الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: محرمات النكاح.
-البحث في تحقق النسب هو في عالم الثبوت لا الإثبات.
-الولد عرفا هو الولد شرعا إلا ما خرج بدليل كولد التبني.
-ما يمكن الاستدلال به لإسقاط عنوان الولد عن ابن الزنى.
-الروايات الواردة في ذلك، ثم الأصل العملي.
 نكمل الكلام في الاسباب المحققة للنسب، ذكرنا النكاح الصحيح، ووطء الشبهة، والتلقيح من دون وطء، وقبل أن ننتقل إلى مسألة هل الزنى يثبت نسبا أو لا؟ أو مسألة طفل الأنبوب؟ اود الاشارة إلى نقطة مهمّة وهي أننا نبحث الموضوع في عالم الثبوت وليس في عالم الاثبات، نبحث في ان الزواج الصحيح يؤدي إلى نسب أو لا، أما كيفية اثبات الزواج فبحث آخر، لذلك بحث الـ " DNA " سيكون في اثبات كيفية النسب، وكذلك بحث القيافة،  وقلنا أن القاعدة العامة أن كل ولد عرفا هو ولد شرعا، وكل أب عرفا هو أب شرعا، وكل خال عرفا هو خال شرعا، إلى آخره، فإذا كان عرفا ولد يعتبر ولد شرعا إلا ما خرج بدليل، مثلا: التبني في عرف الكثير من الناس وكان العرف سابقا على ذلك يثبت الولدية ويعتبره ولدا شرعا وليس مجرد إحسان للولد، جاء الشارع ونفى الولدية، وأسقط الولدية عن الولد العرفي ولولا هذا الاسقاط وباعتبار القاعدة أنه ولد شرعا لثبتت ولديته، الكلام في ولد التبني في عالم الثبوت، في أصل النسب هل يثبت بالتبني أو لا؟. ومثال آخر: الأمومة ﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [1]. كان الظهار في الجاهلية نوعا من الطلاق، واعتبر زوجته أمَّا لها حكم الأمومة من حيث الحرمة وعدم جواز الوطء. حين يقول أنت عليّ كظهر أمي، القرآن الكريم ينفي الامومة بل ان الام هي التي ولدتهم وانهم يقولون منكرا من القول وزورا، بعبارة اخرى: الكلام وحده لا يعيِّن لا الابوة ولا الامومة ولا البنوة، فإسقاط الامومة والابوة هو الذي يحتاج إلى دليل.          
أما الزنى: هل الولد الناشئ من الزنى ولد شرعا بحيث تثبت له أحكام الولدية إلا ما خرج بدليل كالإرث والكشف اما الولد للأم، والبر والنفقة وكل احكام الولدية، أم أنه لُغيّة ليس بشيء؟ البحث سيكون في عالم الثبوت لأن العرف البشري يرى أن ولد الزنى ولد باعتبار ان انعقاد النطفتين هو كاف في اثبات الولدية. 
 ثم إنه بناء على عدم ثبوت النسب فهل يلحقه أحكام الاجنبي كجواز نكاحه، ووجوب استتار المرأة عنه؟
 البحث سيكون في تحقيق الاصل اللفظي وليس الاصل العملي إذ الأصل العملي في الجميع هو أصالة العدم، أي استصحاب عدم البنوة أو الأبوة وما شاكل ذلك.  
 أما المسألة الأولى: تقدمّ معنا أنه مع تحقق لقاح النطفتين مع نكاح صحيح او وطء شبهة أو اجتماع ماءين من دون زنى تثبت الأبوة والبنوة.
 أما إذا تلاقحت النطفتان عن زنى، فلا شك أن العرف يجعل الناتج ولدا لكليهما. وقد ذكرنا أن كل ولد عرفا هو ولد شرعا، بمعنى ثبوت النسب، ومع ثبوته ثبت أحكامه، فتثبت كل أحكام الولدية من عدم جواز التزويج بها لو كان الولد بنتا أو العكس، وجواز إظهار شعر الأم أمامه، بل ووجوب بر الوالدين وغير ذلك، نعم خرج بدليل الإرث وضمان العاقلة في بعض الروايات.
 بالنتيجة يمكن أن نقول: إن الولد الناشئ من النطفتين تارة يكون عن نكاح وأخرى عن زنى وأخرى عن غيرهما. فتثبت للأول أحكام وللثاني نفس الأحكام إلا ما خرج بدليل وكذا الثالث. وذلك باعتبار ثبوت عنوان الولدية والأحكام تابعة لعناوينها.
