لذلك نذكر بما قلنا سابقا بأن العمل بخبر الواحد لا يتم إلا بإجراء أربع أصالات، لاحتمال: خطأ الراوي، أو سهوه، أو احتمال التقّية، أو أن تكون لغير بيان الحكم الواقعي، أو احتمال أن الظهور خاطئ..
اولا لطرد احتمال السهو والنسيان والزلل والخطأ أو الكذب لحال الضعف من الراوي الثقة، نطردها بأصالة السند.
ثانيا: طرد احتمال ان يكون الخبر قد صدر عن تقيّة أو عن امتحان، ولا يكون المقصود به الواقع، نطرده بأصالة الجهة وهي أصالة الصدور.
ثالثا: دلالة اللفظ مع احتمال معنى آخر، أطرده بأصالة الدلالة.
رابعا: ومع عدم تطابق المراد الجدي مع المراد الاستعمالي أي الظهور، كما في التوريات، فلا بد من إجراء أصالة التطابق حينئذ لأطرد هذا الاحتمال. نعم أصالة الدلالة والتطابق كلاهما تحت أصالة الظهور
[8] كفاية الأصول، الشيخ الآخوند الخراساني، ص88.