  وأما قول بعض المعاصرين: ولا إشكال في أنه لا يثبت النسب بالزنى، وفي الجواهر: الإجماع بقسميه [2]، بل يمكن دعوى ضروريته فضلا عن دعوى معلوميته من النصوص أو تواترها فيه. انتهى.[3]
  وعن الصدوق وابي علي وابي الصلاح (ره) إلحاق ولد الزنى بأمه.
إذن هناك قولان: الاول: عدم الثبوت مطلقا اجماعا وضرورة ومن النصوص. الثاني: يثبت للأم فقط.   
 نقول: فإن كان المراد عالم الثبوت في قوله لا يثبت الزنى، بمعنى أنه لا يتحقق بالزنى، فإنه أمر متنازع فيه، ولا إجماع فيه، بل قد ذكرنا أن المختار ثبوت الولدية بمجرد التلاقح لأن العرف على ذلك. وإن كان المراد عالم الإثبات فهذه مسألة أخرى، ولا شك في عدم إثبات النسب بمجرد دعوى الزنى. نعم قد يقال أن ولد الزنى ليس ولدا اصلا وهناك من يقول بذلك فلا تجري عليه احكام الولدية ولا ينطبق عليه أيضا العنوان كولد.  


  وما يمكن أن يكون دليلا على إلغاء النسب، أمور [4] الاول: الروايات:
  جمع الحر العاملي (ره) في الوسائل ج 17روايات عدم الإرث في الباب 8، ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه: ح1: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أيما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها فإنه لا يورث منه شيء، فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يورث ولد الزنا إلا رجل يدعي ابن وليدته الحديث. ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير مثله. وعنه عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة،  عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.[5]
 من حيث السند معتبر صحيح اعلائي.
 في مقام المفردات والدلالة يلاحظ في المتن قال :  " وليدة قوم " تطلق على الجواري، " حراما " منصوبة على أنها تمييز [6]. والمراد من " الفراش والحجر "  ان الفراش هو كناية عن العلقة الشرعية الصحيحة بين الزوجين دائم أو موقت أو ملك يمين أو تحليل، والفرق بين الكناية والتصريح والمجاز، أن الكناية يراد منها معنى مجازي مع إجازة وقوع المعنى الحقيقي بخلاف المجاز .  ولذا كان إسناد " وللعاهر الحجر" العاهر هو الزاني، والحجر له معنيان: الاول: هو حجر الرجم. والثاني: أن لا شيء له، الولد ليس له. " ولا يورث ولد الزنى " فقد عبِّر عنه بالولد، وهذا على القاعدة، فإنه لغة ولد، والرسول الأكرم يتكلم مع الناس بلغتهم، فالولد العرفي ولد شرعي لاستعمال الرسول (ص) نفس اللفظ. والأصل عدم النقل. ثم إنه ليس في الرواية أية إشارة إلى نفي الولدية.
 وغدا نكمل أن شاء الله معنى كلمة " لُغّية ".                                         


[1] مجادله/سوره58، آیه2.
[2] أي لا يثبت النسب بالزنى بالإجماع المحصّل والمنقول.
[3] جواهر الكلام، الشيخ محمد النجفي، ج29، ص256.
[4] ذكرنا في منهجية الاستنباط  في الشبهة الحكمية: نبحث عن علم، فعلمي، فاصل لفظي، فاصل عملي. نأخذ اولا بالعلم الوجداني القرآن بالنصوص ثم الروايات ثم الاصل اللفظي ثم الاصل العملي. وعلى خلاف البعض نأخر الاصل ولا نشرع في تأسيس الاصل، لانه كمن يشرع في البناء من الطابق الاخير  قبل بناء الطابق الاول.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، ب8، أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه، ح2، ص567، ط الإسلامية.
[6] هناك أربع احتمالات: الحال، والتمييز، أو نائب لمفعول مطلق، أو نعت. وهذا يفيد في مقام الاستنباط، إذا قلنا انه تمييز تكون نسبة الوقوع اليه نسبة حرام فيثبت الزنى. والتمييز هو لما انبهم من الذوات أوالنسب. تارة يكون تمييز مفرد وتارة يكون تمييز نسبة، فتكون كيفية الوقوع كيفية محرّمة. اما لو كانت حالا، فيكون المعنى حال كونها هي حرام كالأخت أو متزوجة، ويكون كالوصف ولا يعني ان الوقوع هو حرام، فلا تدل على الزنى. والمفعول المطلق يكون لبيان النوعيّة فلا يدل على سبب الحرم.